أمير مخول
بعد مظاهرات اليمين من أنصار الحكومة يوم 30/3/2023 وجّه كل من بنيامين نتنياهو ووزير قضائه ياريف ليفين، تحياتهما إلى “مئات آلاف المتظاهرين المساندين للإصلاحات القضائية والمعبرين برأيهما عن غالبية الشعب” وأشارا إلى أن هذه المظاهرات تمدّهما بالعزيمة والاصرار. وأكد كلٌّ منهما بأن “الاصلاحات” ستتواصل وسوف يتم تشريعها ولا تراجع. يذكر أن المنظمين قد أطلقوا عليها “مسيرة الحرية” وكان شعارها: الشعب يريد إصلاح القضاء.
من ضمن الجهات التي دعت للمسيرة العنيفة كان حاخامات الصهيونية الدينية وبعضهم من أعضاء التنظيم الإرهابي اليهودي في سنوات الثمانين الاولى، منظمة “إم ترتسو” ومنظمة “ل-فاميليا” ومنظمة “لهافاه “وهي تنظيمات عليها مطالبات قانونية بحظرها وإعلانها منظمات إرهابية.
شهدت المظاهرات المناصرة للحكومة اعمال عنف وتخريب متعمّد واعتداءات دموية وحصريا اعتداءات على كل فلسطيني مرّ بالمكان في القدس او مراسل صحفي يتحدث بالعربية بالإضافة الى اعتداءات على الممتلكات العامة والمتظاهرين الاسرائيليين المناوئين للحكومة وانقلابها القضائي.
قام أنصار اليمين الفاشي ولأول مرة في تاريخ الاحتجاجات الإسرائيلية بوضع الحواجز على الطرق المؤدية إلى الكيبوتسات في منطقة غور بيسان والخالصة (كريات شمونة) ، وقد وفرضوا على سائقي السيارات ومرافقيهم التصريح إذا كانوا من مؤيدي “الإصلاحات” أم ضدها.
في ردّه على المحكمة العليا التي تنظر في التماس بشأن أهليّة بن غفير لتولي وزارة الأمن القومي والصلاحيات الواسعة، أكد نتنياهو انه “وبعد ثلاثة أشهر اتيقّن بأن أهليّة تعيين بن غفير قد تعززت”.
ظواهر الاحتقان والاستقطاب والترهيب الجسدي، بدأت في الاتساع، وتثير المخاوف والقلق، فقد صدر نهاية الأسبوع تصريحان لافتان لكل من القائد العام للشرطة سابقا موشي كارادي، والذي حذر من امكانية قيام بن غفير بانقلاب على الحكم من خلال القوة غير المسبوقة التي وضعت بين يديه وهي الحرس القومي. حسب الاتفاق الموقع بين نتنياهو وبن غفير فقد صادقت الحكومة في الثاني من نيسان/ابريل على إقامة الحرس القومي تحت إمرة الوزير، وعلى اقتطاع ميزانية من الوزارات المختلفة تبلغ مليار شيكل أي ما يقارب ال 350 مليون دولار. ولم يستبعد كارادي حدوث اصطدامات ميدانية بين الشرطة الرسمية الخاضعة للقانون وبين ميليشيات يقودها وزير بسجل إجرامي خطير، وأشار إلى أهمية أن يكون رئيس جهاز الأمن العام مستعدا لمثل هذا الوضع الذي قد يتطلب تدخل الجهاز وحماية مؤسسات الدولة. في المقابل حذر القائد العام الحالي للشرطة كوبي شبتاي من أن هذه “خطوة غير ضرورية” قد تؤدي إلى “الإضرار بالأمن الشخصي للمواطنين”. ووفقًا للقرار فإن بن غفير سيعمل على تشكيل لجنة تشكل مخطط عمل الحرس وتقديم توصياتها للحكومة خلال 90 يوما.
التصريح الثاني لرئيس الموساد السابق تمير باردو والذي شبّه الحواجز المذكورة التي أقامها أنصار اليمين الفاشي في 30 مارس /آذار ب “أجواء الحرب الأهلية في لبنان وما تلاها”، معتبرا هذه الخطوة صدامية عنيفة مع المنظومة الامنية ونزع ثقة منها وبأنها لن تكون خطوة عابرة.
مؤشر آخر على استمرار الصراع الداخلي واحتمالاته الخطرة، أن قرار نتنياهو بإقالة وزير الأمن غالنت لا زال معلّقا وغير ساري المفعول، إذ لم يصدر بعد في كتاب رسمي ولم يستوفِ الاجراء القانوني. كما ولا تزال ردود الفعل داخل الجيش قوية جدا في هذا الصدد وهناك مساعٍ لرئيس حزب شاس أرييه درعي بالوساطة، إضافةً لأصوات داخل الليكود تدعو للتوافق والعدول عن الإقالة نظرا لتداعياتها.
لم يقتصر الترهيب على المجتمع اليهودي وإنما الى الوجود العربي في البلاد، فقد نشرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” تقريرا يوم 31/3 يربط بين صعود الصهيونية الدينية وحاخاماتها والاعتداءات على المقدسات المسيحية العربية في القدس، ولمحت إلى نزوع هذا التيار نحو الحرب الدينية مع المسلمين بشأن الوضع القائم في الاقصى وحلم بناء الهيكل مكانه، في حين ان الحرب مع المقدسات المسيحية هو استعادة صراع تاريخي وعقائدي بين الديانتين اليهودية والمسيحية والمؤسسات الدينية. ويسعى التيار الصهيو-ديني إلى الحرب الدينية عقائدياً، في حين يسعى اليها وظيفياً من اجل تغيير جدول الاعمال الاسرائيلي وتخفيف الضغط ضد التغييرات الدستورية.
أشار آخر استطلاع رأي نهاية الأسبوع الفائت أجراه معهد الاستطلاعات “ميدغام” بالتعاون مع معهد”آي-بانيل”، الى تفوق غانتس ولأول مرة على نتنياهو بشأن الملاءمة بنظر الجمهور لرئاسة الحكومة، إذ حصل غانتس على نسبة 38%، في حين تساوى نتنياهو ولبيد وحصل كل منهما على 31%، وهو أمر لم يحصل منذ أكثر من خمسة عشر عاما. كما ويزداد الحديث من قبل أوساط في الأحزاب الحريدية الدينية وحصريا حزب شاس لإخراج حزبي الصهيونية الدينية من الائتلاف ودخول الحزب الرسمي بقيادة غانتس بديلا لهما، وهناك من يرى أن عدم تراجع نتنياهو عن اقالة غالانت يندرج في سياق هذه المساعي، بينما قد تدفع شعبية غانتس المتصاعدة الى عدم رغبته في أن يكون وزيرا تحت نتنياهو مما قد يمس بهذه الشعبية.
خارجيا، غرّد رئيس مجلس النواب الأمريكي الجمهوري كيفين مكارثي على موقعه يوم 31/3 وأكد دعمه لنتنياهو ومشروعه وأغدق عليه المديح، وطالب الرئيس جو بادين بعدم التدخل في شؤون إسرائيل الداخلية وانتقد عدم دعوة نتنياهو للبيت الأبيض.
تتزايد التقييمات الاسرائيلية والامريكية على السواء بأن اتفاقات التطبيع مع الأنظمة العربية باتت في مرحلة حرجة نتيجة الأزمة الاسرائيلية، بينما أكدت الامارات عن تعزيز المسار وفقا للادعاء وزير خارجية إسرائيل.
بعد تظاهرات القدس، التشدد سيد الموقف:
خسر نتنياهو الجولة الاولى من الانقلاب القضائي ولم يتم إنجاز أي تشريع ضمن القوانين الأساس، كما تآكلت شعبيته وشعبية ائتلافه. وسائل إعلام الصهيونية الدينية اتهمته ومعه سموتريتش وبن غفير بالتخاذل، بعد التراجع أمام الزخم الشعبي وضغوط المؤسسة العسكرية والأمنية، وتعليق تمرير التشريعات القانونية.
حدث تغيّر في لهجة نتنياهو بعد مظاهرة اليمين المناصرة لحكومته يومي السابع والعشرين والثلاثين من مارس \آذار في القدس، شارك فيها عشرات الآلاف وهناك من يقول مئات الآلاف من أنصار اليمين المتطرف. ويبدو انه بدأ يعلق آمالا على استفاقة الشارع المناصر للصهيونية الدينية وحكومته وخطوطها العريضة التي تتطلب التغييرات الدستورية كي تطبّقها بروح عقيدتها ودونما اية كوابح.
شكل موقف النائب الجمهوري كيفين مكارثي دعما كبيرا لنتنياهو والذي اعتبره قوة مضادة لموقف الرئيس بايدن وتحييد أثر التدخل الأمريكي الرسمي، الا ان هذا التصريح قد يعمق الشرخ الأمريكي السياسي من جهة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، كما وقد يكون أثره مؤقتا وعابراً لأنه سيضع الحزب الجمهوري في تناقض مع موقف غالبية اليهود الأمريكيين.
بعد إرجاء إقرار التعديلات واحالة الازمة الى حوار على طاولة رئيس الدولة هرتسوغ، باتت الأمور أكثر وضوحا وبأنها أشبه بانتهاء جولة في مباراة ملاكمة لكن ليست نهاية المبارزة، وإذ تسعى المعارضة الاسرائيلية الى التصعيد شعبيا وشلّ حركة الوزراء وهذا ما أثبتت قدرتها عليه في مظاهرات السبت، الاول من نيسان/ابريل، فإن اليمين الذي استفاق جمهوره وخاصة القوى والتنظيمات الارهابية العنيفة سوف يسعى الى مواصلة حشد جمهوره في الشارع، في مسعى لترهيب أنصار المعارضة وحركة الاحتجاج.
بعد أن تكوّن الانطباع بأن الأمور تقترب من الحسم نحو إلغاء التشريعات، يبدو أن اسرائيل تدخل في مأزق عميق لا مخرج له في المدى المنظور، مأزق يتميز بتعمق الحالة الصدامية باحتمالات مفتوحة، سواء نحو تمرير التشريعات، او فقدان نتنياهو للغالبية في التصويت في الكنيست خاصة على ضوء تراجع شعبيته وأهليته لترؤس الحكومة في نظر الجمهور، أو لتغيير تركيبة الائتلاف الحاكم إذا ما وجد شريكا وقدمت له ضمانات لشخصه.
يتصاعد خطاب الهويات في إسرائيل، وأكثر المعنيين به نتنياهو وحكومته في مسعى لتأليب اليهود من أصول شرقية وكذلك المتدينين “الحريديم” ضد حركة الاحتجاج، مما يضعف اسرائيل أكثر ويعمق صراعاتها كما لم يحصل يوما.
خلاصة:
الازمة الاسرائيلية اخذة حاليا بالتعمق وتتجه نحو مأزق اللا-مخرج، وهو ما يهدد رتابة المنظومات الامنية والحاكمة على السواء.
حسب كل التقديرات، فإن تيار الصهيونية الدينية يرى أن الائتلاف الحاكم قد فشل وأخفق، لكنه هذا التيار لن يستسلم، بل يسعى لفرض سطوته على المجتمع الاسرائيلي بما في ذلك العنف الدموي وحتى الاغتيالات السياسية.
يسعى هذا التيار وهو الأكثر أثرا في الحكومة الى إشعال الحرب الدينية في القدس وبشكل سافر. هذا ما يخشاه نتنياهو لكنه لم يعد صاحب القرار الحاسم، بل بات واضحا ان أصحاب القول الفصل في الوضع الحالي هم حاخامات الصهيونية الدينية.
رغم التقديرات بأن الحرس القومي رغم إقراره في الحكومة، يواجه صعوبات قانونية وجوهرية في إقامته، وبمعارضة حازمة من قبل المستشارة القانونية للحكومة ومن الشرطة والشاباك قد تحول دون إنشائه فعليا، إلا أن قرار الحكومة يوم 2/4/2023 فيه استباحة لحقوق الفلسطينيين العرب وحتى لوجودهم في وطنهم.
التقدير أن أثر الادارة الامريكية يبقى الأكثر فاعليّةً ونفادًا من أصوات منفردة مؤيدة لنتنياهو من الحزب الجمهوري، خاصة وأن جمهور الحزب الديمقراطي ومعه الأمريكيون اليهود في معظمهم يناهضون نتنياهو وحكومته الصهيونية الدينية.
تنكر إسرائيل لالتزاماتها في اجتماعي العقبة وشرم الشيخ تجاه السلطة الفلسطينية، هو تأكيد اضافي الى مسعى الحكومة وتحديدا وزير المالية سموتريتش نحو إضعاف السلطة الفلسطينية وحتى القضاء عليها، فهو يرى دون مواربة ،ان تعزيز قوتها تشكل عقبة أمام مشروعه التوراتي بفرض السيادة اليهودية الكاملة بين البحر والنهر .
المصدر: مركز تقدم للسياسات