أسفرت جولة محادثات «صعبة» جمعت أمس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان عن الاتفاق على إنشاء منطقة عازلة تفصل بين المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة في إدلب والقوات النظامية المتمركزة في محيط المدينة.
وأعلن الرئيسان، في مؤتمر صحافي أعقب جلسة محادثات مطولة، أن الاتفاق اشتمل على آليات للمراقبة، وأجندة زمنية لضمان تنفيذ الاتفاق.
ورغم أن الكرملين كان قد أبلغ الصحافيين أن جلسة المحادثات بين الرئيسين ستستمر لمدة ساعتين، وسيعقد بعدها بوتين وإردوغان مؤتمراً صحافياً، فإن المحادثات استمرت أكثر من 4 ساعات، ما عكس محاولة الطرفين تذليل النقاط الخلافية. وكانت وسائل إعلام روسية قد وصفت القمة بأنها محاولة «الفرصة الأخيرة» لتقريب وجهات النظر بين روسيا وتركيا.
وأعلن بوتين، في المؤتمر الصحافي، أن الطرفين اتفقا على إنشاء منطقة عازلة بمسافة 15 كيلومتراً، على أن يتم إنجاز هذه الخطوة مع حلول منتصف الشهر المقبل. واشتمل الاتفاق على آلية لتسليم السلاح الثقيل والمتوسط في إدلب. وقال بوتين إن هذا الجزء يجب أن يتم تنفيذه حتى موعد التاسع من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وإن المقصود هو تسليم السلاح الثقيل لكل المجموعات الموجودة في إدلب، ولفت إلى أن الشرطة العسكرية الروسية ستتولى، بالتعاون مع القوات التركية، الإشراف على تنفيذ الاتفاق الذي تمت صياغته على شكل مذكرة وقعها وزيرا الدفاع في البلدين في أثناء المؤتمر الصحافي المشترك.
وشدد بوتين على أن الاتفاق يمنح فرصة واسعة لدفع التسوية السياسية، مؤكداً التزام موسكو وأنقرة بتعزيز مسار آستانة، وقال إن «هذا التوجه يحظى بدعم الحكومة السورية»، معلناً أن موسكو «ستقوم بإجراء محادثات مع الحكومة السورية حول هذا الموضوع في أسرع وقت»، وزاد أن كلاً من روسيا وتركيا تنويان تعزيز تعاونهما في إطار آستانة، وعبر منصة جنيف، تحت إشراف الأمم المتحدة، للتوصل إلى تسوية سياسية في سوريا، مشيراً إلى حرص البلدين على دفع النقاشات حول تأسيس اللجنة الدستورية في سوريا، تحت إشراف الأمم المتحدة.
وأكد إردوغان أن الاتفاق يشدد على توفير كل الشروط الملائمة للحيلولة دون قيام أي طرف بأعمال استفزازية في المنطقة العازلة، وقال إن الاتفاق «حال دون تطور الوضع نحو سيناريو كارثي»، في إشارة إلى استبعاد الخيار العسكري للحسم في إدلب، ولفت إلى أنه أبلغ بوتين أن «الأراضي التي تقع تحت سيطرة الإرهابيين لا تنحصر في إدلب»، في إشارة إلى القوات الكردية التي قال إنه لا بد من القضاء عليها.
وكان بوتين قد أبدى حرصاً في مستهل اللقاء على عدم السماح للملفات الخلافية بإحداث شرخ في العلاقة بين البلدين، وقال إن «هناك الكثير من المسائل، وهناك أيضاً قضايا معقدة نعمل على حلها»، وخاطب إردوغان مشيراً إلى أنه «مسرور جداً لرؤيتكم، ليس فقط لتبادل الآراء حول هذه المجموعة من القضايا، بل وللبحث عن حلول للمسائل التي لا تزال عالقة».
وزاد الرئيس الروسي أن «علاقاتنا تتطور بشكل سريع وإيجابي، بما في ذلك العلاقات التجارية – الاقتصادية التي تنمو بوتيرة سريعة، بالإضافة إلى تعاوننا في المسار الأمني، خصوصاً في المنطقة، وعلى الساحة الدولية»، لافتاً إلى «ضرورة إيجاد حلول مشتركة لمجموعة من المسائل المعقدة المطروحة على طاولة البحث»، في إشارة إلى الملف الخلافي حول إدلب.
من جانبه، شدد الرئيس التركي على أهمية القمة، وقال: «أعتقد أن العالم كله، وليس المنطقة وحدها، يوجه أنظاره إلى لقاء اليوم، والبيان الختامي الذي سيعلن بعد محادثاتنا سيمنح الأمل للمنطقة».
وكان إردوغان قد قال لصحيفة تركية، قبيل توجهه إلى روسيا، إن دعوات أنقرة لوقف إطلاق النار في منطقة إدلب السورية التي تسيطر عليها المعارضة «تؤتي ثمارها، بعد أيام من الهدوء النسبي، لكن هناك حاجة لمزيد من العمل».
وأوضح الرئيس التركي أن بلاده «تتحمل عبئاً سياسياً وإنسانياً»، مع استمرار الحرب في سوريا، مشيراً إلى أن أي موجة نزوح جديدة ستتجه إلى تركيا.
وكان الكرملين قد مهد للقاء بأن بوتين سيبحث مع نظيره التركي سبل التسوية السورية، وجملة من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وفي وقت سابق، أشار وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى أن المباحثات ستركز على الوضع في إدلب، في ضوء ما خرجت به قمة طهران الثلاثية أخيراً، التي بحثت سبل حل مشكلة إدلب.
وعلى صعيد آخر، قال المندوب الروسي الدائم لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ميخائيل أوليانوف، إن «الملف السوري» الذي فتحته الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا يحتوي على أي دليل يؤخذ به ضد سوريا، ورأى أن سوريا «تعد مثالاً واضحاً على كيفية تلفيق ملفات بانتهاكات اتفاقات منع انتشار أسلحة الدمار»، معتبراً أن اتهامات الغرب لدمشق تعكس «إصراراً على ممارسة الابتزاز، والتفسير المتحامل والمسبق للمعلومات التي لا علاقة لها بالضمانات»، موضحاً أن «الأمر يبدو وكأنه تجربة لاختبار مفهوم الضمانات على مستوى الدول، ويبدو واضحاً جداً أنه، ومنذ فترة محددة، بات حتى التقيد الصارم بالتزامات عدم الانتشار لا يحمي من الاتهام بانتهاكها، في حال وجود سبب ودوافع سياسية لذلك».
المصدر: الشرق الأوسط