بعد قبول دعوى قضائية في ألمانيا ومن ثم صدور مذكرة توقيف بحق جميل الحسن حيث صدرت مذكّرة توقيف دولية بحق عدة شخصيات هامة في النظام السوري أبرزها “جميل الحسن” رئيس المخابرات الجوية، عن المدّعي العام الألماني. وهو نتاج عمل متواصل لمجموعةً من الناشطين، عملوا على تقديم دعاوى قضائية للمدعي العام الألماني بحق شخصيات هامة في النظام السوري مسؤولة عن جرائم خلال الأعوام السبعة الأخيرة، وذلك بالتعاون مع المركز الأوروبي للدستور وحقوق الإنسان والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير. ترى هل يمكن أن يؤثر ذلك على النظام السوري، أو تعويق إجرامه بحق الشعب السوري؟ وهل يفتح هذا الموضوع المسألة لمحاكمات ضد رموز النظام وإجرامهم في المستقبل القريب؟ حول ذلك قال المحامي أنور البني لجيرون ” إن ما جعل النظام ورجالاته يستشرون بالإجرام هو شعورهم بالحصانة والحماية من المساءلة والعقاب، ولعل شعورهم الآن أن هذه الحصانة انتهت، سيدفعهم للخوف من العقاب، وهذا سيؤثر على أفعالهم” ويرى البني أنه قد ” فتح الباب ولن يغلق، وستكون هذه المحاكمات بموجب الصلاحية الدولية للمحاكم الوطنية على عكس محكمة الجنايات الدولية، غير خاضعة للسياسة الدولية، ولا يمكن التحكم بها أو إلغائها لوجود مدعين شخصيين “.
أما المحامي طارق حوكان مدير المكتب القانوني في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير في ألمانيا أكد لجيرون أن ” مذكرة التوقيف الصادرة، خطوة على طريق طويل، ولذلك قد لا يكون لها بحد ذاتها تأثيرًا مباشرًا على النظام السوري، إلا أن ما يتعلق بها من إجراءات عملية أي في هذه الدعوة وفي غيرها من الدعاوى المقامة سيكون لها أثر كبير عليه. وفي ذات الوقت يجب ألا ننسى أن مذكرة التوقيف صادرة بحق شخص ينتمي للدائرة الضيقة المحيطة برأس النظام وهذا له دلالته الخاصة. فمن ناحية أن صدور هذه المذكرة هو خبر جيد بالنسبة لضحايا إجرام النظام وهو يحمل بما يحمله من ثقل قانوني وسياسي جرعة كبيرة من الأمل، بأن العدالة قادمة وهذا له أهميته الخاصة، وهناك شعور عام لدى السوريين بأن العالم تخلى عن التزاماته الإنسانية في سورية. لذلك فإنه لصدور هذه المذكرة عن المدعي العام الفدرالي في ألمانيا دلالات سياسية بالإضافة إلى ثقلها القانوني، فكونها تصدر في هذا الوقت الذي يجري فيه إعادة تسويق النظام، وصدورها من ألمانيا تحديدًا بما تمثله من ثقل أوربي وأيضًا باعتبارها من الدول التي تتبنى سياسة ” واقعية ” فيما يتعلق بموقفها من النظام السوري، كل هذه الاعتبارات تشكل رسالة للنظام مؤداها إن التعاطي الواقعي مع الوقائع على الأرض والسعي لحل سياسي في سورية لا يعني السكوت والصمت عن الجرائم المرتكبة، والسبب في ذلك يكمن في القناعة التامة بأنه لن يكون هناك سلام مستدام في سورية دون عدالة ومحاسبة. ولا يمكن إدارة الظهر لمعاناة مئات الآلاف من الضحايا وفي نفس الوقت مطالبتهم ليكونوا جزء من عملية السلام”. وأضاف حوكان ” لذلك فان مذكرة التوقيف بما تمثله من خطوة أولى على طريق العدالة الطويل تؤكد لمرتكبي الجرائم في سورية بأنه لن يكون هناك إفلات من العقاب وإن العدالة ستطال كل من شارك بتنكيل بالسوريين. وهناك دعاوى أخرى مرفوعة في ألمانيا والمذكرة صدرت في إحدى هذه الدعاوى بالإضافة إلى دعاوى أخرى في فرنسا والنمسا ويتم السعي للاستفادة من مبدأ الاختصاص العالمي في القضاء الوطني حيث ما أمكن ذلك، والعمل على رفع دعاوى جديدة في دول أخرى تأخذ بهذا المبدأ”.
المحامي علي رشيد الحسن رئيس تجمع المحامين السوريين الاحرار تحدث لجيرون بقوله ” تمثل الجهود لدى السلطات في أوروبا للملاحقة القضائية على الجرائم الدولية الخطيرة المرتكبة في سورية قدرًا محدودًا من العدالة، في ظل تعطّل مسارات العدالة الأخرى، حيث يسمح مبدأ (الولاية العالمية) لهيئات الادعاء الوطنية، بملاحقة من يُعتقد أنهم مسؤولون عن جرائم دولية خطيرة بعينها، مثل التعذيب وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، حتى إذا كانوا ارتكبوها في أماكن أخرى، وحتى إن لم يكن المتهم أو الضحايا من مواطني الدولة، وتكمن أهمية مثل هذه الملاحقات القضائية في محاسبة الجناة المسؤولين عن ارتكاب فظائع، وهي تحقق العدالة للضحايا الذين ليست أمامهم أبواب أخرى يطرقونها، فهي تردع وقوع الجرائم في المستقبل، وتساعد في ضمان عدم تحوّل الدول إلى ملاذ آمن لمنتهكي حقوق الإنسان، وأغلب محافل تحقيق المحاسبة الجنائية ما زالت مغلقة، سواء عن طريق محكمة دولية أو على مستوى الدولة في سورية” ثم قال ” لا شك أن انعدام المحاسبة هذا قد أسهم في وقوع مزيد من الانتهاكات الجسيمة من قبل جميع أطراف النزاع في الوقت نفسه يعكس دعم القرار من قبل حكومات ومنظمات عديدة في المجتمع المدني الرغبة الدولية الكبيرة في رؤية العدالة تتحقق حيال الجرائم الدولية الخطيرة في سوريا، إجمالًا فإن محدودية المداولات القضائية إلى الآن تسلط الضوء على الحاجة لعملية قضائية أشمل للتصدي للإفلات من العقاب القائم في سورية، والحاجة إلى سبل للتواصل مع أكبر عدد ممكن من الولايات القضائية التي يمكن فيها إدارة محاكمات منصفة وموثوقة.” ثم نوه إلى أن ” هناك عدد من الجناة المحتملين، بينهم بعض كبار المسؤولين أو القادة العسكريين المنتمين للحكومة السورية، من غير المرجح أن يسافروا إلى أوروبا. ولسد هذه الفجوة، مطلوب مقاربة متعددة المستويات على المدى البعيد، إضافة إلى المداولات القائمة بموجب الولاية القضائية العالمية، تشمل آليات قضائية أخرى على المستويين الدولي والوطني، وألمانيا والسويد والنرويج هي الدول الأوروبية الوحيدة التي لديها ولاية قضائية عالمية “خالصة” على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، ما يعني أن لا حاجة في تلك الدول إلى وجود أية صلة بينها وبين الجريمة حتى تمارس محاكمها الولاية عليها، ويمكن أن تبدأ التحقيقات في تلك القضايا، حتى إن لم يكن المشتبه به على أراضي الدولة أو من المقيمين فيها. وللادعاء سلطة تقديرية واسعة في تقرير ما إذا كان سيتابع التحقيقات، إذا لم يكن المشتبه به في الدولة، ما يعكس (جزئيًا) الصعوبات العملية المتصلة بضمان العدالة في غياب المتهمين، وإذا بقينا صامتين سنكون كأننا شركاء في الجريمة، فالأولوية هي العدالة، أما مدى تأثير هذا على النظام فيعتقد هؤلاء الناس (عناصر النظام) أن الحل السياسي سيأتي وسيتمكنون من الفرار إلى أوروبا، ولكن بفضل هذه الملاحقات بدأوا يشعروا بأنهم مطاردون كما طاردوا الناس طوال حياتهم. ونحن بحاجة إلى توجيه رسالة أمل إلى الضحايا، ورسالة إلى المجرمين بأنهم لن يهربوا “.
القاضي أنور مجني قال لجيرون ” لا شك أن خبر قبول الدعوى القضائية بحق بعض رجال النظام من مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان هو خبر سار للسوريين الذين يئسوا من العدالة الدولية والمجتمع الدولي، ولا شك أنها نقطة بداية مضيئة يمكن العمل عليها لملاحقة المجرمين، وهي رسالة أنه طالما كان هناك مخلصون يسعون لإنصاف الضحايا فإن العدالة قادمة لا محالة. ولابد لنا من شكر جميع السوريين المخلصين القائمين على هذا الجهد”. وعن أثر قبول الدعوى وإصدار مذكرة توقيف بحق المنتهكين فقال ” إنها تحمل عدة دلالات ورسائل منها أن قيام النظام بإغلاق طريق محكمة الجنايات الدولية سواء بعدم توقيعه على نظام روما أو الحصانة التي يحصل علها من خلال حلفائه في مجلس الأمن لن يمنع طريق العدالة، وأن هناك طرق أخرى للوصول إليها. إنها رسالة لكل رجال النظام أنكم ستلاحقون يومًا ما، وأن هذا النظام لن يكون قادرًا على حمايتكم، مما قد يسبب في ردعهم عن الاستمرار بجرائمهم. إن بدء صدور مذكرات توقيف بحق رجال النظام المتورطين بجرائم، سيكون له تأثير بقدرة حلفاء النظام على إعادة تعويمه وبقائه لما بعد المرحلة الانتقالية، وإن لصدور مثل هذه المذكرات تعزيز الأمل بالعدالة الانتقالية، والتي تتضمن محاسبة المنتهكين، إضافة لزيادة الأمل لذوي الضحايا بإمكانية السير بطريق انصاف الضحايا وذويهم “.
المحامي السوري ياسر السيد يرى أن ” قبول الدعوى في ألمانيا شيء جيد جدًا في مجال ملاحقة مجرمي الحرب، ومجرمي النظام، ويؤثر على إعاقة حركتهم خاصة في الدول الأوربية، ولكنه لا يؤثر بشكل مباشر على النظام، وإنما تأثيره بشكل غير مباشر، النظام وروسيا وايران مازالوا مستمرين في إجرامهم بحق الشعب السوري، وما نراه من قصفهم الأخير للريف الادلبي وقتلهم للمدنيين والأطفال وخاصة في مشفى الأطفال في تفتناز ومجزرة زردنا، دليل واضح على استمرار اجرامهم، أما لجهة فتح مسألة محاكمة رموز النظام وإجرامهم فنأمل ذلك، وفي المدى القريب، خاصة وإن هناك بعض القضايا تم فتحها بحقهم سابقًا في اسبانيا وألمانيا ولم تتكلل بالنجاح، أرجو أن يتم الأمر بشكله القانوني على أكمل وجه وتتوسع دائرة الملاحقين من رموز النظام، وما قاموا به من جرائم حرب وضد الإنسانية”.
المصدر: جيرون