أحمد مظهر سعدو
الحسرة والألم ومزيد من الإحساس بالتخلي والخذلان، كان شعور السوريين وهم يتابعون مؤخرًا، الاستقبال السياسي، وبعض الترحيب الذي لقيه رأس النظام السوري في جدة، حين تمت دعوته لحضور مؤتمر قمة الدول العربية الواحد والثلاثين المنصرم. لن يستوعب الشعب السوري أو يتقبل ما حدث، رغم كل ما قيل عن واقعية سياسية ما يجري التعاطي معها، ومقاربة جديدة لدى جامعة الدول العربية ودول فاعلة فيها، لن يقبل السوريون إعادة استيعاب وإدماج رجل الاستبداد والقمع، والكيماوي الأول في المنطقة العربية، من قتل ما ينوف عن مليون سوري، ودمر ما يزيد عن 65 بالمئة من البنية التحتية في سورية، وهجَّر قسريًا ما يقرب من 14 مليون إنسان سوري، بين نازح إلى الشمال السوري، ومهجر لاجيء إلى كل بقاع الأرض، نتيجة المقتلة الأسدية التي ما انفكت مستمرة بحق كل السوريين الذين كان ذنبهم الوحيد أنهم خرجوا صبيحة 15 آذار/ مارس 20211، يقولون لا للاستبداد الطغياني البغيض، ونعم للكرامة والحرية المفتقدتين في ربوع سورية منذ ما ينوف عن خمسين عامًا، عاشها الشعب السوري تحت سطوة ووطأة الجلاد الأول حافظ الأسد ثم وريثه وابنه بشار الأسد.
في السياسة لا ثابت أبدًا، وفي العلوم الإنسانية كل شيء يتحرك، وكل حيوات البشر تلفها المتغيرات والانبثاقات، لكن ما جرى مع دعوة بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية يدخل في أتون العديد من المتغيرات اللاموضوعية التي تأتي بما يخالف الطبيعة، ويتنافى مع منطق الأشياء، ويدمي القلب والعقل، ويحيل الناس في سورية إلى حالة من اليأس واللاجدوى طالما عمل السوريون على أن لا يدخلوا في ماهيتها، وأن يكونوا ذاك الطود الشامخ الذي يأبى الذل والهوان ويصر على ما بدأه، من منطلق أن تحركه وتوقه إلى الحرية، هو المنطق الصحيح في الواقع السوري، وهو حق مشروع له ولكل الشعوب التي تتوق عادة إلى الحرية، وتحلم بوطن لا استبداد فيه، تسوده أجواء الديمقراطية النسبية على الأقل. ولعل التجربة والممارسة الديمقراطية التركية/ الجارة التي جرت مؤخرًا، تزيد من حسرة الشعب السوري وآلامه، بينما يقارن حاله الذي وصل إليه مع النظام الرسمي العربي، وأحواله اليومية في ممارسات الاستبداد المشرقي السوري الذي عاناه وما يزال من نظام/ عصابة آثرت على نفسها الارتداد عنفًا إلى كل ما هو لاجم للأفواه فيمنعها من النطق بأي كلمة ترفض الطغيان والقمع الأسديين.
الانشغالات العربية الرسمية خلال مؤتمر جدة المشار إليه كانت ذاهبة إلى كيفية استقبال من جُمدت عضويته منذ 12 عامًا خلت من جراء قمعه وقتله لشعبه، وكذلك نتيجة رفضه المبادرة العربية التي قالت بالحل السلمي، ووقف المقتلة الأسدية الفاجرة التي رفض عبرها بشار الأسد الجلوس إلى أشقائه العرب أو الدخول في الحل السياسي، وهو الذي استمرأ سياسة لجم الكلمة الحرة، وهو من أتى على كل ما قيل أنه نواتج ربيع دمشق بعد موت حافظ الأسد، وحالة الفوران الشعبي والانبثاقات الكثيرة التي تحرك بها وعبرها ناشطو ربيع دمشق في حينه.
لكن هل كانت عودة النظام السوري إلى اجتماعات النظام الرسمي العربي مدخلاً حقيقيًا أو جديًا لإعادة إنتاج علاقة جديدة معه، عبر قبوله بالحل السياسي الذي رفضه منذ نوفمبر/ تشرين ثاني 2011، وهل تغيرت رؤيته للحل السياسي الداخلي، ومن ثم اقتنع بتجاوز الحل العسكري والأمني الذي انتهجه في التعاطي مع السوريين؟ وهل من بوادر ومصداقية أو حتى وعود من قبل هذا النظام تشي بأي حل للمسألة السورية، ضمن مسارات قرارات جنيف المتعلقة بالشعب السوري؟
والجواب واضح وصريح عبر الخطاب الخشبي الذي أفضى به في مؤتمر جدة، والذي لم يعترف بأي خطأ ارتكبه، بل راح يُحمِّل الآخرين ممن جمدوا عضويته في الجامعة العربية، كل المسؤولية، وكأنه الحَمَل الوديع الذي لم يفعل ولم يرتكب كل تلك الارتكابات الشنيعة التي قام بها خلال 12 سنة أفلت أمام سمع وبصر العالم، لم ولن يعترف (هذا النظام المجرم) بأي خطأ ارتكبه، وليس في منظوره ولا في سياساته الآنية ولا المستقبلية القبول بالحل السياسي، وهو يدرك، ويتوهم أنه انتصر على شعبه عسكريًا، وأن الداعم الإيراني كما الداعم الروسي ما برح إلى جانبه، ولعله لولا دعمهما وجملة تغيرات أخرى، ما كان له أن يكون جالسًا اليوم إلى جانب قادة الدول العربية التي وقفت في مواجهته واصطفت في مرحلة سبقت، ولو إلى حين مع الشعب السوري المقهور.
كيف يتراجع النظام السوري عن كل ما اقترفته أيديه من ظلم وقمع وقتل وكيماوي، وهو يدرك أن وجوده اليوم في قلب الجامعة العربية، جاء نتيجة طبيعية للتفاهمات الإيرانية السعودية برعاية صينية التي حصلت في 10 آذار/ مارس المنصرم، وأنه لولا الاستحقاقات التي فرضت عودته هذه لكان مايزال في عزلته، ولا قدرته على الفعل، أو الولوج في القمة نحو الرياض أو سواها.
لا وعود ولا اهتمام من قبل النظام السوري بحل يعالج الإشكالات التي أوصلته إلى هذا الحيز من العزلة، وليس في منظوره أبدًا الولوج بالحل السياسي، وهو ليس معنيًا به، كما أنه غير معني أيضًا بإنهاء تجارة وصناعة الكبتاغون، وهو المصنف عالميًا بملك الكبتاغون، منتجه ومصدره، واقتصاده وتمويل شبيحته بات يعتمد بنسبة كبيرة فيه على مردود مالي ضخم وكبير جدًا نتيجة التجارة الكبتاغونية البائسة التي باتت تغزو العالم، وليس دول الخليح العربي فحسب، بل تتوجه نحو كل دول الإقليم والعالم.
من هنا فإنه لا تقدم يرجى نحو العملية السياسية التفاوضية معه، ولا إمكانية على الإطلاق لديه لعمل ما يحرك المشهد، ويعيد الأمل لدى السوريين بانتهاء الكابوس الذي طالما هيمن على حيواتهم، مع استمرار الخيار الأسدي بإنهاء الثورة السورية بالأسلوب الوحيد لدى نظام دمشق المدعوم روسيًا وإيرانيًا، في ظل صمت دولي مخيف ورهيب وحمال أوجه، حيث كان يتحدى النظام العربي الرسمي بقصفه الشمال السوري، في لحظة مشاركته في القمة وإلقاء كلمته (الفلسفية العصماء)، ولا يمكن أن تكون عودته هذه مدخلًا موضوعيًا للحل السياسي، الذي لا يؤمن به نظام الأسد ولا داعميه، ولا يمكن المضي به عبر أدوات سابقة، خَبِر العالم لاجدواها ولا فاعليتها، بوجود أصدقاء للشعب السوري كانوا قد خذلوه وتخلوا عنه وذهبوا إلى مصالحهم مع الطغاة فقط. وفي ظل وجود معارضة رسمية سورية متهتكة وغير فاعلة، ولا جود حقيقيا لها بين حاضنة الثورة السورية، وسط تخبط وعدم قدرة هذه المعارضة على الفعل والتأثير، وهي التي ارتضت لنفسها أن تضع البيض كله في سلة الخارج، فراح هذا الخارج يلعب ببيضها وفق وعلى حسب مصالحه، دون حسيب أو رقيب أو سائل.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا