محمود الوهب
قدم السوريون إلى تركيا خوفاً من موت مجاني، يلاحقهم، بعد أن توعَّدهم به النظام السوري، دون أيِّ سبب، فقط لأجل استمرار سيطرته على بلادهم مدى حياتهم، وحياة أولادهم من بعدهم، إن وجد إلى ذلك سبيلاً.. فكان التهجير أسلوباً لتنقية المجتمع ممن لا يخضع لإرادة الاستبداد الجائر، وليبقى تحت حكمه شعباً متجانساً قادراً على تقديس “السيد الرئيس” الذي يعدُّه جلاوزتُه “معبوداً” سواء في المعتقلات، أم لدى معظم فصائل جيشه، وقادة أجهزة أمنه. ويريدون فرضه على السوريين كافة..
هؤلاء السوريون الذين حاصرهم الموت في بلادهم يعيشون اليوم في تركيا آمنين مرتاحي البال والضمير.. فالظلم الفعلي هو ذلك الذي يتجاوز البدن إلى الروح، فيميتها.. لكنَّ هؤلاء السوريين النشيطين في حياتهم، والمبدعين في أعمالهم كافة، يعانون اليوم ظلماً من نوع آخر، لكنه ظلم، على أية حال! صحيح أنه قد لا يوازي ذلك الذي عانوه في بلدهم، لكنه ظلم إنساني موجع ينغِّص عليهم حياتهم.. والمراد، هنا، الإشارة إلى العمال السوريين.. هؤلاء الذين لا يملكون سوى قوة عملهم التي يجبرون على بيعها – على حدِّ تعبير كارل “ماركس” – لأرباب العمل تأميناً لاستمرار حياتهم لا أكثر..
والملاحظ أن أرباب العمل لا يرون إيجار البيوت المرتفعة، ولا فواتير الماء، أو الكهرباء أو الغاز، كما لا يأبهون لأسعار المواد الاستهلاكية التي تضاعفت نحو عشر مرات خلال العامين الأخيرين! لكن عيونهم لا تغفل عما ينجزه العامل أو عن أي تقصير يبدر منه.. فالعامل، هنا، مجبر على العمل عشر ساعات، وقد تصل أحياناً إلى اثنتي عشرة ساعة دون حساب ساعات الوصول والعودة، من وإلى مكان العمل، ويبقى تقدير أجرة الساعة الإضافية على مزاج المعلم.. وكما أنَّ أجرة العامل السوري أقل بكثير من أجرة نظيره التركي.. وفي العموم، لا يحصل العامل السوري إلّا على الحد الأدنى من سلم الأجور.. وهذا ما جعل المعارضة التركية تستغل هذا الجانب، لتهاجم السوريين كافة، وتطالب بترحيلهم، إذ زعمت أنَّ العمال السوريين أخذوا مكان نظرائهم الأتراك.. ناهيكم بظهور حالات من الكراهية، وإن في بعض الأحيان، فلا يمكن وصفها إلا بالعنصرية، إذ هي لا تعير العلاقات (السورية – التركية) أيَّ اهتمام.. بالطبع قد يكون هذا الأمر يخص فئات قليلة من الشعب التركي، ولا يمكن له أن يطغى على ما فعله الإخوة الأتراك تجاه إخوتهم السوريين، وتحمُّلهم بعض العناء.. ويدرك السوريون تماماً، أن بعض هؤلاء الذين يحملون عليهم أحياناً، إنما يفعلون ذلك للمتاجرة السياسية!
ويعاني العامل السوري، من جهة أخرى، الكثير من الغبن إذا ما قيس بغيره فهو على سبيل المثال لا الحصر، لا يحصل على أية إجازة شهرية أو سنوية، ويداوم يوم السبت، وهو يوم عطلة، وليس لديه تأمين صحي، ولا ما يعوضه عن إصابة العمل التي كثيراً ما تحدث، أو تعويض وفاة، حتى، وإن حدث ذلك خلال العمل. وثمة حوادث كثيرة في هذا المجال. ولا يعرف السوري شيئاً عن تعويض نهاية الخدمة أو تركه للعمل سواء بإرادته أم أكره على ذلك، وما هو معلوم أن ذلك كله يجري خارج إطار رقابة الأجهزة الرسمية.
إن ذلك كله منوط بـ “إذن العمل” الذي لا يحصل عليه العامل السوري ضماناً لكلَّ ما تقدم.. فلا عقود نظامية، لأنّ الاتفاق بين العامل ورب العمل شفهي لا ضابط له، ولا التزام فيه، ويمكن إيجازه بأنه بين طرفين أحدهما قوي مترصد والآخر ضعيف مستجير. وما دمنا بإذن العمل فلابد من ذكر إذن السفر الذي له علاقة بالعمل في أحيان كثيرة. فقد يجد السوري عملاً في ولاية غير الولاية المسجّل فيها، فالقوانين الخاصة بالسوريين تمنعه.. وثمة أمر آخر إذ كثير من السوريين لا يملكون بطاقة الحماية المؤقتة، رغم مضي سنوات طويلة على وجودهم.. وسيف الترحيل يلامس أعناقهم أو يكاد.
وتجدر الإشارة إلى أن العمالة بين الأطفال السوريين كثيرة جداً، فآلاف الأطفال السوريين يعملون تحت ضغط حاجة أهاليهم إلى لقمة العيش، كما يعاني معظم العاملين السوريين الأمية، إذ لم تتح لهم ظروف أهاليهم إدخالهم إلى المدارس.
وكل ما تقدَّم ينطبق على أرباب العمل السوريين قبل غيرهم، إذ هم يتحملون مسؤولية أكبر تجاه أبناء جلدتهم، فهم الأولى بهم! ما أريد قوله في نهاية المطاف: إن حقوق العامل السوري مهدورة لدى الطرفين، ولعلنا أخيراً نضع هذه القضية، لا أمام أرباب العمل، ولا أمام القوانين التركية، بل أمام المنظمات السورية المعنية، على نحو أو آخر، فثمة روابط، وجاليات، ومنظمات مجتمع مدني، وسوى ذلك ممن يمكن لهم أن يقوموا بفعل ما لهؤلاء العمال الذين هم بأمسّ الحاجة إلى من يقف إلى جانبهم في معاناتهم فيعينهم على بؤسهم، ويخفف عنهم شقاءهم.
المصدر: إشراق