من سمات المشهد السوري حالة التقلب المستمر في موازين القوى، ومعالم المشهد الميداني، بحيث يتعذر الركون إلى صورة محددة، بسبب تقلب مواقف الدول الداعمة والفاعلة والمتدخلة لصالح طرفي الصراع
إحدى أبرز سمات المسألة السورية منذ بدايتها حتى الساعة هي حالة التقلب المستمر في موازين القوى، ومعالم المشهد الميداني، بحيث يتعذر الركون إلى صورة محددة، بسبب تقلب مواقف الدول الداعمة والفاعلة والمتدخلة لصالح طرفي الصراع. طوال العام المنصرم 2017 وحتى نهايته كانت معالم المشهد الميداني والسياسي توحي بأن: – (الحرب انتهت) لصالح النظام وحليفيه الروسي والايراني. – المعارضة المسلحة هزمت وحوصرت، والمعارضة السياسية فقدت حلفاءها وداعميها. – بدأت جهود روسيا السياسية تؤتي ثمارها لفرض أجندتها وشروطها عبر آستانة. – تركيا كانت بين مخالب روسيا وايران واضطرت للانضمام إليهما في ضمن الدول الضامنة حول سورية. – الدول العربية الأخرى وخاصة الخليجية انشغلت بصراعاتها ومشاكلها وتخلت عن سورية لروسيا. – الادارة الأميركية الجديدة سارت على نهج سابقتها ادارة أوباما، وواصلت عدم الاكتراث بسورية, لا سيما بعد القضاء على داعش، تاركة لروسيا معالجتها كما لو أنها تعترف بها (مستعمرة روسية) – الدول الأوروبية من فرنسا إلى المانيا وايطاليا راجعت سياساتها تجاه المسألة ، وأخذت تقترب من الرؤية الروسية أيضًا مما خلق بيئة دولية دافئة لروسيا وايران والأسد. – مؤتمر سوتشي سيكون المحطة الأخيرة لتشييع الثورة السورية إلى مثواها الأخير في المقبرة الروسية. هكذا كانت معالم المشهد السوري قبيل نهاية العام المنصرم ميدانيًا وسياسيًا، محليًا وعربيًا ودوليًا. غير أن بضعة تطورات مفاجئة وغير متوقعة قلبت الصورة، وخلقت أوضاعًا جديدة، وتنذر بتغيير المعادلات وموازين القوى لتعيد تشكيل الخرائط والمعالم. أهم هذه التطورات خمسة: الأول – الهجمات الثلاث المتلاحقة على القاعدتين الروسيتين حميميم وطرطوس. فقد أطلق مجهولون ثلاثة صواريخ على القاعدة الأولى، أسقطتها الدفاعات الروسية لكنها أنذرت بدخول سلاح جديد إلى قوى المعارضة. وقالت موسكو فورًا إن هناك من زود المعارضة بسلاح نوعي جديد. وبعد أيام قصف مجهولون القاعدة نفسها بقذائف هاون دمرت سبع طائرات وقتلت أربعة جنود على الأقل حسب صحيفة كومرسانت. وبعدها بثلاثة أيام انطلقت 13 طائرة صغيرة بدون طيار نحو حميميم وقاعدة طرطوس، ولكن الدفاعات الروسية أسقطتها قبل أن تصل إلى أهدافها. هذه الحوادث الثلاث شكلت تحديًا غير مسبوق للروس في سورية وأنذرت بتصعيد جديد في الميدان يهدد الوجود الروسي، وينطوي على احتمال تطور غير مضبوط في الصراع يناقض أوهام القيادة الروسية وحليفيها بنهاية الحرب والصراع لصالحهم. الثاني – سقوط عدة طائرات حربية في الأيام الأخيرة من العام المنصرم للروس والنظام، فوق دمشق وحماة وادلب، وزعم الروس أن طائرتهم سقطت نتيجة عطل فني، غير أن القرائن تؤكد سقوطها بسلاح مضاد، مثلها مثل طائرتين للنظام في نفس الفترة. ويلتقي هذا التطور مع سابقه في مغزاه العسكري. الثالث – الملحمة العسكرية التي خاضتها وما زالت تخوضها قوات المعارضة في الغوطة الشرقية حيث يحاصر الثوار أكبر قاعدة عسكرية للنظام في الغوطة الشرقية، وقد خسر النظام عددًا كبيرًا من قادته العسكريين في هذه المعركة وفشلت قوات نخبته على مواجهة المقاتلين رغم الدعم الروسي الجوي المكثف ودعم القوات الايرانية للفرقتين الرابعة والثالثة. ويحاصر الثوار الآن حوالي 200 – 300 جندي وضابط للنظام، يقال إن وزير الدفاع السابق فهد الفريج بينهم، ويرجح أن يكون سبب إقالته درءً للفضيحة العالمية إذا قتل أو وقع في أسر الثوار! هذه المعركة تعطي دليلًا قاطعًا على هزال واهتراء قوات النظام وضعفه وعلى قوة المعارضة وقدرتها لا سيما أن سيطرتها على القاعدة سيفتح أبواب دمشق أمامها! الرابع – الانتفاضة الايرانية التي هزت صورة نظام الملالي في طهران بقوة، وكان من أهم محركاتها التورط الايراني في الصراع السوري لصالح الأسد، وظهر الشارع غاضبًا ورافضًا لهذه السياسة وطالب بالانسحاب من سورية وبقية الدول العربية العراق ولبنان واليمن . هذه الانتفاضة أظهرت تآكل شرعية النظام وافتقار سياسته العدوانية في الاقليم ولا سيما سورية للقاعدة الشعبية في الداخل الايراني، مما ينذر بتطورات جذرية في الوضع الايراني وانعكاساته على سورية. الخامس – النزاع التركي مع الضامنين الروسي والايراني بسبب هجوم قوات النظام والايرانيين على ريفي حماة وادلب والتهديد باجتياح ادلب، أكبر محافظة خارج سيطرة الأسد وحلفائه. تكمن أهمية هذا النزاع في أنه يشير إلى أن ما سمي حلفًا اقليميًا بين روسيا وايران وتركيا هو كلام مبالغ فيه، وأن العلاقة بين الثلاثة هشة جدًا وغير راسخة، وقابلة للانفراط بسرعة لا سيما أن الروس يتهمون تركيا بالتساهل في تمرير الأسلحة والطائرات التي استهدفت قاعدتيهم في الساحل، الأمر الذي قد يتطور إلى مواجهة واسعة على غرار ما حدث في نهاية 2015 بعد اسقاط الأتراك لطائرة روسية، نحن في المحصلة أمام خمسة تطورات نوعية وكبيرة تهدد بقض مضاجع الروس وتبديد أوهام النصر التي خامرت الرئيس بوتين، وقد تحيلها كوابيس مرعبة في القريب العاجل لهم ولحليفيهم السوري والايراني أيضًا، خصوصًا إذا كانت الاتهامات الروسية لأميركا بالضلوع فيها، لأنه يعني أن أميركا بدأت تراجع سياستها وقررت التصدي للروس والايرانيين لإفساد استقرارهم في سورية، وكان وزير الدفاع الأميركي أكد في أكثر من مناسبة بأنهم لن ينسحبوا من سورية وأن بقاءهم سيطول !