فواز حداد
اعتُبر السنوار رجل إيران حتى في داخل حماس، كانت الدولة الوحيدة التي فتحت له ذراعيها ومخازن أسلحتها، وزودته بالمال. في الوقت الذي أغلقت في وجهه أغلب أبواب البلدان العربية.
ليس هناك شيء بلا مقابل، ولا شيء يعطى من أجل عدالة أية قضية. هذا المفهوم ليس بالنسبة لإيران وحدها، تعمل بلدان العالم كلها، وفق هذا المنطق. فألقى السنوار خطابا دعم فيه سورية الأسد، وأظهر تأييده له. أما بعكس هذا المنطق، فلا يُغفر له، وكان في عز الأزمة السورية واستشراء القتل ضد السوريين، بعدما أظهرت حماس تأييدها للثورة السورية طوال عامين. وإذا كان السنوار قد أقدم على هذه الخطوة، فلم يكن الرضا عنها مجمعا عليها حتى في داخل حماس، ولو أنه فعلها اضطرارا لا عن قناعة، في موقف تبيح له السياسات الشائعة قدرا من البراغماتية، اتخذها مغفلا عدالة القضية السورية، وإن لم يذهب بخطوته بعيدا إلى حد ارسال مقاتلين وأسلحة إلى النظام السوري، كان يعرف انه لا يملكها والأحوج اليها، ولم تتعد الكلام.
لم يجهل النظام السوري أن السنوار كان تحت الضغط الايراني، فلم يتراجع عن احقاده نحوه، حتى في عز الحرب على غزة، كان مدركا ان تأييده لم يكن الا نفاقا ورياء، فلم يثق به مطلقا، وهو اليوم كما نرى أحد الشامتين به، وأشد ما أغاظه، أن استشهاده، لم يكن هزيمة له، لم يكن مختبئا، كان يقاتل على الأرض، مات كما تمنى ووعد.
لا يغيب عنا أن كلفة السابع من أكتوبر، كانت هائلة جدا، كلفت الفلسطينيين دمار غزة، وتشريد أهلها، وآلاف القتلى، لكن إذا كانت حماس هي السبب، فإسرائيل وأمريكا وبريطانيا وألمانيا هم القتلة.
وإذا التفتنا صوبنا نحن السوريين، فسوف نفاجئ بأن كثيرين شنوا حملة على استشهاد السنوار، مع أننا نتساوى مع الفلسطينيين في الشهادة، وكان من الافضل التواضع امام الشهداء، السوريون قدموا الآلاف، ماتوا في ميادين القتال، وعشرات الآلاف قتلوا تحت التعذيب. هذا لا يواجه بالشماتة، ولا بتحقير الشهادة.
تجاوزت الشماتة بالسنوار، أنهم باركوا للإسرائيليين فعلتهم، وكأن إسرائيل حررتهم منه، وبلغ بهم التشفي أنهم عقدوا مقارنة بين حماس وحزب الله، الذي اعمل القتل والتشريد والتجويع والحصار في السوريين طوال زمن الثورة والحرب وما زال… مع انه لا مجال للمقارنة ابدا، ولا يجوز مطلقا. والمفترض أنهم أدرى؛ إيران عدو لا يقل عن إسرائيل، وخطرها الداهم أقوى، بعدما استفحل وطاول النسيج المجتمعي.
ان الاتهامات التي وجهت للسنوار، هي في الواقع شتائم؛ المجرم والعميل والخائن والارهابي والقاتل، القائمة نفسها الإسرائيلية التي ترددها أمريكا وبريطانيا وألمانيا. كان في ترديدها من قبل بعض السوريين، ما يضعهم إلى جانب الإسرائيليين، مع تجاهل ان الثورة السورية كانت براغماتية أيضا، وحاولت التعامل مع أمريكا وبريطانيا والكثير من بلدان العالم الذين ادعوا انهم أصدقاء الشعب السوري، بينما كانوا اعداءه، وغدروا به، فحصدنا ما دعوناه عن حق بـ”الثورة المغدورة”، بل جاء وقت من الأوقات جهد البعض واتصلوا بالإسرائيليين، لكن إسرائيل كانت قد حزمت أمرها، حول بقاء النظام، واقنعت أمريكا به، عندما لم تكن تطالب الا بتغيير سلوك النظام، لكن إسرائيل لم تكن راغبة في تغيير سلوكه الدموي.
ما ذكرناه ليس للتاريخ، ولا مبرر لتذكره، نحن ما زلنا نعيشه.
ما أصبح ضروريا، أكثر من مرة، ان يقف السوريون وقفة مع الذات، خاصة الآن بعدما انكشف العالم أمامنا، بكل فجاجة وحقد بانحيازه المطلق ليس ضد الفلسطينيين، بل ضد السوريين أيضا، قد نختلف مع حماس والسنوار، لكنهم ليسوا اعداءنا، انهم جزء منا ونحن جزء منهم، لا تنفصل مأساتهم عن مأساتنا، ولا نكبتهم عن نكبتنا. ليس هناك شعبان لاقا من الظلم، ولا استهدفا مثلهما، ها نحن موزعون أشلاء في ارجاء العالم، ها نحن مضطهدون ومطاردون في لبنان وتركيا، ها بلدان العالم مغلقة في وجوهنا، ها النازحون في الخيام يعانون البرد والحر… وها غزة تقصف على مدار الساعة.
هذا هو العالم، إنه لا يصنع العدالة، إنه يصنع الإرهاب، ويمنح المجد للقتلة. ما يعلمنا ألا نصبح إرهابيين، وليس عبثا الاعتقاد بأن هناك ما ينبعث ليس في بلادنا فقط، إن البشر يعيدون النظر، هناك أجيال أصبحت تدرك المعاني الحقيقية للعدالة والظلم، للحقيقة والدجل، البشر يفكرون وليسوا غافلين، لسنا وحدنا.
المصدر: العربي القديم