تقارير
يبدو أنّ ما تخطّط له الولايات المتحدة الأميركية في سوريا لا يزال قيد التكهن والتخمين، وينتقل الحديث بسرعة بين مشاريع وأجندات مختلفة، كان آخرها الاستعداد لشنّ عملية عسكرية كبيرة بهدف قطع “الكوريدور” الإيراني الواصل إلى لبنان والبحر المتوسط عبر سوريا والعراق، وذلك قبل أن تقوم مواقع سورية معارضة، أخيراً، بتسريب معلومات حول سيناريو مختلف لمخطّط أميركي جديد، قد لا يقلّ خطورة عن سابقه، وهو تكريس مناطق النفوذ ضمن مخطط تقسيمي، من خلال الاتجاه نحو بناء مدينة في منطقة التنف على الحدود السورية- العراقية- الأردنية التي تسيطر عليها القوات الأميركية منذ العام 2015.
وذكرت مصادر مطّلعة، أنّ مشروع إقامة مدينة في منطقة التنف بات أمراً وارداً للغاية. فعلى الرغم من عدم وجود كوادر متخصّصة في مخيم الركبان إلاّ أنّه يمكن جلبهم من الخارج، وبالنسبة الى أهالي المخيم، فهم عنصر أساسي في المشروع باعتبارهم اليد العاملة التي ستؤسّس تلك المدينة، وفق ما جاء في تقرير نشره موقع “تجمّع أحرار حوران”.
وأكّدت المصادر، أنّ موقع بناء المدينة المحتملة لن يكون في الموقع الحالي لمخيم الركبان، بسبب وقوعه في المنطقة المحايدة بين سوريا والأردن، بل الأرجح أن يكون في المنطقة المحيطة بمعبر “الزويرية” بين سوريا والعراق، والذي افتتحه “جيش سوريا الحرّة” بدعم أميركي، بالتعاون مع جهات عشائرية عراقية، وليس مع طرف حكومي عراقي.
وتكتسب منطقة التنف أو الـ 55 كيلومتراً التي كانت أول منطقة تسيطر عليها القوات الأميركية في سوريا لبدء عمليات التحالف الدولي ضدّ “داعش” سنة 2014-2015، أهمية استراتيجية كبيرة، نتيجة وقوعها على مثلث الحدود بين ثلاث دول هي سوريا والعراق والأردن، ومن المحتمل أنّها تتمتع بثروات طبيعية كالغاز والسيليكون، كما أنّها تشكّل نقطة الوصل بين الحسكة التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديموقراطية” حليفة الولايات المتحدة، وبين الجنوب السوري، وبخاصة محافظة القنيطرة التي تتجّه الأنظار إليها في خضم التطورات الجارية في غزة، لاسيما بعد توارد أنباء عن حشد الميليشيات الإيرانية المئات من عناصرها بالقرب من الحدود مع الأراضي التي تحتلها اسرائيل.
وفي سياق تأكيده صحة معلوماته، ذكر التقرير السابق، أنّ العديد من المنظمات بدأت العمل أخيراً في مخيم الركبان ومنطقة الـ 55. ففي شهر أيلول(سبتمبر) الفائت، زار كل من معاذ مصطفى المدير التنفيذي لمنظمة الطوارئ السورية، وهيثم البزم مدير منظمة “غلوبال جستس”، مخيم الركبان وقاعدة التنف، وهما منظمتان سوريتان مدعومتان أميركياً.
وأضاف، أنّ الزيارة نتج منها كمرحلة أولى، تنفيذ 6 مشاريع لسكان المخيم وهي، مشروع ثروة حيوانية وتربية أبقار سيتمّ توزيع منتجاتها مجاناً على سكان المخيم، مشروع بناء مدرستين، مشروع زراعي يضمن الاكتفاء الذاتي للسكان من القمح والشعير والخضر، ومشروع دعم الطاقم التعليمي بمرتب شهري قدره 100 دولار أميركي، ومشروع عيادات طبية (أونلاين) تتألف من 10 اختصاصات منها الداخلية والقلبية والنسائية والأطفال، ومشروع دعم صيدلية المخيم وتوزيع الدواء مجاناً على سكان المخيم.
وذكر التقرير، أنّ منطقة التنف تحوي كميات كبيرة من الثروات الطبيعية التي قد تُعتبر من اسباب اهتمام واشنطن بها، إلى جانب الأسباب الميدانية والسياسية.
وذكر أنّ مجموعة من الشركات الأجنبية كانت قد دخلت في السابق، في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، للبحث والتنقيب عن النفط والغاز في منطقة حوض البادية السورية وبادية الحماد، وخلال تلك الاكتشافات تمّ اكتشاف 6 آبار للغاز الطبيعي في محيط منطقة التنف، وتشير المعلومات إلى أنّها تحوي احتياطياً كبيراً، إلاّ أنّ النظام السوري كان قد أغلقها تحت ذريعة أنّها غازات سامة، وتمّ طي الأمر تماماً.
بعد سيطرة الولايات المتحدة على المنطقة، كانت هذه الآبار من ضمن مناطق السيطرة الأميركية، وهو ما يجعل المنطقة الغنية بالثروات بين أيدي الأميركيين، وبخاصة ستُعتبر منطقة التنف ومحيطها من المناطق الغنية في سوريا.
مصدر خاص أكّد لـ “تجمّع أحرار حوران”، وجود هذه الآبار فعلياً، مشيراً إلى أنّ أهمها يقع إلى الشمال الشرقي من قاعدة التنف.
المصدر أضاف أنّ هذه الآبار تخضع للسيطرة الأميركية بشكل كامل، مؤكّداً أنّه لم يتمّ العمل على استثمارها، لكن في الوقت نفسه وبعد الفحوص التي أُجريت عليها، تبيّن أنّ رواية النظام السوري أنّها غازات سامة غير صحيحة، وأنّ الغاز الموجود فيها هو غاز طبيعي.
كما أكّد أنّ بعض الدراسات التي تمّ إجراؤها في منطقة التنف ومحيطها ومنطقة الرطبة في العراق، تشير إلى وجود النفط وكميات من مادة السيليكون التي تُعتبر حالياً من أهم الثروات الطبيعية، نظراً إلى استخداماتها في الصناعات التقنية الحديثة.
هذه الثروات التي ستقوم الولايات المتحدة باستثمارها ستغيّر وجه هذه المنطقة الصحراوية، لتحولها إلى مدينة خاصة لها مكانتها الاستراتيجية.
ورغم أنّ المصدر السابق اعتبر أنّ الحديث عن إنشاء مدينة في التنف قد يكون ضرباً من الخيال بالنسبة الى البعض، إلاّ أنّ للأميركيين نظرتهم الخاصة الى سوريا وأهمية موقعها، وبخاصة الامتداد من شمال شرقي سوريا وصولاً إلى كامل الجنوب السوري، لذلك بدأت الولايات المتحدة بوضع أولى أركانها في ما عُرف لاحقاً منطقة الـ 55، والتي تضمّ قاعدة التنف العسكرية التي أنشأتها تحت عنوان تدريب فصائل معارضة لمحاربة تنظيم “داعش”، ومخيم الركبان القريب، ومعبر الوليد – التنف الحدودي بين سوريا والعراق.
ويُعتبر الربط بين منطقة التنف ومناطق سيطرة “قسد” في الشمال الشرقي من سوريا من جهة، والربط بين التنف ومنطقة الجنوب السوري من جهة ثانية، هدف أميركي قديم/متجدّد، يتجدّد الحديث عنه مع كل منعطف تمرّ فيه الأزمة السورية، وقد يكون ما يجري في غزة والتوقّع بأن يتمدّد إلى خارج الأراضي الفلسطينية ليشمل دول الجوار أولاً ودول محور المقاومة ثانياً، أحد الأسباب التي دفعت إلى توجيه الأنظار نحو ما يجري الإعداد له لمنطقة التنف من قِبل الولايات المتحدة التي تقف إلى جانب إسرائيل بحزم كبير.
وبناءً عليه، فإنّ متغيّرات جيوسياسية عديدة سوف تشهدها سوريا خلال المرحلة القادمة، فمع تعسر التوصل إلى حل، باتت مناطق النفوذ والتقسيم غير المعلن الأقرب إلى الوجود، ويتحمّل النظام السوري بشكل كامل مسؤولية ما ستؤول إليه الأمور في سوريا، سواء تقسيم أو غير ذلك، كما تتحمّل المعارضة السورية بتخاذل معظمها، سواء العسكرية ام السياسية وعلى رأسها الائتلاف الوطني، جزءاً من المسؤولية، بسبب تبعية معظمها لأجندات خارجية بعيدة من المشروع الوطني السوري الذي نادى به السوريون حين خرجوا بثورتهم، بحسب التقرير السابق ذاته.
المصدر: النهار العربي