يقول فرانك كارلوتشي وزير الدفاع الأمريكي (1987-1989) ” نحن نريد في المنطقة نظماً موالية لنا، لا تقاوم إرادتنا ثم إننا نريد ثروات هذه المنطقة بغير منازع، ونريد ضماناً نهائياً لأمن إسرائيل لأنها الصديق الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في هذه المنطقة “.
فهل علِمتْ إيران مدى حجم تمددها واستخدامها القوة الناعمة في برنامجها النووي؟
استخدمت القوة الناعمة لكي تعزز من الشرعية الدولية من خلال تأكيد حقها في استعمال الطاقة النووية -لأغراض سلمية ولكسب الوقت في التفاوض وإنجاح مشروعها النووي -فإنه من الواضح أنّ طهران لديها مصلحة في الحصول على السلاح.
وبالعودة إلى الخبر في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة: ” أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ، إن واشنطن انسحبت من الاتفاق النووي مع إيران بسبب الأخطاء التي شابته ، منبهاً أنّ طهران خدعت العالم بالاتفاق وأضاف أنّ من دعموا الاتفاق النووي زعموا أن توقيعه سيجعل منطقة الشرق الأوسط أكثر استقراراً ، لكن لم يحصل ذلك ، إذ صَعّدتْ طهران من وتيرة عدائها ، بعد الاتفاق واستغلت ما حصلت عليه من أموال لتأجيج الأوضاع في المنطقة ، فتوعد “بومبيو” بملاحقة الإيرانيين وأتباعهم في حزب الله في كل أنحاء العالم بهدف سحقهم ، مؤكداً أن إيران لن تكون مطلقة اليد للسيطرة على الشرق الأوسط ، لافتاً أن في تدخلها في الأزمة السورية أدى إلى نزوح ولجوء ملايين السوريين “
على ضوء الخبر نبني ونحدد معايير سياسة إيران منذ ظهورها كطرف إقليمي بارز بعد أحداث 11أيلول 2001 وسقوط العراق بيد القوات الأمريكية سنة 2003 فأصبحت إيران جناح سياسي لكل المكونات الشيعية والحلفاء التي صنعتهم في المنطقة العربية! وكان من أهم أهدافها الاستراتيجية وانطلاقاً من نظرياتها ومنظورها هي:
- تصدير الثورة الإيرانية (1979) إلى دول العالم العربي بإيديولوجيا الإسلام الشيعي/ الطائفي، فزرعت ودعمت حلفاء لها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً من أجل تعزيز النفوذ الإيراني في (الشرق الأوسط).
- نشر التشيع كعنصر مهم لتوليد القوى الناعمة الإيرانية بعد تصدير الثورة واعْتُمد على نشره عن طريق الطوائف الشيعية الموجودة في المنطقة، كالنظام السوري الحليف الأكبر لإيران، ويستهدف هذا البعد تكوين كيانات شيعية قوية في الدول العربية لمساندة السياسات الإيرانية في قضايا المنطقة كدعم حزب الله اللبناني الذي يعد ذراعاً طائفيا قوياً وركناً أساسياً في التشكيلة السياسية اللبنانية، وكذلك دعم حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين لوجستيًا ومالياً وسياسياً، وبالإضافة إلى الحوثيين في اليمن.
ومن هنا لابد من طرح السؤال التالي: لِمَ تعتبر إيران تدخلها في سوريا إبان انطلاق ثورتها في آذار 2011 ضرورة لازمة وحتميّة؟ إنّ تدخل إيران ليس عبثياً وإنما هو مدروس ومعلوم من القوى الإقليمية والدولية، ولابد من تحديد دوافع التدخل الإيراني حتى تبقى ذاكرتنا حيّة:
- الرغبة في عدم فقدان التأثير الإيراني على الساحة اللبنانية بحكم الدور السوري الذي يوفر التسهيلات الكبيرة لذلك التأثير (نقل الأسلحة)
- التقارب الفقهي بين إيران والنظام السوري.
- توافق الموقف السوري مع الموقف الإيراني فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.
- العمل على إعاقة اتفاق الطائف 1989الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (ومضمونه: لبنان وطن سيد حر مستقل، لبنان عربي الهوية والانتماء، لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية والشعب مصدر السلطات) وبالتالي تقليص النفوذ السعودي على الساحة اللبنانية وسعي إيران لبسط نفوذها وتأثيرها على المنطقة العربية.
- قطع الطريق أمام تركيا لكي تكون طهران في الريادة وأن يكون لها دور فاعل في الأحداث على الساحة السورية.
- محاولة الحد من التأثير الغربي على الساحة السورية أيضاً.
والسؤال الأخير: لِمَ بدأت الولايات المتحدة بتقليم أظافر إيران في المنطقة العربية ومحاربتها اقتصاديا؟
قدمت إيران مبادرة لحل المسألة السورية تتشابه مع جنيف في إطلاق عملية انتقالية في سوريا، بشرط امتناع السعودية وقطر وتركيا عن تسليح الثوار وتقديم الدعم لهم.
بل إن طهران ذهبت أبعد مما يريد النظام وحتى الروس، في ترويجها لحل يشمل إخوان سوريا وحسب رأي إيران فإنّ أيّ مبادرة لحل المسألة السورية لابد أن تمر عن طريق طهران باعتبارها تمتلك أوراق اللعبة السياسية في سوريا، وأي تجاهل للدور الإيراني سيؤدي إلى فشل تلك المبادرات، فهكذا كان دأب إيران للتأثير في المنطقة. لقد بدأ العدّ التنازلي مع انهيار منظومة إيران الداخلية والخارجية، وستحمل المرحلة القادمة الكثير من المفاجئات وأهمها تفعيل مظاهرات واحتجاجات الشعوب الإيرانية على نظام الملالي والتي شهدنا أحداثها العام الماضي 31-12-2017 ”