ضمن (302) صفحة من القطع الكبير، كان قد صدر هذا الكتاب (ناظم حكمت – السجن. المرأة. الحياة) للكاتب السوري حنا مينة، عن دار الآداب في بيروت. حيث استغرق الكاتب جوانيته، مبحرًا في شعر جميل للشاعر التركي (ناظم حكمت)، مجردًا إياه من أغطيته الشفافة أصلًا، ومحاورًا له في ثنايا رسائله الكثيرة في السجن، ومن السجن، الى زوجته (منور) وصديقه كمال طاهر، وبين الشعر والقصة والرواية يتجول الكاتب في أدب (ناظم حكمت) مؤكدًا أن ” ناظم حكمت قد عاش الحياة شعرًا ولم يعش الشعر نزوة حياة، ولهذا فالصورة الشعرية عنده (فعل شعري) أكثر مما هي تشبيه وتخيلات واستخدام مفردات.. فعل شعري يرتكز على التجربة والمعاناة ووضوح الرؤية. وتجربته، في قلب فرديتها، تعكس ملامح من تجارب الآخرين، وهذا ما جعل لشعره صفة الشمول الانساني، وهي نقطة الثقل فيه، وهذا، أيضًا، قارئه ُيمس بالتيار المكهرب للقضية الشعرية كأنما هي قضيته.”
لكن الكاتب من ناحية أخرى ينوه الى مسألة صراعه مع المرض وكذلك مع معاناة السجن، مشيرًا الى أن ناظم ” في تقبله للألم كان ايجابيًا، فاعلًا، يضع المخل في أساس الظلم، وينقض القوانين والأخلاقيات ومباذل الوجه السافل للعصر، لكي يكشف ويصافح الوجه الآخر: الشجاع، المجيد، البطل. لم يكن سلبيًا مثل سقراط: الموت احترامًا للقانون “ويعتقد (حنا مينة) أن شاعرنا (ناظم) ” كان ديسمبريًا يضحك وراء جدران السجون من جبروت القياصرة “.
وهو اعتقاد مشى فيه الكاتب عبر مؤلفه الذي نحن بصدده الى التركيز على تجربة السجن، الأليمة والمريرة والمديدة لناظم حكمت، والتي علمته كيف يكون الانسان مناضلًا بحق، من أجل الناس الغلابة، وخدمة لوطنه كما يراه هو وبالطريقة التي يعتنقها ويتحرك على هديها.
لا ينسى الكاتب أن يمر على ما قاله الكُتاب الأتراك الكبار في تلك المرحلة عن الشاعر (حكمت) فها هو الناقد التركي (فروزان فسرونكيه) يقول عنه: ” ناظم حكمت أول من حطم ناب الفيل في شعرنا.. لقد أتى بشعر ذي مفاهيم حية، عطرة، مقابل ذلك الشعر الذاتي الفردي. وقد دبت الحياة في اللغة التركية على يديه، فانبعثت وتطورت ونبضت فيها الرجولة “.
بينما يذهب الكاتب التركي (أمين يالمن) الى حد القول: ” ناظم حكمت ابن نادر المثال لهذه الأمة التي كان أحسن من نطق بلسانها، وأحس بعذابها من أعمق أعماقه. إنه شديد الاعجاب بتراثها الثقافي الذي يملك خبرة واسعة فيه، ومثله تملأ خياله وقلبه معًا، وهي تتحرك باتجاه تخليص الانسان من ظلم الانسان ومن البؤس والعبودية “.
والحقيقة فان هذا الكِتاب يعبر عن مرحلة معينة كانت قد أتت على المنطقة برمتها، بينما نبغ فيها العديد من الأدباء والشعراء الذين كان منهم (ناظم حكمت).. فتركوا بصمات هامة في تاريخ، ليس تركيا فحسب، بل المنطقة برمتها.. وخاصة عندما راح بقريحته يكتب ملاحم شعرية تنطلق من حالة السجون والسجانين ومعاناة المسجونين القهرية داخل زنازينهم، التي كانت أفضل حالًا بكثير من زنازين وسجون الآن من نظام القهر الأسدي، والواقع الآني، الذي نعيشه في سورية هذه الأيام من سنين الهدر لأرواح الناس السوريين.