مصعب عيسى
لكل لاجئ قصة ولكل رواية نكسة وكل نكسة امتداد لنكبة وبكل نكبة مقام لشهيد وشاهد على مذبحة ومقال يمتد من سفر اللجوء الاول
ترى من هو اول لاجئ في هذه الخليقة؟
ومتى كان اول مخيم على هذه الارض ؟
هل كان الانبياء لاجئين…ام ان اللاجئين هم ورثة الانبياء على هذه الارض..في هذا العالم العدمي والمتلبد بغيوم الغموض ورتابة الصفقات..وليل المأساة اللامنتهي
لو اسقطنا مفهوم اللجوء على معايير الاركيلوجيا والجيولوجيا والميثلوجيا ربما يكون ادم عليه السلام هو اول اللاجئين من فردوس الله …الى هذه البقعة التي أقام بها وانشأ مسكنا خارج حدود المنتهى..وسميت ارضا كي تليق بلجوءه ، وتوارث الانبياء تلك الرواية فكانوا لاجئين داخل لجوءهم الجديد من ابراهيم الاب الاول الذي امتلأ بالرفض لكل الهة عصره والطغاة ،فولى وجهه شطر التراب يهيم في ارجاءه باحثا عن استعارات لفظية او كنايات رمزية تليق بمنفاه..وتخدم علمه واليقين وحكمته الموروثة من الفردوس ينشر تعاليم الرفص المقدسة يولج روح الله في الطين..يقتص من اعداءه بالمعرفة والصبر ،حتى يجيء امر الله بالعودة
وصولا الى آخر الانبياء محمد عليه السلام الذي لجأ الى المدينة هاربا من بطش مكة وكفارها تاركا احب البلاد اليه قاصدا احب البلاد الى الله فاتى امر الله بعد حين بالنصر والفتح المبين
وانا اينما وليت وجهي ثمة تهمة تلاحق وجهي ووجوه كل الفلسطينين ،ثمة ذنب لم نقترفه ،ثمة جريمة لم نرتكبها ،ثمة علامة فارقة في بطاقة التعريف ،ثمة صفة تلازم اسماءنا اينما ولينا وجوهنا:
انت لاجئ
انت ابن الصفيح ،انت ابن الخيمة المتورطة بافساد حلمنا ونومنا والاقتصاد!!!
كأن المخيم يشكل حالة فريدة في زمن السرعة والأرقام ،رقما خارجا عن التعداد العالمي للإحصاء ،نمطا مبعثرا في تكوينة الحلم ،لوحة سوريالية الاحتمالات تصور مشهدا هاربا من التاريخ الساعين لطمسه عالميا وعربيا وعشائريا
يبدو المخيم حالة برزخ طبيعية بين الخروج والعودة ،بين الموت والولادة ،بين النار والجنة وبين الوطن والمنفى ،راح المخيم بعيد موروث الانبياء وسيرة اللجوء الاول من الفردوس ،وكانه وريث ادم حين علمه الله الاسماء كلها…وعجزت ملائكته عن معرفتها
وحده المخيم من يمتلك علم الله حتى الساعة ،يستلهم فلسفة النبيين والرسل الرافضة لكل قوانين الارض المهترئة ،يعد وطنا في خيمته يحيك فقها كونيا بين الازقة يبني للخيمة وتدا يشتد في النسيان والتهاب الذاكرة ،ياخذ بيد الوقت نحو البعيد ، يرتل الفاتحة ويرث من داود مقلاعه في وجه جالوت ، يمسك بسحر المفردة من سليمان ويحيط بمفاصل القضية من كل جانب يكلم الله في زقاقه سرا وعلانية
يكظم غيظه مثل ايوب ضد ذوي القربى ويعجبون لصبر الصفيح
يمسح عن كاهل فلسطين تعبها، ويقرا تراتيل المريمية على قدسها..ثم يصلب واقفا..شاهدا على الذهول
يتلو أيات الله وقرانه اناء الليل واطراف النهار ممسكا بحقه وقابضا على جمر عودته حتى يحين امر الله
صار المخيم ايقونة الله على الارض..لان اللاجئين ورثة الانبياء ولان كل فلسطيني هو شاعر ولان كل شاعر هو نبي عصره ولان كل مقاوم هو رسول الحرية وإمامها..ولكل إمام جماعة من المظلومين عند باب الخيمة يطحنون كل شعارات الكون باكملها ويقدمونها قربانا لشعارهم الاوحد ( على هذه الارض مايستحق الحياة)
يمارسون رفض الانبياء للطاغوت ،ويستمسكون بعروة المقاومة ويتقنون فلسفة الحكماء ورباطة الجأش على صهوة التاريخ
هنا عند بوابة المدن الجنوبية والشمالية والغربية وعلى كل الامتدادات من جباليا الى درعا والوحدات وصولا الى الرشيدية في جنوب لبنان يقف المخيم خندقا ضد احزابهم الوطنية والمستوردة ضد كل المنافقين وكفار القضية …
يقف المخيم رصاصة..ومقلاعا ضد اعداء الله..من زمن ابراهيم الى ان يرث الله الارض وماعليها..يقف ككعبة يطوف حولها حجاج الحرية والحق في زمن العبودية والطاغوت ، كتابا يتلى اناء الوطن واصقاعه يذكر الغافلين..ان نفعت الذكرى
يبدو المخيم اية محكمة على اولئك المرتدين ومن اتخذوا اعداءهم اولياء ،يتربص المخيم في كل زمان كأنه تجسيدا نبويا لكل الذين باعوا روحهم واطاعوا رومهم وبرفع في وجوه سلاطينهم شعار الارض باكملها ( لكم دينكم ولي دين )
هنا فلسطين التي يسعى اليها المخيم خفافا وثقالا…واليها المسير
هنا فلسطين التي خرجت من الخيمة..من النكسة..من النكبة ،فمابالكم كيف تفكرون أيها المتربعون على عرش الطغاة والمتكئون على أريكة الغزاة …لكم فلسطينكم ولي فلسطين .