ياسر خليل
وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعوة لزعماء العالم، للمشاركة في قمة للسلام بمنطقة الشرق الأوسط، تستضيفها القاهرة، يوم السبت 21 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري. وأشارت وسائل إعلام محلية إلى أن ثمة استجابة “واسعة” من زعماء دوليين وإقليميين للمشاركة.
تلك الاستجابة “الكبيرة”، كان من الممكن أن تعطي مؤشرات أولية مبشرة عن إمكانية التوصل إلى حل للأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة المحاصر، إلا أن تشابكات الموقف، واتجاهه نحو المزيد من التعقيدات، وضع علامات استفهام حائرة، بشأن ما الذي يمكن أن تثمر عنه القمة، بدلاً من إعطاء المؤشرات المتفائلة.
وتأتي الدعوة مع تأزم الأوضاع في القطاع الذي يتعرض لهجوم عسكري مكثف تشنه إسرائيل بالطائرات والمدفعية منذ يوم السبت 7 تشرين الأول (أكتوبر)، ما أودى بحياة أكثر من 3500 من سكان القطاع، منهم قرابة 500 فقدوا أرواحهم نتيجة استهداف مستشفى الأهلي المعمداني، مساء الثلثاء.
وجاءت العملية العسكرية الإسرائيلية التي حملت اسم “السيوف الحديدية”، بعد ساعات من “طوفان الأقصى” وهي عملية مباغتة وغير مسبوقة، شنتها “كتائب عز الدين القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس”، يوم السبت، قتلت خلالها أكثر من ألف شخص من سكان مستوطنات متاخمة لغزة وجنود إسرائيليين، وأسرت العشرات.
وتوقع محللون مصريون تحدث إليهم “النهار العربي” أن القمة الرباعية التي كان مقرراً عقدها في الأردن، الأربعاء، بمشاركة قادة فلسطين، والأردن، ومصر، والولايات المتحدة، كان يمكن أن تسهم في تخفيف وطأة الأزمة المتصاعدة في غزة، إلا أن الهجوم العسكري الإسرائيلي على المستشفى المدني الفلسطيني، أدى إلى إلغاء القمة، فتبخرت الآمال الطفيفة المتعلقة بها.
قمّة استباقيّة
يقول مساعد وزير الخارجية الأسبق لـ”النهار العربي” السفير جمال بيومي، إن “الدعوة للقمة تعد خطوة استباقية مهمة من قبل مصر، لأن القاهرة توقعت أن مجلس الأمن لن يصدر قراراً بوقف الحرب فوراً، وأنه سيرفض القرار الروسي المطالب بذلك”.
ويعبر الدبلوماسي المصري الذي شغل منصب مستشار الأمين العام لجامعة الدول العربية لنحو 10 سنوات عن خشيته من “أننا في مهب مأزق دولي شديد، نتيجة انحياز سافر لمصلحة إسرائيل، وغضب شديد في الشارع العربي مما يحدث للفلسطينيين في غزة”.
ويشير بيومي إلى أن “ثمة مشكلتين – تتجليان في الأزمة الراهنة – إحداهما في الجانب الإسرائيلي، وهي أن الحكومة الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو، شديدة التطرف، فهي تجمع الأحزاب الصغيرة المتطرفة. والمشكلة الثانية في الجانب العربي، وهي أن الفلسطينيين انقسموا على أنفسهم، فـ”حماس” خرجت على السلطة الفلسطينية”.
وأضاف مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق: “قيل لي من أصدقاء فلسطينيين أحترمهم، إن حماس تسعى لإقامة إمارة إسلامية في غزة، ولا يعنيها القضية الفلسطينية في شيء. أن تترك القضية الفلسطينية، ويكون الهدف هو تحقيق هدف “الإخوان المسلمين”، فهذا أمر محزن”.
ويصف الدبلوماسي المصري الوضع الدولي الراهن بأنه “وضع مؤسف للغاية، لكن ما يدعو للأمل أن مصر متماسكة، لديها جيش قوي، يستطيع أن يدافع عن حدودها، ولن يسمح بتنفيذ المخطط الخاص بتهجير أو توطين فلسطينيي غزة في سيناء”.
تأكيد الثوابت
يرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن قمة القاهرة سوف تبعث برسالة محددة، وهي أنه “لا مفر من الحل السياسي، بناءً على قرارات الأمم المتحدة”.
ويقول الدبلوماسي المصري لـ”النهار العربي”: “القمة تهدف إلى إبراز، أو تجديد الإجماع الدولي على حل الدولتين، وفي الوقت نفسه، سوف تؤكد أنه إذا غاب الأفق السياسي لتسوية القضية الفلسطينية، فإنهم سيبقون ينتقلون من حرب إلى حرب أخرى”.
ويشير هريدي إلى أن “المواجهة الحالية هي الجولة الخامسة من الحروب بين الطرفين. إنه ليس من مصلحة الإسرائيليين، ولا الفلسطينيين، ولا منطقة الشرق الأوسط، ولا المجتمع الدولي أن نستمر في هذه الحلقة الجهنمية من الصراع، لذا يجب اللجوء إلى حل الدولتين”.
ويتوقع أن تبعث القمة برسالة مفادها أن الدول المجتمعة في القمة، تدين أي استهداف للمدنيين، بغض النظر عن دينهم، أو جنسيتهم، وفي الوقت ذاته تطالب بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
شغل الدبلوماسي المصري منصب مدير إدارة إسرائيل في وزارة الخارجية المصرية، ما كوّن لديه فهماً عميقاً بالعقلية السياسية الإسرائيلية، لذا حين سألناه عن مدى إمكانية تراجع الدولة العبرية عن خططها للقضاء على حركة “حماس”، وإصغائها للمجتمع الدولي إذا طالبها بذلك، قال: “إن إسرائيل في حالة فقدان توازن الآن”.
وأضاف: “لكن هذا لا يعفينا من إعادة تأكيد الثوابت، وإعادة تأكيد الحقائق، وأننا في وقت ندين الاعتداء على المدنيين، فإننا نؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو الأساس في تعقيد الموقف برمّته”.
إحجام إسرائيلي
على رغم مما يثار بشأن المشاركة الدولية الموسعة في قمة السلام التي تستضيفها مصر، إلا أن الخبير في الشؤون الإسرائيلية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور سعيد عكاشة، يرى من خلال متابعته للصحف العبرية، أن “إسرائيل غير مرحبة بهذه القمة”.
ويرى الخبير لـ”النهار العربي” أنه “من الواضح أن إسرائيل عازمة على إدارة الأزمة بنفسها، بغضّ النظر عما تراه القوى الإقليمية والمجتمع الدولي. لقد تعرضت إسرائيل لهزيمة، لذا فهي تحاول أن تمحو الصورة السيئة التي بدت عليها”.
ويعقب عكاشة قائلاً: “هذا لا يمنع أنه من الضروري أن يمارس المجتمع الدولي ضغوطاً على الدولة العبرية، ويسعى لعقلنة قراراتها. لكنني أعتقد أن هذه الضغوط لن تدفع إسرائيل للدخول في عملية تفاوض من أجل السلام، وهي تدرك أن وضعها التفاوضي، الآن، سيئ للغاية”.
ورغم قناعة الخبير في الشؤون الإسرائيلية بأن الوضع الراهن بالغ التعقيد، إلا أنه متفائل، ويقول: “لقد بتنا أقرب لاتفاق سلام من أي وقت مضى، ليس الآن بالطبع، ولكن في المستقبل القريب”.
ويرجع عكاشة قناعته هذه إلى أسباب عدة، وهي أن “إسرائيل فشلت في “القفز” على القضية الفلسطينية، وفشل الردع، فلم تنجح إسرائيل في أن تكون تلك الدولة القوية التي يخشى الجميع مهاجمتها”.
ويصف الخبير الوضع الراهن بأنه “رغبة في الانتقام، وهذه الرغبة لا تسيطر على الساسة الإسرائيليين فحسب، بل إنها تسيطر على المجتمع الإسرائيلي أيضاً، فهم يرفضون الدخول في عملية سلام قبل الأخذ بالثأر (مما فعلته “حماس”)”.
ويستبعد عكاشة أن تنجح إسرائيل في القضاء على “حماس”، ويعتبر أن هذا “غير ممكن نظرياً وعملياً، لأننا أمام “حرب غير متماثلة”، أي جماعة مسلحة في مواجهة جيش نظامي، وهذا النوع من الحروب من الصعب أن ينتهي بنصر حاسم”.
ويبدو من حديث الخبراء، أنه بالرغم من قتامة المشهد وتعقيداته، إلا أن ثمة ضرورة لعقد قمة السلام في القاهرة، فثمة رسائل عدة سوف توجهها، وأمور من المهم إعادة تأكيدها. وفي كل الأحوال، إن لم تصل إلى الوجهة النهائية المرجوة لحل أزمة غزة، فإنها ستأخذ خطوات عدة نحوها.
المصدر: النهار العربي