صهيب جوهر
أوحت الحملات السياسية والإعلامية التي سبقت يومي التفاوض في الدوحة بأن هناك مسعى دوليًا تقوده واشنطن لتحويل هذه الفرصة الأخيرة في قطاع غزة والجبهات المساندة لها إلى مسار مستدام. يأتي ذلك على خلفية السعي إلى وقف إطلاق النار وتنفيذ عملية تبادل للأسرى، وهو ما يمكن أن يفتح الطريق أمام إنجاز دولي يحتاج إليه الأميركيون ومعهم أوروبا والعرب لتجاوز كل تجارب الفشل الدبلوماسي في إرساء تفاهم على وقف حرب طالت أكثر مما يتوقعه المنخرطون في هذه الجهود.
قد يكون من المتسرع الحكم على ما يمكن أن تنتهي إليه المفاوضات المرتقبة في القاهرة، والتي ستستأنف خلال يومين برعاية قادة الولايات المتحدة الأميركية ومصر وقطر، بعد أن سخرت لها كل الجهود الدبلوماسية والأمنية بالتزامن مع الحشود العسكرية في البر والبحر والجو تحسبًا لأي حرب موسعة. يهدف ذلك إلى أن يكون جميع الأطراف على استعداد لمواجهة أي تطور قد يطرأ، ولا سيما في حالة الانفراج التي قد تقود إليها هذه الجولة الجديدة من المفاوضات بين الأطراف.
بالمقابل، فإن نتنياهو مستفيد من حالة الفوضى الأميركية قبيل الاستحقاق الرئاسي، ولذلك هو حريص على تعميق الخلاف بين واشنطن وطهران، وخاصة في ترجمة الأحداث والمجازر والاغتيالات في الضاحية الجنوبية وطهران ودمشق واستهداف الحديدة، التي رفعت منسوب التوتر. وهذا يعزز موقفه، خاصة أن الإدارة الأميركية ومعها فرنسا وبريطانيا تعتبر أن هذه العمليات نوعٌ من العمليات الأمنية الخاطفة التي تسقط أمامها الحواجز الجغرافية والعسكرية التي رسمتها قواعد الاشتباك. في حين تعتبرها طهران وكل أركان محور الممانعة خرقاً للسيادة الإيرانية وجرأة على خرق الخطوط الحمر في لبنان التي وضعها حزب الله.
من ناحية أخرى، فإن الحالة الصراعية في إسرائيل على مستويات السياسة والأحزاب والمخابرات وما أصاب الجبهة الداخلية من تصدعات وندوب خطيرة غير مسبوقة، هي التي سمحت لبنيامين نتنياهو باستخدام حالة الطوارئ التي مكنته من التحكم بكل ما يجري على المستويات العسكرية والسياسية والتفاوضية منذ اللحظة الأولى لعملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر.
نتنياهو يمهد الطريق لتمدد اليمين المتطرف في الائتلاف الحكومي، المتمثل بوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المال بتسلئيل سموتريتش، اللذين يواجهان عقوبات أميركية بسبب مواقفهما وأدائهما المعطل لأي صفقة منتظرة.
وهذا المسار قد يدفع نتنياهو للتخلص من خصمه الداخلي، أي وزير الدفاع يؤاف غالانت، بعدما وصل التوتر بينهما إلى نقطة غير مسبوقة، وخاصة أن الأخير يعتبر رجل واشنطن الأول في حكومة نتنياهو. ما سيزيد من انهيار التركيبة الحكومية بعد استقالة كل من الوزيرين بيني غانتس وغادي آيزنكوت في الفترة الأخيرة، على خلفية رفض نتنياهو اتخاذ القرارات الحاسمة اللازمة لتحقيق أهداف الحرب وتحسين الوضع الاستراتيجي للجيش والحكومة.
ما يعني أن نتنياهو يمهد الطريق لتمدد اليمين المتطرف في الائتلاف الحكومي، المتمثل بوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المال بتسلئيل سموتريتش، اللذين يواجهان عقوبات أميركية بسبب مواقفهما وأدائهما المعطل لأي صفقة منتظرة.
لذا، فإن كل المسار الداخلي الإسرائيلي مع حالة الوهن العربي والإقليمي ستثبت الرغبة الإسرائيلية لنتنياهو ومعه أركان الحكم الإسرائيلي في توسيع نشاط قضم الضفة الغربية وتقليص الصلاحيات المتبقية لسلطة أبو مازن في رام الله. من هنا يمكن فهم الرسالة التي حملها آموس هوكشتاين للمسؤولين اللبنانيين، والتي تتحدث عن عدم وجود رغبة حالية لإسرائيل بخوض حرب واسعة مع لبنان.
لأن الهدف الأبرز هو الضفة بكل ما تعنيه من تحديات وصعوبات. لذلك فإن كل الجهود الدبلوماسية التي ترعاها واشنطن وتسعى لإقناع إسرائيل بوقف الحرب في غزة لم يتم القبول بها، لكن من الممكن القبول بها مع لبنان في ظل إصرار دولي على منع انجرار المنطقة لحرب واسعة.
لذا، فإن ما يمكن أن تقود إليه مفاوضات الدوحة والقاهرة، استناداً إلى ورقة بايدن وجهود قطر مع حماس قبيل اغتيال إسماعيل هنية وقرار مجلس الأمن الذي تم تبنيه منذ 10 من حزيران الماضي، وما لقيه من ترحيب دولي وإقليمي غير مسبوق، هو الأمل في ترجمة القرار بما يحول دون حصول الحرب والبدء بالبحث في خطوات تنطوي على مشروع قرار لوقف إطلاق نار شامل ونهائي في غزة ينعكس على جبهات المساندة الأخرى.
من هنا جاء إلغاء إيران للرد على جريمة اغتيال هنية مع تعمد تسريب ذلك في وسائل إعلام عالمية، على الرغم من الفصل الذي أجرته قيادة الحرس الثوري الإيراني بين ما تريده وما هو قائم في غزة والمنطقة. وهذا ما يبرر الانتظار في طبيعة الرد وتوقيته والهدف بالمواصفات الدقيقة التي وضعها المحور.
يعتقد أن أقصى تمنيات الوسطاء هو تمديد مرحلة المفاوضات، عسى أن يتم تقليص الفجوات. وهذا أمر يخضع للتدقيق في كثير من التفاصيل غير المتوافرة.
بالمقابل، فإن حزب الله، المراقب الأساسي للمفاوضات عبر فتح أبوابه للموفدين الأوروبيين والعرب، اعتبر أن هذا الانقضاض الدبلوماسي عليه يهدف لإلغاء رده ورد إيران. وقد أجّل الرد كي لا يجري اتهامه بأنه عمل على عرقلة المفاوضات التي جرت على مدى يومين في الدوحة، مكتفياً بعبارة “نقبل بما تقبل به حماس”.
بالمقابل، هناك من يعتقد أنه مع الذهاب للنقاش التفصيلي في القاهرة قد يكون رد الحزب قريباً، لا سيما بعد نشره لفيديو المنشأة العسكرية، والذي يسعى الحزب دائماً من خلاله للتصعيد الإعلامي. لذا، فإن الرد قد يكون رمزياً، بحجمه ونتائجه، وما قد يلحقه من رد فعل إسرائيلي، وإذا كان ذلك سيفتح مرحلة عسكرية جديدة على مستوى المنطقة.
وانطلاقاً من هذه السياقات، يعتقد أن أقصى تمنيات الوسطاء هو تمديد مرحلة المفاوضات، عسى أن يتم تقليص الفجوات. وهذا أمر يخضع للتدقيق في كثير من التفاصيل غير المتوافرة، قبل أن تعود الوفود لعواصمها لإجراء تقييمات. لكن ما تخشاه الأطراف المراقبة هو أن تتحول مفاوضات الدوحة والقاهرة إلى مسار سياسي ودبلوماسي مستدام يسمح، عند تمديد العمل بالآلية المعتمدة، بتطوير الأفكار القابلة للتنفيذ لتقليص الفوارق إلى حين التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار وصفقة لتبادل الأسرى، تقود بنحو مضمون إلى وقف نار نهائي وشامل يسرع في الوصول إلى مشروع اليوم التالي.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا