هولي إيفانز جابد أحمد
غارات جوية تستهدف جامعات ومساجد في الصراع الأخير الذي اندلع بين إسرائيل وفلسطين. يواجه قطاع غزة الذي وصفته جماعات حقوق الإنسان بأنه “أكبر سجنٍ مفتوح في العالم”، أشد أزمةٍ إنسانية في تاريخه، مع تساقط قذائف الغارات الجوية على سكانه المدنيين.
ومنذ اندلاع الصراع الأخير قبل خمسة أيام، قُتل نحو ألف شخص نتيجة الغارات الجوية الانتقامية الإسرائيلية، فيما أصيب 5 آلاف شخص، بمَن فيهم مئات الأسر والأطفال الذين تأثروا بشدة.
يمتد القطاع على طول 25 ميلاً (40 كيلومتراً)، وهو خاضع للحصار منذ عام 2007، ويعيش أكثر من 65 في المئة من سكانه الذين يبلغ عددهم مليونين و300 ألف نسمة، تحت خط الفقر. وقد وُصفت ظروف الأطفال في السابق بأنها “جحيم على الأرض”.
ومع توقف آخر محطةٍ للطاقة عن العمل، ووصول المستشفيات إلى قدرتها الاستيعابية القصوى، أدى “الحصار الشامل” الأخير لغزة إلى انقطاع كاملٍ في الكهرباء، والمواد الغذائية والمياه، من دون توافر طريق متاح للهرب لمواطنين يائسين.
لمحة تاريخية موجزة
كان قطاع غزة في السابق – الذي هو عبارة عن مساحةٍ ضيقة من الأرض تقع على البحر الأبيض المتوسط – جزءاً من الإمبراطورية العثمانية. وسيطرت مصر عليه لنحو عقدين من الزمن، بعد إعلان إسرائيل عن قيام دولتها في عام 1948.
مع ذلك، بعد انتصار إسرائيل في “حرب الأيام الستة” في عام 1967 على جيرانها العرب، أصبح القطاع تحت سيطرتها، وظل على هذا النحو لمدة 38 عاماً.
خلال تلك الفترة، أشرفت القوات الإسرائيلية على المنطقة، حيث شرعت في بناء 21 مستوطنةً يهودية، ما تسبب في تصاعد التوتر وتزايد الاستياء بين السكان.
وفي عام 1993، تم التوصل إلى اتفاق تاريخي لدى التوقيع على “اتفاقيات أوسلو” Oslo Accords، منحت الفلسطينيين سيطرةً محدودةً في غزة والضفة الغربية، ووعداً بإقامة دولتهم عليهما بعد 5 سنوات. إلا أن ذلك لم يحدث أبداً بسبب التوترات المستمرة، واتهام إسرائيل الفلسطينيين بالتراجع عن الاتفاقات الأمنية.
ونتيجةً للضغوط الدولية، سحبت إسرائيل في نهاية المطاف نحو 9 آلاف مستوطن وجندي إسرائيلي من القطاع في عام 2005، وتركته تحت حكم السلطة الفلسطينية المعترف بها دولياً.
وبعد عامٍ واحد فقط، حققت حركة “حماس” انتصاراً مفاجئاً في الانتخابات الفلسطينية، وسيطرت على غزة منذ عام 2007. وقد فرضت إسرائيل – بعد اعتبار المجتمع الدولي “حماس” منظمةً إرهابية – حصاراً برياً وجوياً وبحرياً على القطاع، أدى إلى شل اقتصاده.
وعلى رغم التأثير المدمر على المدنيين الفلسطينيين لهذا الحصار، وإدانة الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان له، فقد أبقت إسرائيل عليه معتبرةً أنه ضروري لحماية مواطنيها من “حماس”.
هل يستطيع سكان غزة الخروج من القطاع والدخول إليه؟
الحصار الإسرائيلي منع حرية انتقال الأشخاص والبضائع من قطاع غزة وإليه، وهي خطوة نفذتها مصر أيضاً.
وبحسب منظمة “بتسيلم” B’Tselem الإسرائيلية التي تُعنى بحقوق الإنسان، فإن الحكومة الإسرائيلية تحظر على الفلسطينيين الدخول إلى غزة أو الخروج منها، “إلا في حالاتٍ نادرة للغاية، تشمل حالاتٍ طبية عاجلة تهدد الحياة، وقائمة قصيرة للغاية من التجار”.
إلا أن الإسرائيليين والمستوطنين اليهود والسياح لا يخضعون لهذه الإجراءات، ولديهم الحرية في الدخول إلى القطاع والخروج منه. كما تقوم مصر بشكلٍ دوري بإغلاق معبر رفح الحدودي، الذي غالباً ما يكون المتنفس الوحيد التي يمكن الفلسطينيين في غزة من الوصول إلى بقية العالم.
“اللجنة الدولية للصليب الأحمر” International Committee of the Red Cross تعتبر أن حصار قطاع غزة غير قانوني، وأنه يشكل انتهاكاً للمبادئ المنصوص عليها في “اتفاقية جنيف”، في الوقت الذي ترى فيه الأمم المتحدة وكثيرٌ من منظمات حقوق الإنسان أن قطاع غزة لا يزال تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي.
يُشار إلى أن إسرائيل تحتفظ بحقها في دخول غزة باستخدام القوة العسكرية، بحسب ما ترى ذلك ضرورياً، وتفرض منطقةً عازلة محظورة داخل أراضي القطاع.
ما هي الظروف المعيشية في غزة؟
تُعد غزة من المناطق “الأكثر كثافةً سكانيةً في العالم”، حيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في مساحة تبلغ نحو 140 ميلاً مربعاً (363 كيلومتراً مربعاً)، فيما أن نصف سكانها هم ما دون سن التاسعة عشرة.
منظمة “هيومن رايتس ووتaش” Human Rights Watch وصفت غزة بأنها “سجن مفتوح” تحيط به جدران وأسيجة، ما يجعل الظروف المعيشية فيها صعبةً باستمرار منذ فترة طويلة، إذ يفتقر 95 في المئة من سكان القطاع لإمكانية الحصول على مياه نظيفة.
وتمتد ثمانية مخيمات للاجئين معترف بها على طول القطاع، ويعاني الاقتصاد المنهك من صعوبة في إيجاد فرص عملٍ للسكان الذين يعتمدون على المساعدات الدولية.
وعلى رغم هذه التحديات استمرت الحياة في ذلك الجيب المحاصر، بحيث قدمت مجموعةٌ من الجامعات دوراتٍ تعليمية، وأنشأت أسواقاً لبيع السلع المصنعة محلياً. وتقدم “جامعة الأزهر”، التي تضم نحو 16 ألف طالب، دوراتٍ في الزراعة، وتخصصات في علم الطب وطب الأسنان، بينما تدير “جامعة القدس المفتوحة” ستة مراكز تعليمية في جميع أنحاء فلسطين.
واستهدفت الغارات الجوية الأخيرة “الجامعة الإسلامية في غزة” منذ يوم السبت، بعدما وصفتها إسرائيل بأنها “مؤسسة تدريب لتطوير الأسلحة وإنتاجها”.
وعلى طول الساحل، يواصل الصيادون الغزاويون – الذين يمكنهم العمل ضمن حدود صيدٍ تبلغ 15 ميلاً بحرياً (28 كيلومتراً) – في بيع منتجات صيدهم، وتقدم المطاعم الصغيرة الممتدة على الشاطئ، السردين الطازج وفاكهة البطيخ.
الدكتور ناثانيال جورج وهو محاضر في “سياسات الشرق الأوسط” في “جامعة سواس” SOAS في لندن، أعرب لصحيفة “اندبندنت” عن مخاوفه من التأثير المحتمل لهجوم بري تشنه إسرائيل، مشيراً إلى أنه قد يكون “الأكبر من نوعه والأكثر فتكاً ودمويةً من بين الهجمات التي وقعت سابقاً”.
وأشار أخيراً إلى أن “مليونين و300 ألف شخص يعيشون في منطقة مساحتها 140 ميلاً مربعاً (363 كيلومتراً مربعاً) فقط، نصف عددهم من الأطفال، لا يزالون عرضةً للقصف بطريقةٍ عمياء. فهل يمكن تخيل الوضع الذي يعيش في ظله نصف سكان القطاع الذين هم من الأطفال ما دون سن الثامنة عشرة، والذين نشأوا في الغالب في تلك الفترة من الحصار الشديد الذي تفرضه إسرائيل ومصر، فيما أن عملية السلام متوقفة تماماً؟”.
المصدر: اندبندنت عربية