د معتز محمد زين
ما تزال الفرحة تعم سورية بعد سقوط نظام الأسد وحكم العائلة الطائفي الذي زرع الرعب والخوف في نفوس السوريين وكان سببا في تراجع سوريا عقودا نحو الوراء مقارنة بجيرانها وتاريخها وموقعها وأهميتها .. من حق الناس أن تفرح وأتمنى أن تدوم فرحتهم وتتعاظم بسوريا أفضل وأجمل في السنوات المقبلة ، لكن من واجب المثقفين والمفكرين وأصحاب القرار في هذه الأثناء وحفاظا على فرحة عموم الشعب أن ينسحبوا بعيدا عن ساحة الاحتفال والفرح ويعصروا أفكارهم ويركزوا جهودهم من أجل تفادي حدوث ثورة مضادة أو الالتفاف على الثورة أو ركوب موجتها وتدميرها من داخلها ولنا في تجارب قريبة في المنطقة عبر يجب أن تكون حاضرة في الذهن على الدوام ..
يخطئ كثيرا من يعتقد أن إيران وحزب الله وأدواتها الأخرى قد استسلموا للأمر الواقع وألقوا أسلحتهم وقبلوا بخيار الشعب السوري .. يخطئ كثيرا من يظن أن فلول البعث وضباط الأمن والجيش وبعض الشخصيات البارزة في النظام البائد قد اقتنعوا بفقدان الامتيازات وزوال النفوذ وانتقال القرار في البلد إلى أيد الثوار أو من يمثلهم .. يخطئ كثيرا من يعتقد أن الدول الإقليمية والقوى الدولية والكيان الصهيوني سيخضعون لرغبة الشعب السوري ويحترمون خياراته ويمدون يد العون للتعاون مع القيادة السورية الجديدة ويساعدون على إعادة اعمارها دون تصفية الحسابات مع القوى الرئيسية التي حررت سوريا والتي تصنف منذ سنوات في قائمة الأعداء الاستراتيجيين لبعض هذه الدول والشواهد كثيرة على الاستهداف المنظم لها ومحاولة تفكيكها في مناطق أخرى ..
هناك اذاً العديد من القوى التي تتربص بالثورة وأهلها وتصب مصلحتها في اجهاضها وافشالها إو على الأقل منعها من تحقيق الإنجازات الاستراتيجية التي قامت من اجلها ، وهذه حقيقة يجب أن تكون حاضرة في الذهن حتى يتمكن أصحاب القرار من تجاوز التحديات القادمة وإعاقة الثورة المضادة ومنعها من تحطيم آمال الشعب السوري بغد أفضل ..
من أجل ذلك وحتى لا أطيل – والموضوع يحتمل كتابا كاملا – سأتجنب التحليل والحديث عن الأسباب والمبررات والدوافع والأساليب المتوقعة لاختراق الثورة واجهاضها وسأقفز مباشرة نحو التوصيات المباشرة التي ينبغي على أصحاب القرار التنبه لها ..
1 – يشكل السيد أحمد الشرع ( أبو محمد الجولاني ) اليوم الرمز الأهم للثورة المنتصرة ، وإن اغتياله قد يشكل ضربة قاسية للثورة ومدخلا للنزاع الداخلي وشرارة لفتنة وصراع بين مكونات الثورة ، لذلك وجب عليه اتخاذ الإجراءات الأمنية المناسبة والتخفيف من الجولات الميدانية الشعبية ريثما يستقر الوضع الأمني وينتهي تمشيط المناطق من فلول النظام الخطرين ..
2 – المفاصل الحساسة في الدولة والتي تشكل الدولة العميقة (جيش ، أمن ، إعلام ، اقتصاد ، قضاء) يجب حصرها في السنوات المقبلة بيد المعارضين الشرفاء والشخصيات المشهود لها بالنظافة والأمانة والولاء للثورة ، ولا يجوز في هذه المرحلة السماح للمتلونين والمنضمين حديثا لقافلة الثورة بشغل هذه المواقع تحديدا ..
3 – العمل الاستخباري مهم للغاية من أجل كشف وإبطال المؤامرات التي ستعمل على اجهاض الثورة وركوب موجتها لتدميرها من الداخل ، لذلك وجب الإسراع بتشكيل جهاز استخباري كبير وموثوق مهمته الأساسية جمع المعلومات عن الخلايا السرية أو فلول البعث والمخابرات والضباط والمتنفذين في النظام السابق ، ولا بأس من طلب المساعدة حاليا من أجهزة صديقة .
4 – إن جو الحرية الذي يتوقع أن تفرزه الثورة ، وحالة العفو والتسامح التي سادت مهمة للغاية من أجل استقرار المجتمع وتجنب الفتن الداخلية ورسم ملامح وجه جديد للنظام في سوريا ، لكنه في الوقت ذاته يوفر مدخلا للقوى الخارجية والداخلية من أجل تنفيذ أجندتاها واجهاض الثورة ، لذلك من الأهمية بمكان التعامل بحكمة بالغة عبر سن قوانين تنتج مجالا واسعا من الحرية دون أن يمس بأمن الثورة وهيكلية الدولة وهيبتها ، وأن لا تسمح حالة العفو لفلول النظام والبعث بإعادة ترتيب أنفسهم وتشكيل خلايا تتغلغل بمفاصل الدولة من جديد تحت ستار الحرية والعفو والتسامح ..
5 – إن الفترة الأولى التالية لسقوط النظام المجرم هي بمثابة شهر عسل لقوى المعارضة التي جمعها بالسابق هدف واحد مشترك ، ستتلوها دون شك التفاصيل النكدة التي قد تحول العلاقة بين مكونات الثورة المتباينة في توجهاتها ونظرتها للدولة والمجتمع إلى بؤرة توتر قد تتحول إلى فتنة داخلية أو صراع إذا لم يتم من اللحظة تنظيم العلاقة فيما بينها وتقاسم الأدوار ووضع هدف مشترك جديد يتفق عليه معظم مكونات المعارضة ..
6 – إن الموقع الجيوسياسي لسوريا مهم للغاية وخاصة كونها على حدود فلسطين المحتلة ، وإن وجود التيار الإسلامي على رأس السلطة سيشكل هاجسا حقيقيا للكيان الصهيوني وبعض القوى الإقليمية ، لذلك وجب تفعيل العمل السياسي والعلاقات العامة في هذه المرحلة والإفادة من الجارة تركيا سياسيا وعسكريا واستخباراتيا لاحتواء هذا التوتر وآثاره ..
7 – كما أن وجود التيار الإسلامي في السلطة مستفز للغرب ، فإنه في الوقت ذاته مستفز للتيار العلماني في الداخل والذي أتوقع أن نسمع منه قريبا نغمة التطرف والتشدد وفصل الدين عن الدولة وأبناء القاعدة وغيرها ، وسيكون الاعلام وسيلتهم الأهم كونهم لا يمتلكون قاعدة شعبية كبيرة ، وسيعتمدون على دعم الغرب من جهة وأخطاء التيار الإسلامي من جهة أخرى لذلك وجب التنبيه والحذر ..
8 – إن سوء الأحوال المعيشية وغياب أساسيات الحياة والفساد والمحسوبيات والقبضة الأمنية هي أكثر ما أرهق السوريين في المرحلة السابقة ، ولا بد أن يشعر الشعب السوري بفرق واضح وملموس في هذه الجوانب حتى يدافع الشعب نفسه عن الثورة ويساعد القيادة في منع تطويقها ، وإلا فإنها – وخاصة الحالة الاقتصادية السيئة – ستشكل مدخلا للمتربصين لتأليب الشعب نفسه ضد قيادة الثورة والدولة ..
9 – إن محاسبة كبار الضباط ورؤساء الأفرع المنية الذين ثبت ارتكابهم لجرائم بحق السوريين أو اصدارهم لأوامر بارتكاب الجرائم مهم للغاية ليس بهدف الانتقام وإنما بهدف إشعار المظلومين بالسكون والعدالة ومنع هؤلاء من استقطاب عناصرهم وتشكيل نواة لخدمة الساعين لإجهاض الثورة وما أكثرهم ..
10 – إن استعادة الأموال المنهوبة على شكل عقارات أو امتيازات أو ذهب أو أموال مكدسة من كبار المسؤولين السابقين بضوابط قانونية لا يظلم فيها احد منهم هو إجراء مهم لإضعاف موقعهم الاجتماعي والاقتصادي وبالتالي إمكانية تحركهم المستقبلي للانقلاب على إنجازات الثورة ..
11 – إن وضع قوانين تضمن تداول السلطة بشكل ديمقراطي، وتوفر مناخ مناسب لقضاء مستقل عادل ، وتمنع أي ممارسات فردية أو كيدية أو انتقامية خارج سلطة القانون من أهم عوامل استقرار الدولة على المدى القريب والبعيد ..
12 – إن إعادة الاعمار وتحريك الوضع الاقتصادي وإحلال الأمن وتوسيع فضاء الحريات بشكل تدريجي ومدروس ، ووجود جهاز رقابي حقيقي وفاعل يتابع تحركات وجهود المسؤولين من العوامل المهمة في حفظ الثورة ومنجزاتها ..
تحيا سوريا الجديدة الحرة .
المصدر: غلوبال جستس