نتيجة لطبيعة السلوك الإيراني المضر في العالم العربي، فرح الكثير بالانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي. ودون أدنى شك، فإن ما قام به الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ليس حبّا بالحلفاء، إن كانوا من العرب أو اليهود، إنما لأنه يعتقد، وبالطبع محق في قراره هذا، أن الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر الأهم والضامن القوي لاستمرارية الاتفاق النووي بين إيران والغرب، أكبر المتضررين، مقارنة بالأوروبيين (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) الذين تهافتوا على النظام الإيراني وأبرموا مع طهران العديد من العقود الاقتصادية والتجارية المربحة.
تعد الشروط الاثني عشر التي أعلن عنها مايك بومبيو، بمثابة خارطة طريق لردع السلوك الإيراني المزعزِع لاستقرار العالم العربي المتنوع بثقافاته وأديانه ومذاهبه.
طبعا، إذا ما طُبِّقت هذه المطالب كاملة دون أي نقصان. وبالنظر إلى طبيعة السلوك الإيراني المستمر منذ أربعة عقود، نستشف وبوضوح، أن استمرارية نظام الإيراني تتطلب هذا النوع من السلوك الثيو-فارسي، الملتحف بعباءة المبادئ الثورية ونصرة الشعوب المستضعفة في العالم، وغير ذلك من المفاهيم الأخرى التي عفا عليها الزمن.
في ظل هذا التوجه العام إقليميا ودوليا بالضغط على النظام الإيراني لتغيير سلوكه، وبهدف أن يوقف أنشطته المتهوّرة في الإقليم، فإن قادة النظام في إيران وصناع القرار هناك، وفي مقدمتهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي عبّروا عن هذا الضغط المتواصل منذ أربعة عقود وفي أكثر من مناسبة، ورأوا أنه “بالمقاومة والصبر” سيفشل لا محالة.
كما أنهم تعايشوا مع الضغوط الدولية السابقة وتفننوا نوعا ما في التقليل من الأضرار الناتجة عن هذه الضغوط التي كانت ومازالت تطالب طهران بأن تكون دولة طبيعية كغيرها من دول الإقليم. وهذا ما أكده وزير الخارجية الأميركي في الأيام الماضية في مقابلة له مع إذاعة صوت أميركا الفارسية.
في واقع الأمر، هذا النهج الأعوج سار عليه النظام الإيراني منذ تأسيسه وإلى يومنا هذا. وعليه، من الخطأ إذا ما اعتقدنا أن السلوك الإيراني سيتغير نتيجة للضغوط الدولية والأميركية. إلا أنه إذا ما أدرك قادة النظام في طهران أن نظامهم “الثيو-فارسي” قد يواجه خطر السقوط، حينها سيتجرعون السم وفي مقدمتهم علي خامنئي لتهدأ العاصفة فقط.
بالتالي، من يعتقد أن النظام الإيراني سيغيّر من سلوكه في الإقليم فهو واهم. طهران منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 تحاول الهيمنة على قيادة العالم الإسلامي، وهذه عقيدة راسخة واستراتيجية لدى قادة النظام الإيراني. كما جنّدت طهران لهذا الغرض الكثير من أبناء العرب وغير العرب من الذين يدينون لها بالولاء (ولاء ديني أو سياسي أو مصلحي).
أنشأت إيران الكثير من المؤسسات المذهبية العملاقة في كافة أنحاء المعمورة، لا سيما في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية. ومنها على سبيل المثال، المجمع العالمي لأهل البيت، فهذا المجمّع مؤسسة دينية وثقافية واقتصادية وسياسية عملاقة تعد كوادرها بالآلاف، وتخاطب العالم بأكثر من خمس وعشرين لغة. ناهيك عن الجامعات ودور العلم والبنوك والشركات الاقتصادية والتجارية ومراكز الأبحاث والحسينيات المنتشرة في كافة الدول العربية والأجنبية التابعة لهذا المجمع الذي يقع مركزه في العاصمة طهران.
كما للنظام في إيران أهداف استراتيجية في غاية الأهمية، منها: السيطرة على المقدسات الخاصة بأهل البيت في العراق، وحيث يعكس الصراع الدائر بين طهران والمرجعيات الشيعية ذات النفس العروبي في العراق جانبا من هذا الواقع.
وبالنظر إلى سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه إيران التي أعلن عنها مايك بومبيو، نستنتج الأمرين التاليين:
-فضّلت الإدارة الأميركية وفريق الرئيس دونالد ترامب أن يتم إسقاط النظام الجمهورية الإسلامية على يد أبناء الشعوب الإيرانية، أي أن يأتي الضغط الخارجي من الولايات المتحدة، وأما الضغط الداخلي على النظام فسيكون من خلال أبناء الشعوب القاطنة في جغرافية إيران السياسية.
-إذا ما استطاعت الولايات المتحدة بالفعل إسقاط النظام الإيراني، وهذا الأمر مستبعد في المدى القريب، فهذا يعني بالضرورة تحرير “بوابة دمشق” من قاسم سليماني ورفاقه، وبالتالي فإن هذا يعني الموت التدريجي لميليشيا حزب الله وأخواتها.
المصدر: العرب اللندنية