نبيل فهمي
أبرزها الأمن والاقتصاد في ظل تغير التوازنات الدولية وبوادر نشوب حرب عالمية
تنعقد في الـ 19 من مايو (أيار) الجاري القمة الـ (32) لرؤساء الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية بالعاصمة السعودية الرياض في ظروف سياسية متجددة وغير مستقرة، وأمامها عدد من القضايا المهمة والحساسة بالنسبة إلى العالم العربي، لأن دوله في مرحلة تطوير وإعادة تشكيل، وكان ذلك في صياغة المعادلة الاجتماعية الداخلية، وبالنسبة إلى العلاقات الإقليمية الحالية أو في ما يتعلق بترتيبات مع الساحة الدولية، فغالبية المواطنين في عالمنا من فئة الشباب وولدوا بعد مرحلة التحرر من الاستعمار وينتمون إلى عصر العولمة بإيجابياتها وسياساتها، متواصلين على شبكات التواصل الاجتماعي بكل ما تحمله من معلومات مهمة وثرية وأخرى مغلوطة ومفبركة وضارة.
وشهدت المنطقة خلال العقود الماضية تغيراً جذرياً في التوازنات الإقليمية في غير مصلحة العرب، كما تابعنا التغيرات الدولية الكثيرة من تفكك الاتحاد السوفياتي وأفغانستان والعراق، مما جعل الولايات المتحدة أقل حماسة واهتماماً والتزاماً بتوفير ترتيبات أمنية لدول الشرق الأوسط، وكذلك تغيير الدور الروسي وتنامي النفوذ الصيني، فضلاً عن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية العالمية الكثيرة.
ولا يختلف أحد على أن العالم العربي مر بتجارب صعبة خلال نصف القرن الأخير، من احتلال للأراضي وعدم الاستقرار والضغوط والاستغلال الأجنبي وغير ذلك، والطريق لا يزال طويلاً لتحقيق الأهداف والتطلعات المنشودة التي تتطلب سياسات حكيمة وإدارة رشيدة من الجميع، ونتطلع إلى الاستقرار السياسي في الجزائر وتونس وفلسطين ولبنان والعراق، وكذلك وقف المعارك والوصول إلى توافق مجتمعي سياسي في ليبيا واليمن، كما أن على الدول العربية واسعة التأثير، وعلى رأسها السعودية ومصر، تعزيز تنشيط وتطوير أدوارها الإقليمية في ظل التحديات الجسيمة التي يتعرض لها العالم.
وأرى بعض المؤشرات الإيجابية ومن أهمها أن الدول العربية أصبحت أكثر يقيناً بأن عليها أخذ زمام المبادرة في التعامل مع القضايا الوطنية والإقليمية لتأمين توازن أفضل في أوضاعها الداخلية، ولتحديث الرؤى وبناء أمل حقيقي لبناء مستقبل أفضل.
كما أشير على سبيل المثال لا الحصر إلى أن هناك مهادنة بين إيران والسعودية أعلنت في الصين، وسبقتها حوارات عدة في العراق وعمان، وكذلك اتصالات مختلفة لدول خليجية مع طهران، وهناك بوادر تهدئة بين تركيا ومصر مع تبادل زيارات المسؤولين وامتداد وقف إطلاق النار في اليمن، وأخبار عن تفاهمات نحو إنهاء النزاع.
هناك تنوع وتوسع وتطوير في العلاقات العربية الدولية بانفتاح واضح على الصين، وبخاصة من قبل السعودية والإمارات، الأقرب تقليدياً في الماضي إلى الغرب، وكذلك بالنسبة إلى مصر وعدد من دول المغرب العربي، ويتم ضبط وموازنة العلاقات مع روسيا والولايات المتحدة والغرب في ما يتعلق بأحداث أوكرانيا، بتصويت الغالبية ضد الغزو، مع احتفاظ الكل بعلاقات جيدة مع مختلف الأطراف وإسهام عدد منهم في الجوانب الإنسانية والإفراج عن الأسرى.
وللقمة العربية بعد أيام قليلة أهمية خاصة، فإذا أنجزت فستغذي من البوادر الإيجابية والثقة العربية، وهي فرصة لبدء إرساء ممارسة عربية متجددة أكثر فاعلية واتزاناً بعد أن تم صد بعض المبالغات والطموحات الأميركية من دون الصدام معها، بما في ذلك زيادة إنتاج البترول لخفض سعره وشراء كميات كبيرة من الديزل الروسي في وقت وفرت دعماً مالياً إنسانياً إلى أوكرانيا، وتم استيراد القمح والمواد الغذائية من الأطراف المتصارعة، ونشط الاهتمام بالانضمام والمشاركة في المنظومات محدودة العضوية مثل “البريكس” و”شنغهاي”.
وفي المقابل هناك عدد غير قليل من القضايا الصعبة الحساسة العالقة والتحديات والعقبات أمام توصل العالم العربي إلى أهدافه المشروعة وتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، وإذا لم تخرج عن القمة نتائج مقنعة فستؤدي إلى إحباط عربي عام، وتشجع أعداء عالمنا على التمادي في مواقفهم، وعلى رأسها ضرورة كبح جماح التطرف الإسرائيلي بقتل الفلسطينيين وهدم منازلهم بغية تهجيرهم، وإباحة تعرض المستوطنين للمسجد الأقصى وقيام القوات الإسرائيلية بتدنيسه، وعلى القمة اتخاذ موقف قوي في هذا الصدد للتأكيد على الرفض العربي والإسلامي لهذه الممارسات، وتحفيز المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات ملموسة في هذا الشأن.
وهناك حاجة ملحة أيضاً إلى إعادة التوازن العربي الإقليمي بفتح قنوات الاتصال والحوار بين الأطراف العربية في المقام الأول، وبعدها في ما بين العرب والدول الشرق أوسطية غير العربية، ويتطلب ذلك مجموعة من المواقف والقرارات ومنها عودة سوريا للإطار العربي، والتهدئة والتصالح مع إيران وتركيا المهيمنتين على أراض عربية، ومحاولات استغلال الحوار والتفاوض لتغيير الموقف الإسرائيلي المحتل لأراض فلسطينية وسورية ولبنانية.
لذا أرحب وبقوة بقرارات الجامعة بعودة سوريا للمنظمة الإقليمية العربية، وآمل أن نتجنب مستقبلاً سياسات القطيعة، وفي الوقت نفس لا أرى كفاية أن نعود لما كنا عليه من دون استخلاص الدروس القاسية لتجنب التصرفات والممارسات التي أدت إلى هذه الفرقة، كما أؤيد ما طرح من مبادرات وخطوات عربية، وبخاصة الأفكار الأردنية والسعودية حول التدرج في اتخاذ الخطوات التبادلية من سوريا وإخوتها العرب ضماناً للجدية وبناء للثقة، فالعودة السورية والممارسات الجديدة بعد التقويم مصلحة لسوريا والعالم العربي.
وعلى القمة حث جميع الأطراف المشغولة بالساحة السودانية نحو دعم الاتصالات والاجتماعات التي بدأت في جدة السعودية بين الأطراف المتنازعة، وكذلك تنشيط التنسيق وبلورة المواقف العربية من قضية إدارة مصادر المياه في المنطقة، فدول عدة تعاني الفقر المائي وعلى رأسها مصر وسوريا والعراق والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو أمر يتطلب اتخاذ موقف عربي أوسع وأقوى، وطرح مبادئ للتعاون الإقليمي الشرق أوسطي في هذا الصدد تدعم ولا تنتقص من القواعد الدولية.
وبعد تداعيات “جائحة كوفيد” وحرب أوكرانيا والدروس المستفادة منها، على الدول العربية أن تراجع نظمها الاقتصادية لتحقيق الاستدامة والتوازن الاقتصادي بين خيراتها الذاتية وقدراتها الإنتاجية والخدمية من حيث الخامات والأسواق والاستثمارات، وبأساليب تكنولوجية متقدمة ومتنوعة، وعلى وجه الخصوص ضمان الأمن الغذائي الوطني والإقليمي.
وعلى القمة العربية أيضاً التعامل مع التفاوت الشاسع بين التزامات ومواقف قدرات دول المنطقة في مجال أسلحة الدمار الشامل، وتنشيط الجهود لتأمين التزامات دولية أو إقليمية متساوية للدول في الشرق الأوسط، إذ إن إسرائيل لديها قدرات نووية ولم تلتزم بأي من المعاهدات الدولية الخاصة بالأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، ولديها إمكانات سيبرانية ووسائل إيصال عسكرية هائلة، وانضمت إيران إلى هذه المعاهدات ولديها قدرات تكنولوجية عسكرية متقدمة في هذه المجالات تمت تنميتها من خلال تطبيق العقوبات ضدها لأعوام طويلة، وكذلك تركيا لديها قدرات عسكرية وطنية متقدمة وهي عضو في حلف شمال الأطلسي.
والدول العربية مطالبة ببلورة رؤيتها في الأمور الأمنية الإقليمية المستقبلية، وهو أمر أصبح أكثر أهمية وعجالة في ضوء أن الدول الإقليمية ستتحمل مزيداً من المسؤولية في ضمان أمنها مع انكماش الغطاء الأمني للدول الكبرى بعد أن تحول من ضمان أمني له صدقية إلى غطاء أمني غير واضح، ويقتصر على التهديدات الوجودية بحسب الحال والتقدير الأميركي لما هو لازم، وأقترح مناقشة خلق آليات لوضع محاور رئيسة لبلورة خريطة شرق أوسطية أمنية جديدة في المستقبل على خمسة أعمدة رئيسة، حول حل المنازعات السياسية والتعامل مع الأزمات الطارئة والحد من التسلح ونزع السلاح وبناء الثقة والتعاون، ويهمني التنويه بشكل خاص إلى أهمية تأمين المنطقة من أخطار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، وكذلك الوصول إلى ترتيبات إقليمية لتأمين الممرات المائية حفاظاً على أمنها واستقرارها وجاذبيتها الاقتصادية.
وختاماً أرى أهمية إطلاق القمة لرؤية عربية مستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط، ننطلق من خلالها في حواراتنا مع جيراننا بالمنطقة أو على المستوى العالمي، فانشغال العالم وقلقه من إطلاق حرب عالمية باردة جديدة يحمّل دول كل منطقة مسؤولية ضبط أمورها، كما أنها فرصة لتكون لنا اليد العليا في تشكيل مستقبلنا، وهو جهد يتطلب تكاتف الأشقاء العرب بثقلهم وقوتهم وثرائهم جنباً إلى جنب مع الدول غير المستقرة أو الضعيفة أو الفقيرة، وتنشيط التقارب دور تقليدي لمصر عبر السنين، وكذلك السعودية باعتبارها رئيس القمة العربية في هذه المرحلة التاريخية الحساسة.
المصدر: اندبندنت عربية