الوف بن
قبل حوالي سنة ونصف عشية الانتخابات التي فاز فيها للولاية السادسة لخص رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حياته ونشاطاته في كتاب ذكرياته “بيبي: قصة حياتي”. يصعب تخيل سيرة ذاتية تقادمت بهذه السرعة. أي كتاب في المستقبل سيكتب عن نتنياهو سيتركز على حرب 7 أكتوبر وتداعياتها. من الآن فصاعدا هذه هي قصته وقصتنا جميعا. الكارثة التي أنزلها على الدولة سيتم تذكرها على اعتبار أنها الحدث المؤسس في حياته وحياة إسرائيل. كل ما قاله نتنياهو وفعله قبل ذلك سيتم حشره في فصل المقدمة، وسيتم تعليمه في دروس التاريخ في قائمة “العوامل والظروف التي أدت الى المأساة”.
من المهم إذا كان نتنياهو يلوم نفسه الآن حول مسألة هل خطأ حياته كان في تصميمه على “البقاء على دفة القيادة” والعودة إلى الحكم بدلا من التوقيع على صفقة الادعاء التي عرضها عليه المستشار القانوني السابق للحكومة، مندلبليت، والذهاب إلى البيت. هل خلف الشخصية العامة التي تطرح ثقة بالذات لا حدود لها يختفي شخص يعترف بأخطائه؟ الذي يدرك أن فوزه الساحق في الانتخابات الأخيرة وتشكيل “حكومة اليمين المطلقة” قادت إسرائيل إلى حافة الموت؟.
في يوم الجمعة الماضي تلقى نتنياهو ضربة أخرى في حكم محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي وافقت على النظر في الدعوة التي قدمتها جنوب أفريقيا والتي تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة. من الصعب تعزية أنفسنا بامتناع قضاء المحكمة عن طلب وقف إطلاق النار الفور. قرارهم هذا يعرض إسرائيل كمتهمة واضحة لارتكاب الإبادة الجماعية، ويحذرها من التلاعب بالأدلة ويطالبها بتقديم تقرير عن سلوك جيد، وذكر بالأسماء عدد من قادتها مثل رئيس الدولة إسحق هرتسوغ ووزير الدفاع بوآف غالنت ووزير الخارجية إسرائيل كاتس كمحرضين على الإبادة الجماعية. نتنياهو في الحقيقة أكثر حذرا منهم في أقواله، ولم ينجر إلى الاندفاع على شكل “قوموا بالتدمير والقتل”، لكن مسؤوليته العامة واضحة للقضاة الذين اقتبسوا وعده بحرب طويلة.
قرار حكم بأن إسرائيل تنفذ إبادة جماعية في غزة تم تأجيله للسنوات القادمة، لكن تكفي قراءة المقدمة وما تم اقتباسه في قرار الحكم من أجل فهم بماذا تشبه المحكمة الدولية عملية “السيوف الحديدية”: مذبحة سيربرنتسا، مذبحة أبناء الروهنغا في ميانمار أو غزو روسيا لأوكرانيا. ما هذه المفارقة التاريخية: بالتحديد نتنياهو، الذي يعتبر في إسرائيل الزعيم الأكثر خوفا من استخدام القوة وشن الحروب، يتم ذكره الآن في نفس الزمرة إلى جانب فلادمير بوتين وراتكو ملاديتس والحكام في مينامار. وإذا كانت جنوب أفريقيا ستكسب الدعوة والمحكمة تقرر بأنه يتم ارتكاب إبادة جماعية في غزة فإن نتنياهو سينضم إلى قائمة أسوأ المجرمين.
قرار حكم محكمة العدل الدولية هو الانتصار الأكبر لحركة بي.دي.اس التي تنفي شرعية وجود إسرائيل. وهو أكثر بألف ضعف من قرار الأمم المتحدة الذي تم إلغاؤه والذي يساوي بين الصهيونية والعنصرية، ومن المظاهرات في الجامعات الأميركية أو من عروض المقاطعة التي قام بها روجر ووتر وأصدقاؤه. بالتحديد بعد مهاجمة إسرائيل وارتكب ضد مواطنيها الذبح والتدمير والاختطاف غير المسبوق فإنها تقف أمام المجتمع الدولي كمتهمة بارتكاب أكبر الجرائم خطورة ضد الإنسانية. الإذن الضمني الذي أصدره القضاة بمواصلة الحرب قد يتحول إلى فخ لن يؤدي إلا إلى المزيد من الأدلة ضد اسرائيل في المستقبل. مع ذلك، حتى لو توقف إطلاق النار في القريب فإن أبعاد القتل والدمار التي حدثت بالفعل في غزة لم يتم الكشف عنها بشكل كامل بعد، وسيتعين على إسرائيل أن تتعامل مع العواقب الوخيمة المترتبة على ذلك.
هزيمة مزدوجة
حكومة نتنياهو الحالية انطلقت في طريق الإعلان بأن “الشعب اليهودي له الحق الحصري غير القابل للجدل في كل أرض إسرائيل” (البند الأول في الخطوط الأساسية للحكومة). وبالعبرية البسيطة: الفلسطينيون لا توجد لهم أي حقوق في هذه البلاد، وليس في القطاع حتى. نتنياهو أمل، ويبدو أنه اعتقد، بأن الحركة الوطنية الفلسطينية التي حارب ضدها طوال حياته توجد في حالة تراجع وربما ستنتهي ذاتيا. خطابه الأخير في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في شهر أيلول – في حينه بشر بالسلام القريب مع السعودية بدون “فيتو فلسطيني” – ظهر بعد ذلك مثل احتفال انتصار سابق لأوانه، الذي فقط شجع حماس على تنفيذ الهجوم بعد أسبوعين تقريبا. حق الشعب اليهودي في البلاد لا يعتبر حق حصري، كما تدعي الحكومة. في لاهاي تم التوضيح بأنه يوجد أيضا للفلسطينيين حقوق جديرة بالحماية.
نتنياهو بدأ حياته السياسية بخطابات حماسية في الأمم المتحدة. وبدلا من تعزيز مكانة إسرائيل بين الأمم، كما وعد في كتابه الأول “مكان تحت الشمس”، أوصلها إلى مكانة الدولة المجرمة والقاتلة. الشخص الذي اتهم إيران بالتحريض على الإبادة الجماعية وتعود على التلويح بالصور من اوشفيتس أوصل إسرائيل الآن إلى أن تصبح المتهمة بنفس البند.
صحيح أن إسرائيل لم يتم عزلها، حتى بعد 113 يوم قتال، والولايات المتحدة تواصل دعمها وأعلنت بأنها ستزودها بالطائرات والمروحيات القتالية وذخيرة لسلاح الجو الذي يهاجم في غزة. لكن هذا غير كاف. وكما قال دافيد بن غوريون :إن مصير إسرائيل متعلق بأمرين، قوتها وعدالتها. في 7 أكتوبر تبين أن قوتها أضعف بكثير مما تم الاعتقاد، وأمس تلقت عدالتها أيضا ضربة فظيعة. هاتان الهزيمتان المسؤول عنهما هو الزعيم الذي تفاخر بولايته الأطول من ولاية مؤسس الدولة. هذه الولاية أصبحت طويلة جدا.
المصدر: هآرتس/الغد الأردنية
Can you be more specific about the content of your article? After reading it, I still have some doubts. Hope you can help me.
Your article helped me a lot, is there any more related content? Thanks!