ما الذي يجعل روسيا تستهدف زردنا بمجزرة مروعة، وحاقدة، ليتجاوز عدد الشهداء فيها ال 45 وهي البلدة القريبة جدًا من الحدود التركية؟ ترى هل هو التحدي لاتفاقات خفض التصعيد والضامنين الثلاثة، ولتركيا بشكل أساسي؟ أم هو الاستهتار بكل ما هو مدني سوري وسط العنجهية الروسية التي ظهر فيها بوتين مؤخرًا، حيث يعتبر نفسه منتصرًا على شعب آمن، أو يفترض أن يكون آمنًا؟ وهل يمكن أن تكون روسيا منزعجة من التقارب التركي الأميركي وخارطة طريق منبج التي أعلن عنها في واشنطن مؤخرًا؟ عن كل ذلك وسواه كان الحديث التالي مع بعض الباحثين والكتاب لنقف معهم في ماهية أسباب ونتائج العدوان الروسي الأسدي على أهل زردنا بل وكل محافظة ادلب.
الباحث السوري سليمان الشمر قال لجيرون ” لا أعتقد أن الموضوع له علاقة بمنبج، قد تكون العملية ذات بعد أمني، ومن المعروف أن روسيا لم تلتزم يومًا بخفض التصعيد، منذ انطلاقة مسار أستانا وما نتج عنه أي بمفهوم خفض التصعيد الملتبس، هكذا جرى في الغوطة الشرقية وفي ريف حماه الشمالي وفي أرياف ادلب الشرقية، وربما المنطقة الوحيدة التي التزم بها الروس إلى حد ما هي منطقة الجنوب التي تضم القنيطرة ودرعا بحكم أن الاتفاق كان مع الولايات المتحدة والأردن مباشرة ومع اسرائيل بشكل غير مباشر”. وأضاف الشمر ” فيما يخص المجزرة الجديدة التي ارتكبت في زردنا، وراح ضحيتها أكثر من خمسين مدني عدا عن الجرحى، فهي لا تخرج عن السياق الروسي في تعاملها مع القضية السورية، وعدم اكتراثها بالقانون الدولي أو القانون الدولي الإنساني، ولا أعتقد أن هذا التصرف يمكن اعتباره انزعاجًا من الاتفاق الأميركي التركي الأخير الذي عرف باتفاق منبج أو خارطة طريق منبج، لأن التفاهمات بين الدول لا تنهار بهذه البساطة مهما كانت روسيا تعلق من آمال على توسعة الشرخ بين أميركا وتركيا، لأن روسيا تدرك بالأخير أن تركيا دولة أطلسية، لا تستطيع ولن يسمح لها بفك رباطها الأطلسي نظرًا لأهميتها الجيواستراتيجية، الأمر الآخر أن الروس سهلوا الأسبوع الماضي انسحاب قوات قسد من تل رفعت وكانوا قادرين على عرقلته، الأمر المرجح وراء هذا التصرف الروسي هو عملية أمنية، ولا يهم الروس كم الضحايا الذي سيسقط، فهذا ليس في وارد حساباتهم ، كما لا يعتد بنفيهم الذي صدر عن قاعدة حميميم، لأن لهم سوابق من هذا القبيل، والضحية أولًا وآخرًا هو الشعب السوري.”
الكاتب السوري محمد خليفة أشار في حديثه لجيرون إلى أن ” جريمة زردنا تحمل البصمة الروسية بشكل واضح، ولا معنى للإنكار أو النفي الرسمي الصادر عن الروس، فهو أسلوب معهود منهم. الروس جاؤوا لتدمير كل ما يتعلق بالثورة السورية واجتثاث جذورها، ومعاقبة حاضنتها الاجتماعية، وهذا الفعل الارهابي يندرج بصورة عامة في هذا الإطار، إطار العدوان المتواصل على شعبنا الرافض للنظام العميل، والرافض للاحتلال الأجنبي بكل صوره، وعلى رأسه الروسي، وهذا العدوان الجديد يريد تذكير الجميع بالهراوة الروسية المسلطة، بعد فترة وجيزة من الهدوء.” وأضاف خليفة ” هو رسالة مشفرة للسوريين في ادلب أن انتشار (القوات التركية الصديقة) في ادلب وشمال سورية لا يحميهم من القبضة الروسية، فهي فوق الجميع، روسيا هي العدو الأكبر والأول للشعب السوري، ولن ننسى لها ما ارتكبته منذ 2015 وحتى اليوم، بل منذ 2011 لأنها الطرف الذي سلح الأسد وعصاباته وحماه في مجلس الأمن الدولي، ولا يجب أن نستغرب أو نفاجأ من أي عدوان على شعبنا ولا سيما المكون العربي السني المستهدف أولاً وأخيرًا “.
أما الكاتب السوري أحمد قاسم فيرى أنه ” من المتوقع أن تتطور العلاقات الأميركية التركية بعد اللقاء الأخير بين وزيري خارجيتهما، وقد قدم كل واحد منهما مطالبه من الآخر بصورة مباشرة تتجاوز موضوع منبج، للقيام بتسوية شاملة لجميع الخلافات. حيث أن كل المؤشرات تؤكد بأن المرحلة القادمة ستحمل الكثير من التفاهمات بين البلدين، وعلى جميع المستويات، مما يشكل خوفًا روسيًا وإيرانيًا قد يؤثر سلبًا على تعاملهما مع المسألة السورية، وخاصة أن بوادر الخلافات تظهر على السطح بين إيران وروسيا على خلفية تفاهمات روسية إسرائيلية مؤخرًا على التواجد الإيراني في الأراضي السورية، التي تشكل تهديدًا على أمن وسلامة إسرائيل، وبالتالي كانت مطالبة روسيا لخروج القوات الأجنبية من سورية نتيجة مباشرة لتلك التفاهمات، مع بوادر التفاهم الأميركي التركي، ما يعني أن روسيا مضطرة أن تبعث برسائلها إلى جهات عديدة من خلال تحركاتها العسكرية على الأرض. فمن جهة هددت كل المجموعات المسلحة ( الشبيحة ) التابعة للنظام بتسليم أسلحتها و فكفكة تنظيماتها غير الشرعية، وإلا سيتم نزع تلك الأسلحة بالقوة، وكذلك البدء بانتشار الشرطة الروسية في العديد من الأمكنة التي تسيطر عليها تلك التنظيمات التابعة للنظام ( المنفلتة والتي لا تخضع للمسائلة ) لإرسال رسالتها من خلال هذه الإجراءات إلى إيران وحزب الله، على أن العملية ستشمل مجموعاتها أيضًا”. ثم أكد قاسم أن ” استهداف زردنا يأتي في نفس السياق، هو رسالة إلى المعارضة بشكل مباشر ولتركيا أيضًا بأن قضية التواجد العسكري الأجنبي وأذرعها من التنظيمات المسلحة يجب أن يجب إعادة النظر فيه والانتهاء منها، للبدء في عملية الحل السياسي للمسألة على المبدأ الروسي، لكنني أعتقد كل هذه التحركات الروسية العسكرية والدبلوماسية تأتي نتيجة ردات الأفعال من التقارب الأميركي التركي، وأعتقد أننا سنرى المزيد من ذوبان الجليد بين العلاقات التركية الأميركية بعد انتخابات تركيا في 24/6/2018 لذلك تحاول روسيا قطع الطريق أمام مسيرة إعادة علاقات تركية أميركية إلى سابق عهدهما من خلال تفاهمات جوهرية على مجمل المشاكل في المنطقة. ومن يجيد قراءة ما وراء التعابير وخاصة من الجهة الأميركية سيستنتج ذلك، بأن أميركا سوف لن تضحي بتركيا بهذه السهولة، وأن تركيا تحتل موقعًا جيوسياسيًا مهمًا في المنطقة قد تجاوز في أهميته موقع الخليج العربي بالنسبة للاستراتيجية الأميركية في المنطقة. وروسيا تلعب في الوقت الضائع، وفي القريب الآتي سنرى تغيرات جوهرية في المواقف الدولية، وكذلك تغيرًا في طبيعة المسألة السورية مع تفاهم أميركي تركي”.
المصدر: جيرون