عدنان أحمد
لليوم الثالث على التوالي أمس السبت، واصلت قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية العاملة معها، والطيران الحربي الروسي، قصف مناطق عدة شمال غربي سورية، موقعة المزيد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين الذين نزح المئات منهم إلى مناطق أخرى، وسط مخاوف من اتساع نطاق العمليات العسكرية في إطار ما يصفه النظام بالانتقام أو الرد على مجزرة الكلية الحربية في حمص الخميس الماضي، والتي ما زال الغموض يلف ظروف وقوعها، رغم مسارعة النظام إلى اتهام فصائل المعارضة المسلحة بالمسؤولية عنها.
قصف عشوائي بأسلحة محرمة دولياً
وقال مصدر من وحدات الرصد التابعة لفصائل المعارضة، لـ”العربي الجديد”، إن القصف الذي استمر أمس بالمدفعية وراجمات الصواريخ والطيران الحربي الروسي، واستخدمت فيه أسلحة محرمة دولياً، كان معظمه عشوائياً، وطاول الأحياء السكنية في مدن وبلدات إدلب وجسر الشغور وأريحا ومعربليت والموزرة وبسنقول والأتارب والدانا وترمانين.
كذلك جددت قوات النظام فجر أمس استهدافها بصواريخ محملة بذخائر عنقودية محرمة دولياً الأحياء السكنية في بلدة ترمانين شمالي إدلب، وهو ثاني استهداف من نوعه تتعرض له البلدة منذ مساء الجمعة، وفق “الدفاع المدني السوري” الذي وثّق صوراً لبقايا حاضنة قنابل عنقودية صاروخية تحمل قنابل عنقودية شديدة الانفجار مضادة للأفراد.
وقال “الدفاع المدني” إن 3 مدنيين بينهم طفلان قُتلوا، وأُصيب 3 مدنيين آخرين، بينهم طفلة نتيجة قصف صاروخي لقوات النظام استهدف الأحياء السكنية وسط مدينة إدلب على دفعتين، مشيراً إلى أن القصف الأول استهدف سوقاً شعبياً وأحياء سكنية دون وقوع إصابات، وجدّدت قوات النظام قصفها لتوقع ضحايا بين المدنيين باستهداف الأحياء السكنية.
وأضاف أن طفلين اثنين قُتلا، وأُصيبت طفلة إثر قصف صاروخي لقوات النظام استهدف قرية كفرلاتة في ريف إدلب الجنوبي، فيما قُتل مدني نازح وأصيب آخرون نتيجة قصف صاروخي لقوات النظام استهدف مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي، إضافة إلى إصابة رجل وامرأة بالقصف الصاروخي من قبل قوات النظام الذي استهدف الأحياء السكنية في مدينة جسر الشغور غربي إدلب. كما قتل مدني وأُصيب آخرون بقصف على مدينة الأتارب بريف حلب الغربي.
وارتفعت حصيلة ضحايا قصف قوات النظام على بلدة ترمانين شمالي محافظة إدلب وقرية التوامة بالقرب منها، بصواريخ منها عنقودية محرمة دولياً مساء الجمعة، إلى 5 قتلى مدنيين بينهم طفل وإصابة 30 مدنياً، في حصيلة غير نهائية.
ووفق “الدفاع المدني”، فإن 11 مدنياً قُتلوا الجمعة، بينهم 3 أطفال، وامرأة، إضافة إلى إصابة 82 مدنياً آخرين، بينهم 24 طفلاً، و14 امرأة، جراء استهداف 22 مدينة وبلدة وقرية في شمال غرب سورية، بالغارات الجوية، والذخائر العنقودية والذخائر الحارقة المحرمة دولياً، وراجمات الصواريخ، والمدفعية الثقيلة، من قبل قوات النظام وروسيا.
وتشهد معظم مدن وبلدات محافظة إدلب وريف حلب قصفاً جوياً وبرياً مكثفاً من قبل قوات النظام وحليفه الروسي بشكل متواصل منذ يوم الخميس الماضي خلّف عشرات الضحايا المدنيين ودماراً واسعاً في الممتلكات الخاصة والعامة. وبلغت حصيلة الضحايا المدنيين خلال الساعات الـ72 الماضية 33 قتيلاً مدنياً، بينهم أطفال ونساء وعشرات الجرحى.
من جانبها، أعلنت فصائل “الجبهة الوطنية للتحرير” العاملة تحت مظلة “الجيش الوطني السوري” المعارض والحليف لتركيا، أمس السبت، عن استهداف مواقع وثكنات عسكرية لقوات النظام في الأكاديمية العسكرية وكلية المدفعية في محيط مدينة حلب، ومدينة سراقب بريف إدلب الشرقي، ومحور بلدة العطيرة بريف اللاذقية الشمالي الشرقي، وذلك “رداً على ارتكاب مجازر بحق المدنيين شمال غربي سورية”. كذلك أعلنت أن فوج المدفعية والصواريخ التابع لها استهداف مواقع وثكنات النظام في منطقة جورين بريف حماة.
وذكرت حسابات مقربة من “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) أن الهيئة تمكنت من تدمير مقر قيادة وإدارة عمليات النيران التابع لقوات النظام في قطاع سهل الغاب بشكل كامل، إضافة إلى تدمير 3 آليات إشارة، وذلك بعد استهدافها بقذائف المدفعية الثقيلة في بلدة شطحة بريف حماة الشمالي الغربي. وشهدت مناطق القصف، نزوح عشرات العوائل من أرياف إدلب الشرقية والغربية والجنوبية، إضافة إلى نزوح عوائل من أرياف حلب الغربية. وحذرت المراصد العسكرية العاملة في مناطق الشمال السوري من تصعيد العمليات العسكرية من جانب النظام، وحثّت على عدم التجمع والالتزام بالأقبية وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى.
غير أن رئيس أركان “الجيش السوري الحر” سابقاً، العميد أحمد بري، استبعد في حديث مع “العربي الجديد”، توسع نطاق العمليات العسكرية إلى أبعد من عمليات القصف على النحو الذي يقوم به النظام وأنصاره في الوقت الحالي. وأضاف بري أن النظام غير قادر من الناحية العسكرية على فتح معارك كبيرة، خصوصاً في ظل غياب الدعم الجوي الواسع من جانب روسيا كما كان يحصل في معاركه السابقة. كما أن روسيا لن تشجع النظام على توسيع نطاق “رده” الحالي المزعوم على حادثة الكلية الحربية بحمص. كما أعرب بري، عن اعتقاده بأن إيران هي التي تقف خلف الهجوم الذي استهدف الكلية الحربية في حمص، الخميس الماضي.
وأوضح أن هذا الاستهداف يأتي بغية استثمار إيران الحدث لفتح معارك مع المعارضة، وتأكيد دورها في سورية بأنها تستطيع التصعيد والتهدئة وفق أجندتها، وليس الأجندة الروسية المتشابكة مع تركيا، مستغلة انشغال موسكو في حرب أوكرانيا.
من جهته، رأى الناشط محمد الأعرج، في حديث مع “العربي الجديد”، أن إعلان النظام السوري الحداد على أرواح ضحايا الكلية الحربية 3 أيام، قد يكون مؤشراً على نيته التصعيد الواسع في شمالي غرب سورية، وربما في السويداء ليحاول امتصاص حنق حاضنته الشعبية من جهة، واستغلال الأجواء المتاحة لإحباط الأصوات التي ارتفعت أخيراً في أكثر من محافظة وتطالب بالتغيير السياسي كمخرج وحيد لحالة التردي الاقتصادي والمعيشي في البلاد.
واعتبر الأعرج أن القصف العشوائي من جانب قوات النظام، والتصوير المكثف لعمليات القصف، تمثل بالدرجة الأولى رسائل من النظام لحاضنته الشعبية بأنه يقوم بالرد العنيف الذي وعدهم به، خصوصاً مع سقوط قتلى وجرحى جراء هذا القصف، وإن كان أغلبهم من المدنيين. واستبعد أن يحاول النظام فتح معركة كبيرة مع الفصائل نظراً لعدم جاهزيته العسكرية، وما قد يتكبده من خسائر إضافية، تزيد من حنق الحاضنة الشعبية، بدل محاولة إرضائها، مشيراً إلى عدم وجود تحشيدات عسكرية جديدة لدى النظام عند خطوط التماس مع الفصائل.
المصدر: العربي الجديد