أحمد مظهر سعدو
مع تصاعد الإجرام الإسرائيلي اضطرادًا والممارس يوميًا ضد أهالي قطاع غزة، وهذا الصمت العربي الرسمي والإسلامي والدولي المريب والغريب، تتمظهر بالتساوق مع كل ذلك حالة جديدة في المشهد السوري انعكاسًا لمايجري من حرب مدمرة وفاشيستية في قطاع غزة، على العديد من المستويات داخل الجغرافيا السورية برمتها، ومن خلال التموضعات الإيرانية والروسية الثاوية كليًا في المسألة السورية وتفرعاتها، حيث تتحرك حالة من الانسحابات الجزئية والإخلاء الروسي لصالح الوجود الاحتلالي الإيراني المتمدد أكثر وأكثر، هذا الوجود المتكيء إلى شعارات خلبية من الممانعة والمقاومة المدَّعاة في مواجهة إسرائيل، الذي كان قد انكشف بشكل سافر عبر تخليه وإغماض عيونه عن المشاركة أي مشاركة مباشرة في عملية التصدي أوالوقوف إلى جانب (قوى المقاومة) في فلسطين، التي طالما تغنى بها شعاراتيًا واعتبرها أحد مرتكزات محور المقاومة والممانعة. اليوم ومع استمراره في التخلي والخذلان لكل مقاومي فلسطين، يحاول هذا الوجود الإحتلالي الإيراني أن يساهم في تمتين وضعه أكثر، ثم يثبت مصالحه العسكرية والسياسية والاقتصادية المتموضعة بشكل أعمق وأكثر انتشارًا، ضمن سياقات جيوسياسية لإنتاج مساحة جديدة، وواقع جديد عبر محاولاته استغلال الفرص واغتنامها في وقت وجدت فيه روسيا أن الفرصة باتت متاحة لها أيضًا، من أجل إعادة صياغة (تحالف الضرورة) مع إيران في سياقات وعلى هدي حرب ضروس تشهد رحاها وحراكها روسيا في أوكرانيا منذ مايقرب السنتين، جند لها الغرب كل الإمكانيات، ليساهم في إغراق الاتحاد الروسي البوتيني في أتون الوحل الأوكراني المميت والصعب المراس، فروسيا اليوم تمارس لعبة القط والفأر مع الأميركان والغرب على أرض سورية، ومن خلال المزيد من فعل التشبيك وإعادة رسم التحالفات، وتمتين أواصر علاقات عسكرية وسياسية مع الإيرانيين في أجواء الإنشغال الغربي والأميركي في حرب غزة التي لايبدو أنها قد أصبحت مقتربة من النهايات، ولوجًا في الحرب البرية التي يواجهها أهل غزة عبر المزيد من العنفوان والمقاومة التي لا تهدأ، وتلقين الصهاينة الدروس تلو الدروس .
ولعل واقع الوجود الروسي في سورية الذي تخطى عتبة الثماني سنوات منذ أواخر شهر أيلول/ سبتمبر المنصرم، باحتلاله للكثير من مساحات الجغرافيا السورية، ووصوله إلى المياه الدافئة وهيمنته على القرار السياسي السوري و(السيادة السورية) إن صح التعبير، مع شريكته بالضرورة دولة إيران/ الملالي، إنما يتابع احتلاله وهيمنته على جل الواقع السوري، لكنه هذه المرة يعطي الكثير من إفساح المجال والانزياح النسبي لصالح دولة إيران/ الملالي، التي طالما كان لها مشروعها هي الأخرى في الواقع السوري والعربي، وسط خلل حقيقي في استراتيجيات المواجهة العربية، وغياب المشروع العربي المنسجم والمتكامل، وذاك التملص والتحلل الفاضح والكاشف من دور العرب المفترض والمسؤول تجاه الدم السوري المراق من قبل إيران والنظام السوري وروسيا معهم، وكل المسألة السورية وكذلك القضية الفلسطينية.
لكن هنا رب قائل يقول اليوم: أليست دعوة الرئيس التركي إلى المشاركة في مؤتمر مهم مع الدول العربية وهو قمة مجلس التعاون الخليجي المنعقد في الدوحة بمفرده، دون دعوة الرئيس الإيراني لمثل هكذا مؤتمر، هو محاولة قد تكون جدية ومقلقة للمشروع الإيراني، وقد يكون بمثابة إسفين جديد في العلاقات الإيرانية التركية والروسية أيضًا، ومن ثم هل يمكن أن تنتج هذه المؤتمرات و اللقاءات ذات الأهمية متغيرات جديدة تحول دون السماح لشراكة إيرانية روسية جديدة في سورية قد تؤدي إلى الكثير من التمدد وإغراق المنطقة بمزيد من الحروب المباشرة أو بالوكالة التي دأبت عليها كل من إيران وروسيا.
المشهد السوري هذه الأيام، والذي يتجلى ويتبدى إلى جوار مايجري لأهلنا في قطاع غزة ينبئ بالكثير من التغيرات، لعل أبرزها مسألة إعادة التموضع الإيراني الجديد على حساب الوجود الروسي، وضمن توافق مصلحي نفعي براغماتي مع الروس.
هذا التوافق الإيراني مع الشريك الروسي، على أرض سورية، وضمن الحالة السورية المتحركة والمتأثرة بالمحيط الإقليمي، لابد له من الإنتباه جيدًا إلى ماسوف يكون متغيرًا وفاعلًا ومعيقًا في هذا الاتجاه، هو الشراكة بين رروسيا وتركيا وإيران، والتي بدأت مع بدايات انطلاق مسار (أستانا) حيث انه من الممكن اليوم فيما لو استمرت حالة الانزياخ الروسي لصالح التمدد الإيراني في الجغرافيا السورية، أن تنتج خللًا في الشراكة الثلاثية تلك، كما أن العلاقات التركية مع مجلس التعاون الخليجي هي الأخرى، وفيما لو أنتجت بناءات متينة من تحالفات جديدة قد تؤدي أيضًا إلى مزيد من التصدع في العلاقات بين أعضاء شراكة أستانا وأطرافها الثلاثة.
إن تتابع العدوان الإسرائيلي الفاجر والفاشيستي على شعب فلسطين في قطاع غزة والضفة الغربية كذلك، لن يمر دون أن يترك آثارًا جديدة ودراماتيكية على الخارطة السورية، ليس آخرها طبيعة الوجود الإيراني الكولونيالي في سورية، وليس آخرها ذاك التموضع الأميركي في منطقة شمال شرق سورية، وتفاعلاته وتأثيراته ومصالحه البراغماتية المنجدلة مع الحالة القسدية وتفرعاتها، على مجمل تغيرات المشهد السوري والمسألة السورية والمنطقة المحيطة برمتها.
ومن ثم وبالضرورة فإن انفراط عقد حلف الممانعة وتخلخل بنيانه وترهل فكرة وحدة الساحات المُدَّعاة، والتي طالما أطنبت آذاننا بها دولة إيران/ الملالي ومعها باقي دول المحور البائس (الممانع والمقاوم)سيكون أحد منعكسات ومظاهر مابعد العدوان على قطاع غزة حيث لايمكن أن يكون وضع مابعد غزة هو نفسه ما هو قبلها.
بل لعل إعادة صياغة وإنتاج الواقع السياسي والجيوسياسي بكليته، هو ما سوف يتحرك نحو إعادة إنتاج وصياغة حقيقة ومختلفة لواقع الحالة السورية والمنطقة بعمومها، ضمن متغيرات دراماتيكية تبدت وتمظهرت لدى وضمن وحول كل الملفات التي مابرحت ساكنة قبل ذلك، وهي التي ماانفكت تراوح بالمكان، دون القدرة على الإنجاز إلا عبر ومن خلال مصالح الدول الإقليمية والدول المعولمة، وفي أتون سياسة غض النظر الروسي تجاه التمدد الإيراني في سورية.
المصدر: موقع (المجلس العسكري السوري)