ترى ما هو الشعار الذي سترفعه إدلب – آخر المناطق السورية المحررة الخارجة عن سيطرة بشار الأسد – هذا الأسبوع؟! أليس من شعار آخر أكثر حضارية وواقعية؟!
لماذا لا تعلن إدلب ثورتها على “المتأسلمين” فتقلب الطاولة على من يتاجر بها، حتى لو اصطدمت بهم وقدمت شهداء، ألسنا بثورة؟!
هل ثمة مكيدة لإدلب وثوارها، بعد تطبيق اتفاق سوتشي، كأن ينقضّ عليها جيش الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون، بعد أن تسلم سلاحها الثقيل؟!
وغير ذلك عشرات الأسئلة والاستفسارات اليومية، يمطر المثقفون بها أهل إدلب وضيوفها، إن عبر صفحات فيسبوك وتويتر، أو ببيانات مذيلة بأسماء المهاجرين السوريين بأوروبا وتركيا والأميركيتين.
طبعاً، دونما تقديم ما يسعف أهل إدلب المحاصرين من منذ سنين والمغلقة كل السبل والحدود بوجوههم، أو حتى النزول إلى إدلب، ليشارك “المنظرون” بصياغة شعارات الجمعة ويواجهوا مع المتظاهرين أصحاب الرايات والقلوب السوداء، أو حتى يرسلوا ما يمد إدلب وضيوفها بإكسير الاستمرار، بعد تقطع السبل وضيق العيش وارتفاع الأسعار.
على الأرجح، ستوجع تساؤلاتنا كثيرين، وربما يطاولنا “من الشتائم نصيب” بيد أن آخر ملامح أمل سورية والسوريين، يدفعنا لنكء بعض الجراح، وإن تألمنا بهدف العلاج.
وربما السؤال الأهم، بواقع استمرار موت السوريين على شطآن البحار، أو تضييق عيشهم بدول الأشقاء والجوار. أليس من أمل وحلول لتكون إدلب بداية لعودة المهجرين والمهاجرين، بعدما خسرت سورية نصف شعبها، جلهم من العقول وحملة الشهادات وقوى العمل.
ولكن، لو سألنا وبشيء من الصراحة والمباشرة، بعيداً عن العاطفة والشعارات، هل يعود السوري المقيم بأوروبا أو حتى دول الجوار إلى إدلب اليوم أو إلى سورية غداً، قبل أن نسأل ماذا يريد كي يعود؟!
لا أعتقد أن السوري، أيّ سوري بدول أوروبا خاصة، يمكن أن يقايض الأمان والاستقرار بالمخاطرة والاختلاط الذي تعيشه إدلب اليوم، كما أكاد أجزم أن السوري، أيّ سوري، لا يمكن أن يفكر مجرد تفكير بالعودة، بعدما استقر نسبياً وبدأ يتلاءم مع واقعه ودخله الجديدين، بل والحياة العامة التي تؤمن تعليم أولاده وضمان حياته، حتى بعد التقاعد والموت.
ما يعني مبدئياً، أن سورية، خسرت أكثر من سبعة ملايين، جلهم من الشباب والأطفال، وهم حوامل التنمية وأهم أسباب إعمار البشر والحجر بسورية المستقبل.
قلنا مبدئياً، إذ يمكن ومنذ اليوم إعادة النظر بتأسيس وتنظيم إدلب، لا لتكون وطناً للسوريين الذين هاجروا أو تهجروا، بل لمن هم في مناطق الأسد، يعيشون مسلوبين كل أشكال الحرية وتمارس عليهم شتى طرائق الامتهان والإذلال، إن من نظام الأسد الذي أعاد سطوة “البعث والأمن” أو من الأوصياء الروس والإيرانيين.
ولكن، كيف لإدلب أن تكون قاطرة وملاذاً ومنطقة جذب للسوريين، ريثما يتحقق حلمهم الذي دفعوا ثمنه ملايين الشهداء، وتعم الحرية والديمقراطية ربوع سورية قاطبة.
أعتقد أن المهمة تنطلق من الرؤوس قبل رؤوس الأموال، بمعنى أن يبدأ السوريون بالتفكير بعدم سرقة إدلب كما خلال “تحريرها” عام 2015، وقدمت وقتذاك مثالاً سيئاً عن جغرافيا خارجة عن سيطرة الأسد، فسادت الثأرية واستقوت الجماعات الراديكالية، وتفاقمت بقصد تعمية السوريين وتجهيلهم، بعد إلهائهم بالتاريخ المزيّف والأسلمة التي لا تمت للدين الحنيف بصلة.
بمعنى التفكير، ومن ثم مد اليد لإدلب لتكون نواة لحكم مدني ديمقراطي. وبالتوازي، التفكير بتأمين موارد لمن هم بإدلب، بعدما ذاقوا الأمرين وعلى مر ثماني سنوات.
وربما الأهم، تسويق إدلب ومن فيها من ضيوف، وفق ما هم من أصالة ووطنية والتصاق بالأرض، وفق ما يقدمونه خلال تظاهرات الجمعة التي أعادت الأمل لكل السوريين بعد شبه فقدانه، وعدم ترك تسويق إدلب وفق ما يسعى إليه من يهمهم الأمر، إن بدمشق وطهران أو ممثليهم حتى بإدلب، أولئك المتقنعين بأثواب الدين والجهاد والثورية.
وبالتوازي، يأتي دور رؤوس الأموال السورية المهاجرة، لتبدأ ببناء المؤسسات التعليمية أولاً، لعلها تسعف الأطفال الذي ابتعدوا قسراً ولسنوات عن مقاعد التعليم، وتحد من انتشار “شيوخ الطرق والدجل” الذين قادوا عملية تعليم الأطفال وحتى الكبار، كل أساليب الثأر والدموية والتغييب.
ومحاولات بناء مؤسسات المجتمع المدني، بشراً وبنىً، ليؤكد السوريون للعامل أنهم أهل للحياة والتطور وبناء الدولة، حينما تتاح لهم ولو أبسط الأسباب والوسائل.
وإلا، إن اكتفينا نحن “المنظرون” بإصدار النقد والتعليمات والمواعظ، فعلى الأرجح سيسعى كثيرون لبناء إدلب على طريقتهم ووفق مشاريعهم، حتى وإن اضطروا لتهديمها أولاً أسوة بدرعا وداريّا والغوطتين.
المصدر: العربي الجديد