لا ليست أحوال الليرة التركية بعيدة عن سياسات استباقية استهدافية، خارجية وداخلية بامتياز، يراد منها تقويض فاعليات نهوضية للسياسة التركية الأردوغانية، كانت قد أقلقت الغرب والشرق، ممن لا يريد لدولة تركية بملمح إسلامي حداثي، أن تأخذ مكانها الحقيقي إلى جانب الدول الكبرى، المتطلعة نحو التقانة، والولوج بالعصر على أسس جديدة، تنهل من معين تاريخ عريق، وتراكم في المعرفة، وصولًا إلى مرحلة نهضة جديدة، تطاول بسموها وعمقها وتنويريتها، كل علو وسؤدد.
لقد حاول الغرب بكل ما أوتي من قوة، تعويق حالة النهوض هذه، وقام بتجريب كل الوسائل السياسية والعسكرية والاقتصادية، ليس آخرها محاولة الانقلاب التموزي الفاشل، حيث استطاعت قوى الديمقراطية التركية، لجم هذا الطاغوت، وإنهاء حركته الفاضحة والمفضوحة، لكن الاستهداف الأميركي لم يقف عند حد، بل تابع حركته الدؤوبة من أجل تفعيل قدراته الاقتصادية، في تحقيق ما عجز عنه في أساليبه الأخرى، خاصة وإن تركيا مقبلة على استحقاقات نيابية ورئاسية، سترسم مستقبل تركيا، بل المنطقة برمتها، فكانت هذه الحرب الاقتصادية الكبيرة التي بُدأت ضد الليرة التركية، ليحاولوا من خلالها، تحقيق بعض التشويه لحالات النهوض التي جرت عبر سياسات اقتصادية وإدارية مؤسساتية تركية ، أبهرت العالم وحققت نسبة نمو غير مسبوقة في التاريخ الحديث لتركيا.
لقد اعتمد الغرب المناهض للسياسة الاردوغانية، على سياسات استعمارية عتيقة، كان قد ذكرها (جون بيركنز) مؤلف كتاب (الاغتيال الاقتصادي للأمم) والذي تحدث فيه عن كيفية السيطرة على الضحية، من خلال مفاهيم ومصطلحات تضعها الشركات الكبرى المسيطرة على الاقتصاد العالمي، وهنا يشير (بيركنز) إلى أن هذه السياسات تجعل البلد المستهدف ينساق كضحية من حيث لا يعلم لمصير ما، يراد له الانزلاق إليه. وهي سياسة استهدافية تحاول بطرق عدة انجاز ذلك، غير مدركة حجم الالتفاف الجماهيري التركي، حول سياسة حزب العدالة والتنمية، التي لن تغير مساراتها، هذه المعارك الاقتصادية واضحة المعالم، التي تمارس ضد الليرة التركية، بشكل مفتعل يراد منه تغيير أو تعديل نتائج صناديق الانتخابات البرلمانية، أو الرئاسية القادمة في 24 حزيران/ يونيو القادم.
ولسنا هنا بصدد حديث عاطفي، ولا عبر دعوات وجدانية بقدر ما هو ملامسة للواقع ومحاولة تشريحه، وفهمه وصولًا إلى إيضاح الصورة بحق وصدق ومعرفة، لذلك فإن العمل المتواصل لشخصيات اقتصادية مالية تركية خبيرة، سوف يترك أثره الإيجابي على وضع الليرة التركية، وليس فقط بالأمنيات، ولعل اجتماع نائب رئيس الوزراء السيد (شيمشك) ومحافظ البنك المركزي، مع المستثمرين والمؤسسات المالية، ومن ثم سفرهما للندن لبحث أثر المحافظ الاستثمارية والتدخلات الخارجية، من الممكن أن يكون له الأثر الأهم بتعافي الليرة التركية، أو تثبيت سعر الصرف عند 4.7 للدولار. على الأقل، وعمومًا ستعاني الليرة ومن ثم السياحة في تركيا أيضًا، من حالة استمرار لهجوم مركز من الخارج، وبعض الداخل المعارض، والذي له مصلحة في ذلك، وسيستمر ذلك حتى انتهاء الانتخابات المقبلة. ويعتقد محللون اقتصاديون أنه لن تكون الآثار في صالح المعارضة، بل هي ستتحول لتكون في صالح حزب العدالة والتنمية، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ويضيف المتابعون والقارئون للسياسة التركية، أننا سنلحظ هذه النتائج في صناديق الاقتراع. ولن يتمكن هذا الهجوم المعلن تدمير الاقتصاد التركي القوي، مهما حاول الدولار ومن وراءه الاشتغال في ذلك.
ويبدو أن زيادة العمل والنشاط من قبل أهل الاقتصاد في تركيا يساهم بشكل جدي في لملمة الوضع غير المستقر لليرة التركية، فقد قدّم وزير الاقتصاد التركي، نهاد زيبكجي، موعدًا أقصاه عشرة أيام لاستقرار سعر صرف الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، مرجعًا ذلك إلى عدة عوامل، أهمها أن سعر الصرف لا يعكس الأرقام الحقيقية في تركيا، خاصة النمو الاقتصادي، وزيادة التجارة وارتفاع عدد السياح.
وخلال لقاء مع غرفة الصناعة بولاية دنزلي التركية، قال زيبكجي “سنشهد في 10 حزيران/يونيو المقبل أرقام النمو للربع الأول من عام 2018، وسيكون النمو ما بين 7.2-7.5%، وكل شهر سيشهد تحطيم أرقام التصدير، وأرقام السياحة ستتجاوز 40 مليون زائر، والدخل سيتجاوز 30 مليار دولار”. وأضاف أن “صادرات قطاع الخدمات ستصل إلى 52.5 مليار دولار، وأن احتياطيات المصرف المركزي وحسابات العملة الأجنبية تصل إلى 290 مليار دولار، وأن التزامات تركيا، خلال الفترة القريبة، لا يوجد فيها أدنى مشكلة”، مضيفًا أن “مستحقات القطاع الخاص من خارج البلاد غير مشمولة في هذه الأرقام”.
الوزير التركي شدد في كلمته على أن “تأرجح سعر الليرة التركية لا يعكس الحقيقة، وهو أمر غير مقبول، إلا أن تركيا ستتجاوز ذلك، وأن كل هذا خلال 10 أيام سيزول ويرتاح الجميع، فالمؤسسات التركية لديها الأدوات المناسبة، ولها قابلية عالية، وسيتم عمل اللازم من دون ترك أي آثار على الاقتصاد”.
كما قلل من أهمية انخفاض قيمة الليرة التركية بقوله إن “الحديث عن أن انخفاض سعر الليرة قرشًا واحدًا يؤدي إلى خسارة مليار ونصف ليرة تركية، رياضيًا أمرًا صائبًا، ولكن في الواقع ليس حقيقيًا، فالدفاتر لم تغلق بعد ولم نصل إلى التصفية بعد، فكما بلغ سعر الصرف 4.90 ولم تحصل خسائر، فإن هبوط سعر الصرف إلى 3.70 لم يحقق ربحًا، وهذه الموجة ستقل رويدًا رويدًا ويعود سعر الصرف بما يتناسب مع حقائق الاقتصاد التركي”.
وقد أعلن البنك المركزي التركي، عن تسهيلات للبنوك، بتسديد قروض إعادة الخصم المسحوبة قبل 25 مايو/أيار الحالي، والمستحقة لغاية 31 يوليو/تموز المقبل، على التصدير وخدمات عائدات النقد الأجنبي.
كل ذلك وما رافقه يشير وبوضوح كبير، إلى أن الخطر مازال قائمًا على أوضاع الليرة التركية، إلا أن إمكانية معافاتها فعلًا وليس قولًا، مازالت قائمة، ومستمرة، ولن يكون لهذا الوضع لليرة التركية بذي تأثير كبير، الذي عمل من أجله أعداء تركيا، وأعداء الشعب السوري وهو يعيش في كنف أهله في تركيا، في وقت عجز فيه الأشقاء العرب، عن فعل ما فعله الأتراك بكل أسف.
المصدر: صحيفة إشراق _ العدد 58 تاريخ 15 حزيران 2018.