منير الربيع
ما يُحكى في الكواليس السياسية عن طريقة تفاوض رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مع القوى الدولية، يتجاوز “السوريالية” بأشواط. أداء يظهر الأسد وكأنه بطل عالمي على المستوى الدولي. هو الذي بإمكانه الخروج متبجحاً لإعلان انتصاره على “مؤامرة كونية”، اشتركت بها قوى دولية وإقليمية وعربية لإسقاطه لكنها تعود لتفاوضه. يتخذ موقعه التفاوضي من نقاط قوة يرتكز عليها، وعنوانها أنه لم يُهزم في الحرب، لا بل هزم الجميع.
تقدّم الصين
لم تشهد الأشهر الفائتة مفاوضات أمنية أو سياسية تركية وسعودية ومصرية فقط مع النظام السوري، بل كانت هناك مفاوضات أميركية معه أيضاً، وصلت إلى عقد اجتماعات مباشرة وعلى مستويات رفيعة بين مسؤولين أميركيين ومسؤولين من النظام السوري، في سلطنة عمان. ولكن قبل الدخول في تفاصيل هذه اللقاءات وما ارتكزت عليه مباحاثاتها، لا بد من تسجيل بعض النقاط والملاحظات.
في قراءة للمشهد الدولي، ظهر مؤخراً، تقدّم للصين على المسرح العالمي والشرق أوسطي، وهو ما أبرزته بكين في رعايتها للاتفاق السعودي الإيراني، وتالياً في تقديم مبادرة لوقف الحرب الروسية على أوكرانيا. تلى ذلك زيارة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بكين ولقائه بالرئيس شي جين بينغ، وبعدها صرّح ماكرون بأنه لا يجب على أوروبا أن تبقى في حالة تبعية للولايات المتحدة الأميركية. يوحي هذا المشهد بوجود خلاف ومشكلة داخل الحلف الواحد مثلاً، أي بين أميركا وأوروبا. كما هو الحال بالنسبة إلى خلافات أوروبية- أوروبية حول ملفات كثيرة.
الأسد وفرض الشروط
كذلك، وفي ظل التقارب السعودي الإيراني وبرعاية صينية، يبرز خلاف أميركي سعودي، وخلاف أميركي إسرائيلي، وصولاً إلى التسريبات التي حصلت مؤخراً وقيل إنها تمسّ الأمن القومي الأميركي، وتفضح الكثير عن العلاقات الأميركية مع الحلفاء. كل ذلك يؤدي إلى حالة من التضعضع في هذا المحور. وفي إسرائيل أيضاً، مشاكل داخلية قابلة للانفجار في أي لحظة. عربياً أيضاً، ثمة خلافات بين عدد من الدول حول مسألة إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، في ظل اعتراض خمس دول كما يُقال. وهو ما يدفع الأسد إلى القول إنه لا يريد ارباك أحد بالعودة إلى الجامعة العربية، إنما هو يركّز ويحرص على تطوير العلاقات الثنائية.
على الرغم من المفاوضات العربية الدائرة مع الأسد، للبحث في إعادة العلاقات معه أو إعادته إلى الجامعة العربية، يظهر أيضاً تباين كبير في آراء الدول. فمثلاً مصر شددت في لقاء وزيري خارجية البلدين على ضرورة تطبيق القرار 2254، والذي يتحدث عن انتقال سياسي للسلطة. هذا القرار غاب عن البيان السعودي السوري، الذي اقتصر الحديث فيه فقط عن الحل السياسي من دون أي ذكر للقرارات الدولية. وهذا ما يجعل الأسد مزهواً أكثر بكل ما يجري وبالإختلافات البينية. قبل ذلك أيضاً، كان بشار الأسد وخلال زيارته لموسكو للبحث مع المسؤولين الروس في تطبيع العلاقات مع تركيا، قد فرض شروطاً مرتفعة السقف، أولها لجهة رفض لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل الانتخابات، وثانيها بوضع شرط أساسي على تركيا يتعلق بوضع جدول زمني للانسحاب من سوريا.
لقاءات عُمان
مثل هذه الشروط يكررها بشار الأسد على الأميركيين أيضاً. وحسب ما تكشف مصادر متابعة، فإن أكثر من لقاء مباشر عقد بين وفود من النظام السوري والأميركيين في سلطنة عمان. وقد كان المجال التمهيدي لهذه اللقاءات، مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين، تركزت حول عدد من النقاط، أبرزها إطلاق سراح 7 رهائن أميركيين في سوريا، على رأسهم أوستن تايس. فيما بعد تم وضع ورقة سياسية شاملة، هي التي فرضت الذهاب إلى حوار مباشر. وهذا الحوار بالتأكيد معلوم بالنسبة إلى عدد من العواصم. وبالإرتكاز إليه تسارعت وتيرة التفاوض بين دول عربية والنظام السوري.
هنا يمكن طرح سؤال إذا ما كان المسار السعودي في الانفتاح على دمشق، يشبه المسار نفسه في الانفتاح على طهران. أي أن السعودية كانت على علم بوجود مفاوضات أميركية إيرانية ومفاوضات أميركية سورية، فأرادت الرياض استباق ذلك بانتهاج طريق خاص بها بمعزل عن الأميركيين.
المخدرات والرهائن
تتضمن الورقة السياسية التي يتم التفاوض عليها بين النظام السوري والأميركيين نقاطاً متعددة، تختلف الأولويات فيها بالنسبة إلى كل طرف. فالأميركيون يضعون شروطاً تبدأ من إطلاق سراح الرهائن، وبعدها يتم البحث في المجالات السياسية. بينما الأسد يشترط البحث السياسي، كما يشترط الانسحاب الأميركي من شرق الفرات، لأنه يريد السيطرة بنفسه على المناطق الغنية بالنفط، بالإضافة إلى الوصول لتفاهم حول المسألة الكردية. وبعدها يكون إطلاق سراح الرهائن هو النتيجة لهذه المفاوضات.
يتعاطى الأسد مع الوضع بأنه قائم ومستمر بحكم الأمر الواقع. وهو يعود إلى استخدام لعبة قديمة جديدة ترتكز على ابتزاز دول العالم، فكما يبتز أحد الأطراف في مسألة تهريب المخدرات، يبتز الأميركي بورقة الرهائن.
بناء عليه، يستخدم الأسد لعبة الاستثمار بالوقت، وهي أكثر ما يحترفه النظام السوري الذي أرساه حافظ الأسد. وربما حصل تطور في آليات هذا الاستثمار انطلاقاً من تعميد العلاقة مع إيران بالدم.
حسب ما تقول المعلومات، فإن المفاوضات الأميركية السورية تتركز على الأمور الداخلية السورية، فيما يطرح الأسد إيجاد حلّ لمسألة الأكراد ووقف الدعم الأميركي لهم. بينما يعتبر آخرون أن الأميركيين يريدون مقابل التعاطي مع الأسد، بحكم الأمر الواقع، أن يتعاطى هو أيضاً بواقعية مع الأمر الكردي، بالإضافة إلى ملفات أخرى تتعلق بالوضع في جنوب سوريا ولا سيما ملف الجولان.
لا يزال من المبكر التكهن بكل هذه المسارات ونتائجها، فيما تختلف التقديرات والمواقف حول من يعتبر أن الأسد باق والجميع سيتعاطى معه، وبين من يعتبر أن لا إمكانية لذلك من دون حصول حلّ سياسي حقيقي، يقود إلى تغيير في المرتكزات السياسية، أو في طبيعة سوريا ككيان.
المصدر: المدن