بسام شلبي
كثيرة هي القصص غير المنشورة من حياة الشهيد بسام البصلة أبو فاروق.. مع ذكراه هذا العام تحضرني هذه القصة التي أرى من واجبي صياغتها و نشرها واظن الكثير مما فيها غير معلوم للكثيرين..
في 6 ايلول عام 2001 اعتقل النائب المعارض رياض سيف بعد قرار اغلاق المنتديات التي انتشرت في ارجاء سورية.. و كان قد سبقه اعتقال النائب مأمون الحمصي في 10 اب 2001 و بدى بأن السلطة ستمضي في قمع الحراك الثقافي والسياسي في مهده..
وللحقيقة والتاريخ ان اعتقالهما لم يولد اية ردة فعل ظاهرة شعبية او في اطار الاحزاب المعارضة او النخب الثقافية..
كان هذا مؤلما و نحن نرى مولودنا يوأد بصمت مريب..
تم التداول على نطاق ضيق لاقتراح تقدم به الدكتور وليد البني للاعتصام في منزل رياض سيف احتجاجا على اعتقاله.. و هناك من وافقوا على الاقتراح و منهم الدكتور عارف دليلة و بعضهم رفض الاقتراح و منهم الاستاذ ميشيل كيلو (يبدو انه كان اكثر خبرة منا في معرفة سلوك النظام و كان رأيه ان الموضوع لن ينجح و سوف يضر اكثر مما ينفع)
استمرت الترتيبات بمن ابدوا استعدادا و كان من مدينة التل (د وليد و الشهيد بسام و انا) و كان موعدنا في عيادة الدكتور وليد لنذهب معا بسيارته الى الاعتصام..
تأخرت عن الموعد بضع دقائق وعندما وصلت الى مدخل العمارة التي فيها العيادة وجدت ابا فاروق خارجا و وضعه غير طبيعي و لما رآني أومأ لي ان ارجع فاستدرت و مضيت و هو تبعني حتى ابتعدنا عن المكان و دخلنا حارة فرعية جاء إلي و قال بأنه عندما كانا في انتظاري جاءت دورية من الأمن السياسي مع ضابط و اعتقلوا الدكتور وليد..
سألته: و انت ألم يستجوبوك او يطلبوا هويتك؟؟
قال: ابدا فقط سألوه هو و طلبوا منه التوجه معهم لمقابلة رئيس الفرع غدا.. و حسب شهادته: “انهم كانوا لطفاء حتى أنهم لم يقيدوه و لم يعترضوا عندما سلمني مفاتيح العيادة و السيارة و طلب مني ابلاغ زوجته..”
ركبنا معا سيارته و توجهنا الى صيدلية زوجته الدكتورة منى سمور و سلمناها السيارة و المفاتيح و أبلغناها ان دورية من الامن السياسي اقتادته للتحقيق و انه من المحتمل ان يخرج غدا..
و حاولنا جهدنا ان نبدوا هادئين و مرحين كأن الموضوع بسيط و لا يستحق القلق..
شكرتنا و قالت كنت متوقعة ان ذلك سيحدث وأن الموضوع ليس بسيط..
و فعلا حدسها كان اصدق فقد عاد بعد خمس سنوات من الاعتقال..
بعد ان خرجنا نظر كل واحد منا الى الآخر بتعجب و سؤال ماذا سوف نفعل الان؟
ذهبنا الى مزرعة على اطراف المدينة و بقينا حتى ما بعد منتصف الليل و نحن نحاول ان نفسر ما حدث و ماذا علينا ان نفعل هل نتخفى لفترة لنعرف أبعاد القضية؟ ام نعود لحياتنا الطبيعية كأن شيئا لم يكن؟
هل نستشير احدا؟ ام الافضل ان لا نوسع الدائرة إن كنا مراقبين؟
هل كانت أجهزة الأمن على علم بموضوع الاعتصام؟ إذا لماذا لم يعتقلونا نحن ايضا؟!
إن لم يكونوا على علم بموضوع الاعتصام فكيف يتم الاعتقال في نفس الساعة التي كنا سننطلق فيها؟! هل هي مجرد صدفة؟! ام اختراق؟ ام انهم يضعوننا تحت المراقبة؟
كل هذه الأسئلة لم يكن لها تفسير و ماتزال بلا تفسير علما انهم في صباح اليوم التالي اعتقلوا الدكتور عارف دليلة ايضا.. ثم أتموا العشرة الكاملة..
قبيل الفجر توصلنا الى قرار بأن نعود الى عملنا و حياتنا الطبيعية مع الحذر بعدم التواصل مع احد من الناشطين.. والحمد لله الذي سلم فقد اكتفى النظام وقتها بقائمة العشرة الأفاضل، و اقول بكل أسف و حزن و اسى: أنه كان من المعيب في حق الشعب السوري و نخبه و قواه السياسية أن يردع بهذه البساطة وقتها فتأجل دفع الثمن قد جعله غاليا جدا.
رحم الله الاخ الصديق بسام ابو فاروق، و أطال الله عمر الصديق الدكتور وليد البني و حفظه من كل مكروه فقد كان معارضا صلبا للنظام السابق و معارضا للنظام الحالي و ربما المستقبلي فهو معارض من اجل سورية و ليس معارضا لسورية و انا اعتز بصداقته رغم ان الخلافات بيننا كبيرة جدا فكريا و سياسيا لكن ذلك لم يمنعنا من إيجاد فصل مشترك للعمل الوطني سابقا و لن يمنعنا من إيجاد فصل جديد مشترك للعمل المستقبلي.