أحمد مظهر سعدو
تعود السياسات والأطماع الإيرانية في المحيط والجوار العربي إلى حقبة ما قبل انتصار ما سمي بالثورة الإسلامية في جغرافية إيران السياسية عام ١٩٧٩. لكنها بالتأكيد تجذرت أكثر، وأضحى واقعها حالة استراتيجية، يُشتغل عليها، ويخطط لها، وتُرصد لمساراتها الأموال الكثيرة، منذ أن تسلم الحكم في إيران (آية الله الخميني) بعد انهيار نظام الشاه (رضا بهلوي) وأسرته الحاكمة. ولقد بدا (الخميني) ومن معه، يمارسون ذلك بشكل حثيث، ويطلقون شعارات وسياسات تعيد إنتاج الأحقاد والضغائن المزروعة جوانية تفكيرهم، منذ زمن طويل، تجاه العرب والمسلمين، الذين ساهموا في انهيار امبراطورية (كسرى أنو شروان) مع بداية الفتح العربي الإسلامي لبلاد فارس، حيث قام الخليفة العربي المسلم العادل (عمر بن الخطاب) بتوزيع بعض قطع صولجان الامبراطور على عامة المسلمين، وهو ما أدى إلى انبعاثات كبيرة من الكراهية تجاه قادة العرب المسلمين والعرب بشكل عام.
مع وصول (الخميني) إلى سدة الحكم في طهران، تلمس طريقًا يمكنه أن يؤدي إلى إنفاذ مشروعه الفارسي الطائفي في المنطقة، ومن ثم إعادة إنتاج الحلم الفارسي، بعودة الهيمنة الفارسية على مجمل المنطقة، وهو حلم طالما كان صعب المنال، حيث (لا يمكن أن يشرب المرء من النهر مرتين) حسب قاعدة سياسية تاريخية لا يختلف عليها اثنان. ومع ذلك فقد عملت دولة الملالي في إيران عل مد نفوذها واستطالاتها، خارج حدود إيران، وافتعلت الحرب الكبرى ضد العراق عام ١٩٨٠، وهي ما سميت بحرب الثماني سنوات، التي أدت فيما أدت إليه إلى خسارات كبرى لدى الإيرانيين، وانتكاسات جمة، جعلت من (الخميني) وكما قال في حينه (يتجرع كأس السم) بقبوله وقف الحرب مرغمًا مع العراق.
لكنه بعد ذلك، ومن ثم أدواته وخلفائه، الذين جاؤوا إبان حكمه، لم يألون جهدًا في إعادة رسم ملامح زمن آخر، عبر التمدد الإقليمي، حيث يحاولون اقتناص الفرص، واستثمار في القضية الفلسطينية، والكثير من قضايا العرب، وصولًا إلى هيمنة وتغول على أربع عواصم عربية على الأقل، وهي بغداد، دمشق، بيروت، وصنعاء. ضمن سياسة أميركية تشتغل على استمرار واقع المسكوت عنه، ومناكفة السياسات الإيرانية، دون منعها عن متابعة ممارسة أطماعها في المنطقة، بل إنها تركت هذه الأطماع تستمر ميدانيًا، شرط أن لا تشكل خطرًا على ما يسمى (الأمن القومي الإسرائيلي) بل راحت تبتز الدول العربية، وتستغل ديناميات الخطر الإيراني على العرب، لتسحب من خزائنها مليارات من الدولارات، تحت دعوى حماية العرب من الخطر الإيراني، حيث ساهمت اميركا ومعها بعض الدول الغربية في جعل الخطر الإيراني (فزاعة) مقلقة للنظام الرسمي العربي، فالمهم أن يستمر ارتماء هذه النظم في الحضن الأميركي أو الإسرائيلي لا فرق. في ذلك
والحقيقة الساطعة تشير إلى أن الأطماع الإيرانية، ومشاريع إيران التوسعية باتت تشكل خطرًا أكيدًا وكبيرًا على مجمل العرب في الشرق، كما في شمال أفريقيا، وسط فرجة من قبل العالم الغربي والشرقي، حيث أضحى التصالح مع دولة الملالي في إيران، والرضوخ إلى شروطها، واقعًا معاشًا لدى الكثير من النظم العربية، حفاظًا على عروشها، أو صونًا وحماية لسلطاتها، وعومل استمرار نهب شعوبها.
في ظل غياب أي مشروع عربي رسمي قوي، وضمن (دراماتيكة) الحدث في فلسطين والمنطقة، وعبر التلويح الدائم بالمفاعل النووي الإيراني المسكوت عنه غربيًا، بينما يتم منع وقمع أي مشروع نووي عربي آخر سواء في العراق سابقًا أو غير العراق .ضمن هذه الأجواء المفتوحة بات الواقع العربي في حالة بؤس وضياع، وباتت أوضاع إيران في المنطقة، واضحة للعيان، عبر الاستقواء على العرب والمسلمين المفوتين والعاجزين حتى الآن عن الإمساك بأي من المشاريع الجدية المناهضة لإيران، بل لعل الذهاب إلى بكين والتفاهم مع إيران بتاريخ 10 أذار/ مارس 2023 كان وسيكون مدخلًا نحو مزيد من التمدد الإيراني وقوة لإيران قبل أن يكون حماية للعرب، فإيران الملالي لا يمكن أن يؤتمن جانبها، وهي لم ولن تتخلى عن مشاريعها وأطماعها في المنطقة، ولقد لاحظنا جميعًا كيف تدير إيران سياسة الحرب، عبر ما تسميه بوحدة الساحات، أو الصبر الاستراتيجي، بل الصمت المطبق الاستراتيجي، الذي لن يسمح أن تدخل إيران في حرب مباشرة مع إسرائيل، من أجل عيون العرب، مع الاكتفاء (بالمشاغلة) الشكلية عبر أدواتها في المنطقة، صونًا وحفظًا لماء الوجه المسفوح على قارعة الطريق، بعد العدوان الإسرائيلي الأميركي على قطاع غزة والشعب الفلسطيني .
تبقى أطماع إيران متواصلة ومستمرة في المنطقة، تجاه المحيط العربي، بينما العرب مازالوا يغطون في نوم عميق، ولم يستفيقوا من الرقاد، وإدراك الخطر الأكبر أو الموازي على الأقل لخطر المشروع الصهيوني، فكلاهما يشكل خطرًا محدقًا آنيًا ومستقبليًا بالأمة كل الأمة، فهل من استفاقة وخروج من هذا الاستنقاع المقيت؟
المصدر: المحمَّرة