صهيب جوبر
مع وصول الرئيس اللبناني جوزيف عون إلى رئاسة الجمهورية ونواف سلام لرئاسة الحكومة، بدا لبنان وكأنه انتقل من عهد إلى عهد، كمرحلة حاسمة في تاريخه الحديث، والتي ستشكل القاعدة التأسيسية لحقبة جديدة يتم التماهي بها بالتوازي مع إعادة تكوين الخريطة السياسية الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط. لذلك، من المنطقي أن تشهد المرحلة الحالية تغيير القواعد التي كانت قائمة سابقاً، وهو ما ظهر مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية ووصول رئيس جديد للحكومة.
لذلك، استبق وصول الرئيس عون إلى الرئاسة مفاوضات شاقة مع الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) حول رئيس الحكومة والتمثيل الشيعي في الحكومة المقبلة، لكن التفاهمات أجهضت مع وصول شخصية نواف سلام لرئاسة الحكومة اللبنانية بعد استقالته من منصبه في محكمة العدل الدولية، ما حدا بحزب الله إلى القول، وهو في حالة ذهول أنه تعرض لخديعة. وتعددت الروايات والتكهنات حول خلفيات “الانقلاب” الذي حصل وإذا ما كان بإيعاز خارجي.
وساد في الأوساط الدبلوماسية اللبنانية تمتمات سياسية حيال الزيارة التي قام بها ميقاتي إلى دمشق، وقد لا تكون الزيارة في حد ذاتها تشكل حركة مستفزة بمقدار طريقة حصولها. ذلك أنه تردّد أن الزيارة تمّت بتنسيق تركي في وقت تقدمت فيه السعودية باتجاه دمشق وفي حركة مستقلة ومنفصلة عن تركيا الساعية إلى ترسيخ نفوذها الواسع في سوريا.
لكن الأسئلة الأهم والتي سادت في لبنان حول تفسير اندفاعة نواف سلام على إعلان ترشيح نفسه قبل أن تظهر أي تبدلات داخلية تجاهه، وهو المعروف عنه عدم حماسته في اتجاه أمور غير مضمونة، وهذا ما يترجم إحجامه عن إعلان ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة في المرات السابقة على رغم من أن كثيراً من النواب والأحزاب أعلنت دعمها له، وأيضاً عدم انزلاقه في اتجاه ترشيح نفسه للانتخابات البرلمانية في العام 2022 الأمر الذي خلق توتراً بينه وبين مكونات قوى التغيير اللبناني.
لكن أطراف إقليمية متقاطعة لا تنفي إمكانية تداخل خارجي ولبناني أتى بسلام إلى الموقع، إيذاناً لبدء مرحلة سياسية إقليمية تمتد من سوريا إلى لبنان والعراق تحمل عنوان “إنهاء التأثيرات الإيرانية” عبر نسف كل القواعد التي كانت تُعتمد سابقاً في اللعبة الداخلية اللبنانية بالتزامن مع سقوط النظام السوري المخلوع.
والإشارة الخارجية السعودية التي أعطيت باتجاه إيصال نواف سلام لأعلى منصب “سني” في لبنان يأتي بسبب الريبة السعودية والعربية من طبيعة على التركيبة الوزارية أو على مستوى العبارات التي ستُستخدم في البيان الوزاري، وخاصة أنه وفي حال كان أعيد تكليف رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي فإن الرجل بالتعاون مع رئيس مجلس النواب نبيه بري سيسعى على اختلاق الحلول للعقد التعجيزية ببراعة، في وقت سيتعذر على الفريق الجديد اكتشافها بسهولة أو ربما بعد فوات الأوان.
وساد في الأوساط الدبلوماسية اللبنانية تمتمات سياسية حيال الزيارة التي قام بها ميقاتي إلى دمشق، وقد لا تكون الزيارة في حد ذاتها تشكل حركة مستفزة بمقدار طريقة حصولها. ذلك أنه تردّد أن الزيارة تمّت بتنسيق تركي في وقت تقدمت فيه السعودية باتجاه دمشق وفي حركة مستقلة ومنفصلة عن تركيا الساعية إلى ترسيخ نفوذها الواسع في سوريا.
وعلى رغم من أن هذه الزيارة لم تثمر قرارات مفصلية، لا على مستوى الحدود والكهرباء والتعاون الأمني والجمركي، إلا أنها قد تكون أثارت بعض الحساسية في وقت يتم إعادة ترتيب خطوط التماس الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط، وخاصة أن الصالونات السياسية باتت تتحدث عن تباينات سعودية – تركية في المنطقة بعد سقوط الأسد.
وسيكون اهتمام ترامب بالشرق الأوسط أكبر بكثير من تركيزه على أوروبا وحلف الناتو، كون الشرق الأوسط أكثر جدوى اقتصادياً من أوروبا. ولعل النقطة الأولى التي ستعمل إدارة ترامب على علاجها في المنطقة، هي محاولة احتواء إيران ونفوذها في المنطقة، خصوصاً بعد ضرب أذرعها وطرق إمدادها للوصول إلى حدود إسرائيل أو الاقتراب من القواعد العسكرية الأميركية. وتبدو رغبات إيران التاريخية في التوسع وفرض الهيمنة على الخليج أولاً، وصولًا إلى المشرق ودول الطوق، خلال العقديْن الماضيين، قد تراجعت.
لكن في الشق الداخلي اللبناني وقبيل سنة ونصف من الانتخابات البرلمانية اللبنانية، ثمة نقاش واسع يدور داخل حزب الله حول طريقة التعاطي مع الضربات السياسية التي يعيشها الحزب في لبنان، لكن وجهة النظر تقول أن الواقعية تفرض الذهاب إلى إبرام تفاهم سياسي وفق المعطيات والظروف التي استُجدت، وذلك لتدارك أي أثمان إضافية قد تُدفع لاحقاً. فالمعادلة العريضة في المنطقة تغيرت، وليس المعادلة اللبنانية فقط.
وخاصة أن إيران كحليف استراتيجي للمشروع تستعد لمرحلة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب. لا بل هي تنادي وعلى لسان رئيسها بالسلام، وفي السياق نفسه، فإن غزة التي عاشت حرب القرن الجديد بكل دمويتها ذهبت لاتفاق وقف إطلاق نار طال انتظاره، ما يعني أن الظروف هي نحو التسويات وليس التصعيد.
وسيكون اهتمام ترامب بالشرق الأوسط أكبر بكثير من تركيزه على أوروبا وحلف الناتو، كون الشرق الأوسط أكثر جدوى اقتصادياً من أوروبا. ولعل النقطة الأولى التي ستعمل إدارة ترامب على علاجها في المنطقة، هي محاولة احتواء إيران ونفوذها في المنطقة، خصوصاً بعد ضرب أذرعها وطرق إمدادها للوصول إلى حدود إسرائيل أو الاقتراب من القواعد العسكرية الأميركية. وتبدو رغبات إيران التاريخية في التوسع وفرض الهيمنة على الخليج أولاً، وصولًا إلى المشرق ودول الطوق، خلال العقديْن الماضيين، قد تراجعت.
وهذا التراجع معطوف على نقاشات تجري في أورقة الإدارة الأميركية الجديدة حول ضرورة ضرب إيران حتى إسقاط النظام فيها، وقد يكون ذلك بمثابة تهديد لطهران يلاقي سياسة العقوبات القصوى، لحثّها وجرها لتوقيع اتفاق مع الدول الكبرى قبل شن حرب عليها. ما يعني أن إيران ببناها التحتية وغازها ونفطها تشكل فرصة استثمارية غير مسبوقة تشخص إليها أبصار ترامب وفريقه، ناهيك عن أنها همزة وصل لقطع طريق الحرير وصد تمدد الصين الآخذ في التوسع. وعليه، تكون فرص الاتفاق مع إيران والانقضاض عليها متساوية، مع الأخذ بالاعتبار أن الاتفاق مضمون النتيجة، أما خيار الحرب فقد يفتح أبواب حروب ونزاعات غير مضمونة النتائج.
لذا فإن حزب الله بلبنان رغم كل السقوف التي رفعها في وجه وصول نواف سلام لرئاسة لا تعني أن الحزب سيتمترس في المعارضة ويتخلى عن السلطة في ظل كل هذه التحديات الداخلية والخارجية، وخاصة أن الحكومة المقبلة تحمل على عاتقها ملفات حساسة بالنسبة للحزب، أهمها إعادة الإعمار وتطبيق الاتفاق الدولي 1701، ومناقشة الاستراتيجية الدفاعية، وهذه الملفات تعني حزب الله بعمقه ووجوده وهو لن يتخلى عنها مهما كانت التحديات.
ذلك لا يعني انتهاء دور حزب الله الداخلي، ولا انكساره سياسياً بالمعايير اللبنانية الضيقة، فبالإضافة إلى امتلاكه للحضور البرلماني عبر احتكار التمثيل الكامل للطائفة الشيعية إلى جانب حركة أمل، خصوصاً في ضوء الإصرار على تكريس الموقف الموحد في استحقاقات كثيرة، من دون انفكاك أو انفصال، وهو ما يجعل الباب مفتوحاً أمام التسوية والتفاهم، ولكن ليس وفق إملاء الشروط ولا وفق المعادلات القديمة.
المصدر: تلفزيون سوريا