عمار ديوب
اغتيالا إسماعيل هنيّة في طهران وفؤاد شكر في الضاحية الجنوبية في بيروت حدثان كبيران، وضعا إيران وحزب الله في موقع الردّ عاجلاً أم آجلاً. أرادت دولة الاحتلال أن تنتقم لفشلها في غزّة وجنوب لبنان. أرادت فرض شروطها على غزّة، وربّما على الضفّة الغربية وجنوب لبنان، وإبعاد إيران وحزب الله. الاغتيالات تستَجِرُّ حرّباً إقليميّةً من إيران، فهل تستجيب لها؟
جاءت الردود الإيرانية على اغتيال هنيّة بعد اجتماع مجلس الأمن القومي، وعلى لسان المُرشد، بضرورة الردّ وتجهيز الخطط. هنا، لا يمكن تجاهل الردّ الإيراني على مقتل قاسم سليماني، وهو أرفع شخصية إيرانية في تمكين بلاده من بناء مليشيات في المنطقة العربية كلّها، وقيادة المعارك فيها، ولا تجاهل الردّ على عملية دولة الاحتلال، في إبريل/ نيسان الماضي، التي طاولت مبنى قنصلية إيران في دمشق. كانا ردّين مدروسين، وضمن تفاهمات إقليمية ودولية، وبما يعيد الاعتبار للكرامة الإيرانية من دون أن تذهب نحو حربٍ إقليميةٍ مكروهةٍ ومرفوضةٍ من أغلبية الدول وشعوبها. وعدا ذلك، هناك استعداد أميركي وأوروبي واسع للوقوف مع دولة الاحتلال، وضدّ إيران وامتداداتها الإقليمية. وبالتالي، لن يكون الردّ الإيراني المُتوقّع أكثر ممّا جرى بعد الحادثتين أعلاه. ومع ذلك، تظلُّ إمكانية الحرب المُوسّعة قائمةً، فالاغتيالات استهدفت قياداتٍ بارزةٍ، وهي وصفةٌ لتطوُّرٍ نوعيٍّ في الحرب.
هناك تصريحات لافتة أخيراً، كأن يقول بوتين لبشّار الأسد إنّ المنطقة مُقبلة على تصعيدٍ كبير، أو أن يُصرّح أردوغان عن عملٍ عسكري ضدّ دولة الاحتلال، ولا ننسى العملية العسكرية الأميركية أخيراً ضدّ مليشيا حزب الله في العراق، وهناك العملية العسكرية ضدّ ميناء الحديدة في اليمن. هذه التصريحات والوقائع تشير إلى إمكانية تطوّر الحرب، ولكنّها ليست خارج سياق التصعيد العالمي، والخلافات بين كلّ من روسيا وأميركا، وبين دولة العدو وتركيا، وبين الأخيرة وأميركا. المقصد هنا أنّ حرباً واسعة قد تكون الأخطر على الإطلاق، فهناك إمكانية لاستخدام قنابل نووية صغيرة، وهناك إمكانية لتدميرٍ واسع النطاق في حال توسّعت الحرب الإقليمية أو اندلع نزاع بين روسيا وأميركا أو بين الأخيرة والصين.
إنّ مرور عامين من الحرب على أوكرانيا، وعشرة أشهر من الحرب على غزّة، والاستمرار في ضبط حدود الحربين هاتين، يتيح الاستنتاج بأنَّ لا توسّع في الحرب، وربّما تقدّمت الإمكانية للتهدئة، أيّ أنّ التصعيد يُؤدّي إلى عكسه، وهو سيحقّق لإيران وأميركا بصفة خاصّة رغبتهما في ضبط الحرب ووضع نهاية لها، وهذا تحليل يشير إليه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في نصّ بعنوان “اغتيال هنيّة وتداعياته” (“العربي الجديد”، 1 /8/ 2024)، وقد أشار القيادي في حركة حماس خليل الحيّة، بعد اغتيال هنيّة، إلى أنّ “الحركة وإيران لا تريدان حرباً إقليمية لكن هناك جريمة تتعين معاقبة مُرتكِبها”.
لقد رَفضت دولة الاحتلال المبادرات كافّة لإنهاء الحرب على غزّة، وطبعاً على لبنان، وكانت تتجهّز دائماً لحربٍ واسعة في المنطقة، وهذا يتناسب مع رؤية الدولة الصهيونية بأكملها، وليس فقط مع رؤية نتنياهو للخروج من مأزقه الخاص وتجنّب السجن، كما تقول بعض التحليلات. إنّ دولة الاحتلال ونتنياهو استغلّا “7 أكتوبر”، ومجزرة الأطفال في مجدل شمس، للهروب إلى الأمام من استحقاق فلسطيني يقول بحقّ الفلسطينيين في إقامة دولتهم، والآن هناك ضغطٌ دوليٌّ واسع من أجل ذلك، وعزلة دولية كبيرة مفروضة على دولة الاحتلال، وملاحقة قضائية دولية للوصول إلى الدولة الفلسطينية، وفكّ الحصار عن غزّة، وتحميل دولة الاحتلال مسؤولية جرائمها في هذا القطاع. يأتي الاغتيالان الكبيران في هذا السياق، وهذا أمر تعلمه إيران، وتعيه جيّداً الإدارة الأميركية، وترفضانه في الوقت ذاته. هي مفارقة إذاً، ولكنّها واقعة أيضاً، أن تتّفق أميركا وإيران على رفض توسّع الحرب. ولكن مع المشاركة في الحرب الجارية، فإيران داعمة للمقاومة، وتدعم أميركا دولة الاحتلال، الاثنتان تدعمان لكن تميلان إلى السلم من ناحية أخرى. إنّ مصلحة إيران في الردّ المدروس، وأغلب الظنّ ستذهب نحوه، وربّما تتسارع المفاوضات من أجل تفكيك إمكانية الحرب الواسعة أو استمرار الحالية، ومبادرة الرئيس الأميركي بايدن، في هذا السياق.
لم يعد بإمكان دولة الاحتلال أن تخوض في غزّة ولبنان حروباً من دون خساراتٍ مُحقّقة، وصارت استمراريتها في المنطقة تتطلّب الدعم الأميركي والغربي المُستمر. ومهما كان الضرر الذي ألحقته الحرب الحالية بقوّة حركة حماس ومقدراتها في هذه الحرب، ستظلُّ حركةً أساسيّةً في غزّة والضفّة، ولدى الشعب الفلسطيني، وفي مرحلة “اليوم التالي”. وتُشكّل الاغتيالات الأخيرة لدولة الاحتلال نوعاً من نصر تدّعيه، وبالتالي هناك أرضية لأن تُفرض مبادرةٌ جديدةٌ أو لأنّ تُفعّل مبادرةٌ بايدن تجاه إيقاف الحرب، فهل هذا ممكن؟
هناك رفضٌ دوليٌّ واسع لآخر اغتيالات، وتنديدٌ شديدٌ بها، وهناك رغبةٌ أميركيةٌ، ولأسباب تتعلّق بالانتخابات الرئاسية، في السير في مبادرة بايدن، فهل تكون الاغتيالات سبباً إضافياً للضغط الأميركي الإضافي؟… إنّ مصلحة إيران، ولا سيّما في وجود قيادة كهذه في دولة الاحتلال، وبعد تكريس طهران حلفاءها قوىً مُؤثّرةً في غزّة ولبنان واليمن وسورية، أن تذهب نحو ردٍّ مدروسٍ ومتّفق عليه مع الإدارة الأميركية كذلك. الملاحظة الأخيرة لا تعني أن هذه الإدارة ستُسلِّم بوجود هذه القوى مُؤثّرةً مستقبلاً، وهذا أمر يتطلّب نقاشاً آخر.
إنّ وصول الإصلاحي مسعود بزشكيان إلى الحكم في إيران، وتوجّهه نحو الانفتاح على العالم، ولا سيّما مع أميركا، سيكون مُؤثّراً في الردِّ على الاغتيالات، وليس من مصلحة المُرشد والحرس الثوري أيّ توسعةٍ للحرب، وفي الأحوال كلّها، ما تقوم به دولة الاحتلال من قصفٍ مستمرٍ للمراكز الإيرانية في سورية، وفي لبنان، يوضّح أنّ إيران لن تستجيب لما تريده حكومة دولة الاحتلال.
إنّ ثقل كلّ من فؤاد شكر وإسماعيل هنيّة ربّما يتيح للأطراف كافّة مخرجاً، والوصول إلى حلٍّ يمنع تفجير المنطقة بأكملها (تصعيد خطير بكلمات بوتين)، يمنع الدمار الواسع، ومقتلةً ستطاول دول المنطقة كافّة، فهل من مصلحةٍ لأميركا أو لإيران أو لتركيا، أو لغيرها من دول المنطقة، في ذلك؟ أغلب الظنّ لا.
المصدر: العربي الجديد