مروان قبلان
إذا تأكّدت الأنباء التي نشرتها “رويترز” عن تزويد إيران روسيا بصواريخ أرض – أرض قصيرة المدى (300 – 400 كم) لرفد الترسانة الروسية التي تعاني نقصاً في الذخائر بعد عامين على حرب أوكرانيا، فهذا يعني أن الوصف الذي التصق سنواتٍ بالعلاقة الروسية – الإيرانية بأنه زواج مصلحة لم يعد صالحاً لفهمها.
حتى وقت قريب، كانت العلاقات الإيرانية – الروسية تتسم بالشك وعدم الثقة، يغذّيها تاريخ طويل من الصراع بين البلدين، حيث اقتطعت الإمبراطورية الروسية أجزاء واسعة من إيران في عهد الأسرة القاجارية (1794-1925)، بما في ذلك مناطق جنوب القوقاز (أذربيجان، أرمينيا، جورجيا). خلال العقدين الأخيرين، اتّسمت العلاقة بين البلدين بالتذبذب، حيث صوّتت روسيا إلى جانب جميع قرارات مجلس الأمن الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، بما فيها التي فرضت عقوبات على إيران (مثل القرار 1929 لعام 2010)، لكن الحرب في سورية فرضت تعاوناً غير مسبوق بين الطرفين، حيث عمل سلاح الجو الروسي غطاءً للمليشيات الإيرانية العاملة على الأرض منذ 2015.
وبشكل دائم تقريباً، كان هناك تياران رئيسان في إيران بخصوص العلاقة مع روسيا، أحدهما يشكّك في نواياها ويرى أنها تعيق أي تقارب غربي مع إيران، لأن ذلك يقضي على إمكانية استخدام إيران ورقة تفاوض في العلاقة مع الغرب، وكان وزير الخارجية السابق، محمد جواد ظريف، أبرز ممثلي هذا التيار، وقد حمل، في التسريبات الصوتية الشهيرة للمقابلة التي أجريت معه في أواخر عهد حسن روحاني، بشدّة على روسيا واتهمها بأنها حاولت عرقلة التوصل إلى اتفاق عن برنامج إيران النووي خلال إدارة أوباما. كما برزت اتهامات لروسيا بأنها حاولت عرقلة التوصل إلى اتفاق بين إيران وإدارة بايدن في مارس/ آذار 2022 عبر اشتراط إعفاء علاقتها التجارية مع إيران من العقوبات الأميركية والغربية التي نتجت عن غزو أوكرانيا لموافقتها على الاتفاق النووي.
التيار الآخر يعبَّر عنه بوضوح الحرس الثوري، وتتبناه إدارة الرئيس إبراهيم رئيسي، ويميل إلى تعزيز العلاقات مع روسيا والوصول بها إلى مستوى التحالف. وهذا هو التيار الذي استدعى التدخّل العسكري الروسي في سورية عام 2015، خلال الزيارة الشهيرة التي قام بها الى موسكو قائد فيلق القدس حينها، قاسم سليماني، رفقة مستشار المرشد علي أكبر ولايتي (وزير الخارجية السابق) وأمير عبد اللهيان (مساعد وزير الخارجية حينها).
هذا التيار هو الذي دفع، وما يزال، إلى تطوير العلاقات بين روسيا وإيران، وقد وجد الفرصة مواتية للمضي في ذلك بعد فشل إدارة روحاني – ظريف في إحياء الاتفاق النووي مع إدارة بايدن في ربيع عام 2021، وتعمّق هذا التوجّه مع الغزو الروسي لأوكرانيا حيث قرّرت إيران، منذ الشهور الأولى للحرب، دعم المجهود الحربي لروسيا عبر بيعها طائرات مسيّرة من طراز “شاهد 136″، تقول أوكرانيا إن روسيا استخدمت نحو 3700 منها خلال الحرب، وصولاً إلى بيع روسيا صواريخ أرض – أرض من طراز فاتح وذو الفقار. في المقابل، تأمل طهران في الحصول على طائرات مقاتلة من طراز سوخوي (Su35) وطائرات مروحيّة من طراز (MI28) لتعزيز قدراتها الجوية المتهالكة.
لم يقتصر التقارب الروسي – الإيراني على الجوانب العسكرية، بل تعدّاه الى القضايا السياسية، حيث لوحظ خلال الحرب على غزّة ارتفاع نبرة الانتقادات الروسية لإسرائيل على خلفية الجرائم التي ترتكبها فيها. لكن هذا التغيير لم ينسحب على التفاهمات الروسية – الإسرائيلية في سورية، حيث كثفت إسرائيل من عملياتها العسكرية في سورية منذ الحرب على غزّة (بالمقارنة تغلق روسيا المجال الجوي السوري تماما أمام الطيران التركي في الشمال). كما لوحظ، منذ انطلاق الحرب على غزّة، أن روسيا تحاول الاستفادة من الضغوط التي يتعرّض لها الوجود العسكري الإيراني، من إسرائيل والولايات المتحدة، والتي دفعت مئات من ضباط الحرس الثوري الإيراني إلى الخروج من سورية، لاستعادة نفوذها الذي كانت خسرته لصالح إيران هناك نتيجة انشغالها في حرب أوكرانيا، هذا يعني أن العلاقة الروسية – الإيرانية ما تزال مرتبطة بشدّة بطبيعة علاقة الطرفين مع واشنطن، … كيف ستبدو هذه العلاقة إذاً في حال عاد ترامب إلى الحكم؟
المصدر: العربي الجديد