ضياء عودة
على مدى السنوات الماضية من الحرب في سوريا، لم يقدم النظام السوري أي تنازلات سياسية أو عسكرية وحتى معيشية، وبينما لم تصل الأصوات المطالبة برحيله وإسقاط رئيسه إلى مبتغاها، فقد عادت لتتردد من جديد خلال الأيام الماضية، انطلاقا من “ساحة الكرامة”، وسط مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية.
ومنذ أكثر من 20 يوما، لم تتوقف الاحتجاجات في المحافظة الجنوبية، وواصل المحتجون في ساحتها الرئيسية، وفي باقي القرى والبلدات الهتاف ضد الأسد، مع المطالبة بإسقاطه وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254.
ولم يقتصر المشهد على ذلك فحسب، بل تطور إلى حد تكسير وتحطيم “رموز البعث وسلطة الأسد”.
ويصر المحتجون على مطالبهم، ومع ذلك تطلق طريقة التعاطي السابقة والحالية التي يلتزم بها النظام السوري تساؤلات تتعلق بالخيارات المقبلة التي قد يلجأ إليها الشارع، والتوقعات الخاصة لدى الموجودين في الشارع، بشأن “المستقبل”.
ولم يعلّق النظام السوري، خلال الأيام الماضية، على ما تشهده السويداء، وفي حين أرسل شخصيات إلى المحافظة من أجل “التواصل والتهدئة” بقيت الأصوات المطالبة بالحل السياسي ورحيل رئيسه بشار الأسد قائمة.
وفي المقابل لم يقدم أي بادرة إيجابية بشأن “المطالب” التي وردت في بيان لـ”دار طائفة الموحدين الدروز”، في الرابع والعشرين من أغسطس الماضي، وعلى رأسها التراجع عن القرارات الاقتصادية الأخيرة برفع الدعم عن المحروقات، و”إجراء تغيير حكومي”، و”دراسة تشغيل معبر حدودي لإنعاش السويداء اقتصاديا”.
“يحلم ويجرب”
ومن “وجهة نظر منطقية وواقعية”، يوضح الصحفي السوري ريان معروف، أن النظام السوري، وعندما كانت 90 بالمئة من أراضي البلاد خارج سيطرته “لم يقدم أي تنازل سياسي”.
وفي الوقت الحالي يعيش أوضاعا أفضل بكثير من السابق، ولذلك من “المستحيل أن يستجيب للمطالب التي ينادي بها المتظاهرون، في مقدمتها تطبيق القرار الأممي 2254 ورحيل بشار الأسد عن السلطة”.
لكن ما سبق “لا يعني أن المحتجين لن يكملوا”، إذ يقول معروف لموقع “الحرة” إن “الشارع يحلم ويجرب”، وإن “هناك رغبة في الخلاص والتغيير”، على الرغم من عدم تجاوب نظام الأسد، و”سكوت وخذلان المجتمع الدولي”.
ولا يعتقد معروف أن “الحراك سيثمر عن حلول سياسية في المستوى العام لسوريا، لكن من الواضح أنه ذاهب باتجاه مرحلة جديدة”.
ويعتمد شكل وطبيعة هذه المرحلة “على الظروف”.
ويضيف الصحفي: “نرى أن الشارع رافض بشكل كبير وغير مسبوق لوجود البعث والنظام والسلطة الأمنية المستبدة. هل المجتمع قادر على إفراز شيء جديد؟ هذا ما يفكر به الناس بصوت عال”.
وتشابه الشعارات التي تعلو في السويداء تلك التي رددها المتظاهرون في مطلع أحداث الثورة السورية عام 2011، لكن النظام السوري اتبع حينها سياسة أمنية قامت على استهداف المتظاهرين بالرصاص المباشر والاعتقالات.
وفي أعقاب ذلك، وبعدما تحوّل الحراك السلمي إلى مسلح اتجه لنشر قوات جيشه في معظم المحافظات السورية مع أخرى بدأت إيران بالزج بها، لتبدأ معارك واسعة النطاق ضد فصائل “الجيش السوري الحر”، آنذاك، وصولا إلى محطة 2015 بإعلان روسيا التدخل لدعم الأسد.
وترى الكاتبة والناشطة السياسية، عاليا منصور، أن المظاهرات المتواصلة في السويداء “أنهت مقولة أن النظام السوري يحمي الأقليات”.
كما أثبتت أنه، وبعد أكثر من 12 عاما، ومن خلال ترحيب درعا وباقي المدن السورية بالاحتجاجات بأن “الشعب السوري واحد فعلا لا قولا”، مع الأخذ بالاعتبار أن السويداء من اليوم الأول لم تكن خارج الثورة، وإن لم تشارك بزخم في كل مراحلها.
من جانب آخر توضح منصور لموقع “الحرة” أن “الاحتجاجات تبعث برسالة السوريين للعالم، بأن بشار الأسد لا يمكن تعويمه، ووجوده هو العائق أمام أي حل”.
ومن وجهة نظر الكاتبة السورية “لا يقف النظام متفرجا على ما يحصل بالسويداء من منطلق أنه يرمي البراميل على السوريين من الطائفة السنية، ولا يفعل ذلك مع غير طوائف”.
وتضيف أنه “تفاجأ بالحراك وحجمه وسقف المطالب، وانضمام شيخ العقل حكمت الهجري”.
“الأسد وإن كان يدعي أنه لم يعد إلى العرب بل هم عادوا إليه، وأنه المنتصر، إلا أنه يدرك أيضا أن أي فعل سيقوم به ستكون تبعاته هذه المرة نهائية”.
وفي حين لم يلتزم سواء بإعادة اللاجئين أو الانخراط بالحل السياسي ولا بوقف “الكبتاغون”، لكنه يدرك أن لحظة استخدام العنف ضد المتظاهرين السلمين ستكون تبعاتها هذه المرة قطعية”، وفق ما تقول منصور.
“سيناريوهات ضبابية”
وكانت الشرارة الأولى للاحتجاجات الحالية في السويداء القرارات الأخيرة التي أصدرتها حكومة النظام السوري، برفع الدعم عن المحروقات، مما انعكس على التفاصيل اليومية لحياة المواطنين.
وتشهد المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري أزمة معيشة غير مسبوقة، وبات الأخير عاجزا عن وقف تدهور عملة البلاد، في ظل الحديث عن عجزه عن تقديم أي شيء على الصعيد الاقتصادي.
وتسود توقعات بأن الأوضاع المعيشية في البلاد تذهب باتجاه “الأسوأ”، لاسيما مع غياب أي مقومات اقتصادية من شأنها أن تنعكس على عمل مؤسسات النظام السوري، أو على حياة المواطنين.
ويرى الصحفي أيمن الشوفي أن “الناس الموجودة في الشارع يوميا أو في كل يوم جمعة بحاجة إلى ثمار أو نتائج ملموسة، لأن الرهانات المطروحة للانتفاضة معقدة، ومنها تطبيق 2254 ورحيل الأسد”.
ويقول الشوفي لموقع “الحرة”: “الرهان على إسقاط الأسد رومانسي إذا ما قيمنا الأمر على أرض الواقع، الأمر الذي سيخلق في الفترة المقبلة تناقضا بين رغبة الشارع وإزالة الحاكم وإمكانية حدوث ذلك من دون تدخل دولي”.
ويعتقد الشوفي أنه “من الأجدى على المدى القريب أو المنظور أن تكون هناك بدائل اجتماعية، بمعنى أن تتفق الناس بموازاة الشعارات على انتزاع النتائج بأنفسها”، وأن “يبدأ الحديث عن هيئة سياسية قد يكون لها أصدقاء وتحالفات وما إلى ذلك..”.
“الناس في الشارع تريد نتائج والمسألة غير متروكة لزمن بلا حدود، وهو ما يراهن عليه النظام”، الذي يعوّل على “ملل الشارع ويلتزم بسياسة صمت خبيثة”، حسب تعبير الشوفي.
وترى المهندسة والناشطة السورية، راقية الشاعر أن “النظام السوري ورغم أنه يتجاهل متعمدا بدأ عامل الوقت بالضغط والارتداد عليه”.
وتقول لموقع “الحرة”: “نعرف أن النظام لن يقدم أي شيء من المطالب التي ننادي بها، لكن الشارع أحرجه عندما نادى بواحد واحد واحد الشعب السوري واحد”.
كما نادى بوحدة الأراضي السورية، في رد على “مزاعم الانفصال” التي يروج لها شخصيات مقربة منه.
وتوضح الشاعر أن “هناك عدة سيناريوهات للمشهد الاحتجاجي في السويداء لكنها ضبابية”، وتؤكد أن “القرار المتخذ حاليا هو الاستمرار في الاحتجاج حتى الإسقاط”.
ولا تستبعد الناشطة السورية سيناريوهات أخرى مطروحة، ويتم الحديث عنها من بينها “اللامركزية”، لكنها تشير إلى أنه “لا شيء على أرض الواقع حتى الآن”.
وتتابع: “النظام يحاول الضغط في مقابل سياسية الصمت من خلال إغلاق الدوائر الحكومية، من أجل أن يدفع الناس للضغط على المحتجين”.
ويضغط أيضا من زاوية “الموافقات الأمنية التي تتطلبها أي عملية بيع لسيارة أو عقارات وحتى إجراء معاملة الزواج”.
لكن “كحراك شعبي ولجنة تنظيم تدرك كل هذه الأمور، وتسير خطوة بخطوة، وتضع هدفا وتسير باتجاهه”، حسب ما تقول الناشطة السورية.
“ماذا سيفعل الأسد؟”
ولأكثر من مرة منذ عام 2020 شهدت السويداء، ذات الغالبية الدرزية احتجاجات شعبية، لكنها سرعان ما توقفت من دون أن تتحقق المطالب الدافعة لها. ومع ذلك يرى مراقبون أن ما يحصل الآن يختلف من زاوية “زخم المشاركة” وطول أمد البقاء في الشارع.
ويوم الجمعة الفائت خرج أكبر تجمع احتجاجي في “ساحة الكرامة” (ساحة السير)، وشارك فيه رجال دين ونساء وطلاب جامعات وناشطين سياسيين معارضين.
وجميع هؤلاء رددوا هتافات مناهضة للنظام السوري، طالبت برحيل رئيسه وتطبيق القرار الأممي 2254.
وترى الناشطة السياسية منصور أن “صمت النظام لا يعني أنه وإيران سيقفان متفرجين إن شعرا أن الأمور تخرج عن السيطرة”.
وتقول: “إيران مستعدة لفتح حرب جديدة وقتل الالاف مقابل ألا تخسر سوريا أو جنوب سوريا، بما يعنيه لها من أهمية في مشروعها الاستعماري”.
وكان الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني حسن نصر الله قد وصف المظاهرات في السويداء بأنها “مشروع أميركي بدعم من دول عربية وإسلامية”، وفي كلمة له أواخر أغسطس الماضي قال إن “ما يجري اليوم في سوريا هو استمرار لما بدأ في 2011 – 2012”.
وترى منصور أن “الحراك في السويداء يجب أن يتجه لقيادة محلية ومدنية لكي تتبلور الأمور وتصبح أوسع”، وأن يحظى بدعم وتحرك من بقية المحافظات السورية.
وتوضح أن “أي رد فعل سيكون مبنيا على ماذا سيفعل بشار الأسد”، وتشير بالقول: “من الواضح أن ما يجري في السويداء لم يجعل فقط النظام السوري محشورا في الزاوية، بل الإيرانيين وحزب الله، وهو ما دفعهم للحديث عن عودة المؤامرة حسب تعبيرهم”.
المصدر: الحرة. نت