تعود محافظة السويداء، جنوب سورية، ذات الغالبية من طائفة “المسلمين الموحدين الدروز”، إلى الواجهة من جديد، في ظلّ ارتفاع وتيرة التوتر بين أهلها والنظام الذي يلوح بزجّ الجيش في المحافظة، في حين تتوعد مجموعات مسلحة محلية بالرد بقوة على أي تحرك للجيش داخل المحافظة، وذلك على خلفية ازدياد عمليات الخطف أخيراً، وتبادل الاتهامات حول المسؤولية عنها.
وأفادت مصادر محلية مطلعة من السويداء، طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية، لـ”العربي الجديد”، بأن “غالبية أهالي المحافظة يشعرون بأن النظام يستهدفهم، خاصة بعدما جلب داعش من جنوب دمشق وحوض اليرموك ووضعه شرق المحافظة، لينفذ التنظيم الإرهابي مجزرته قبل نحو أربعة أشهر، التي سقط جراءها نحو 260 قتيلا، بينهم مدنيون، وقبلها الكثير من الممارسات والتضييق، كالعمل على رفع الأسعار داخل المحافظة، ومحاصرة عشرات آلاف الشبان داخل المحافظة، بحجة أنهم مطلوبون للخدمة الاحتياطية والإلزامية داخل قواته”.
وأوضحت المصادر أن “ما زاد الأمر سوءاً هو الخداع الذي مارسه بحق الشعب السوري عامة، وأهالي السويداء خاصةً، عندما أعلن عن طيّ دعوات الاحتياط، ثم أعادها بعد أيام قليلة، فورط المئات من الشبان الذين كانوا مغتربين ومحرومين من رؤية عائلاتهم، حيث صدموا بإعادة إدراج أسمائهم ضمن المطلوبين للخدمة، ما يعني منعهم من السفر، الأمر الذي سيؤدي إلى انقطاع أرزاقهم وتعريض استقرار عائلاتهم للزعزعة، خاصةً أن غالبية عائلات المحافظة تعيش على تحويلات المغتربين”.
ولفتت المصادر إلى أن “المحافظة تعيش اليوم في حالةٍ من القلق والتوتر، بسبب ارتفاع حالات الخطف بهدف الفدية المالية، خاصة تلك التي تستهدف في جزء كبير منها الوافدين إلى المحافظة، خاصة أنها تستضيف منهم نحو 100 ألف سوري من مختلف المحافظات، استقروا بها لسنوات وساهموا بدعم الوضع الاقتصادي داخلها وتنشيطه، واليوم هناك حركة انتقال من قبل هؤلاء لمحافظات أخرى، خوفا من تعرضهم للخطف، الأمر الذي يشكل أداة ضغط إضافية على أهالي المحافظة، إضافة إلى تلمسهم ردود فعل السوريين الذين ينجرون وراء حملات شيطنة السويداء أمام أشقائهم السوريين”.
وذكّرت المصادر أنه “سبق لأهالي السويداء أن تعرضوا لحملات مشابهة، فمثلاً عندما سيطرت القوات النظامية، كانت تستهدف السيارات التي تحمل لوحات السويداء، لاستخدامها لتعفيش منازل أهل درعا، ويتم تصويرها على أن أهل السويداء هم الذين ينهبون درعا، في حين كانت الأشياء الثمينة، كمعاصر الزيتون والمطاحن وغيرها، تنقل إلى الساحل، كما شهدت المحافظة محاولات عدة لإثارة الفتن بين مكوناتها، خاصة الدروز والبدو، والتي وصلت إلى درجة الاقتتال الداخلي، لولا مساعي العقلاء من الطرفين”.
وقالت المصادر إن “أهالي المحافظة اليوم يستشعرون الخطر جراء ملف المطلوبين للخدمة، علماً أن غالبيتهم لا يزالون معتكفين عن الخدمة، حيث يدور الحديث عن إعادة النظام نشر الحواجز واعتقال المطلوبين، والتي يصعب أن تميز بين المطلوب بجرائم الخطف والقتل عن المطلوبين للخدمة العسكرية أو لمخالفة مرورية، ما يزيد الطلب عل السلاح، خاصةً من قبل الشبان الذين يشعرون بأنهم مهددون”.
وقالت مصادر أخرى مقربة من النظام، طلبت عدم الكشف عن هويتها، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “النظام مهتم بإنهاء ملف استنكاف السويداء، حتى أن الرئيس بشار الأسد تحدث بالأمر للإعلام، ودعا أبناء المحافظة للالتحاق بقواته، خلال لقائه بالمخطوفين المحررين من قبضة تنظيم داعش، كما تم أخيراً عقد لقاءات عدة بين عضو القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي، اللواء ياسر الشوفي، ووجهاء محلية، واحد منها كان لقاءً عاماً في المركز الثقافي، تعرض خلاله النظام لانتقادات حادة، وتحميل الأجهزة الأمنية المسؤولية عن تردي الأوضاع بالمحافظة”.
وأوضحت المصادر كذلك أنه “جرت لقاءات للجنة الأمنية بحضور ضابط رفيع المستوى من دمشق، وعد بأن الوضع في السويداء سيحسم خلال فترة قريبة، وسط أحاديث عن توجه لقيام القوات النظامية بنشر حواجز ما بين البلدات والمدن، بهدف اعتقال المطلوبين، وهذا الأمر يأتي جراء مطالبة الأجهزة الأمنية وقائد الشرطة بالمحافظة من النظام في دمشق بإدخال الجيش لفرض السيطرة على السويداء بيد من حديد”.
بدورها، رأت مصادر من مجموعات مسلحة محلية، طلبت عدم الكشف عن هويتها، في حديث مع “العربي الجديد”، أن النظام “يسعى لتفجير الوضع داخل السويداء، وإدخال الجيش للمحافظة هو بمثابة إعلان حالة حرب على أهل المحافظة، وهناك في السلطة من يدفع لهذه المواجهة. وبالرغم من أننا مع الدولة، إلا أننا لن نقبل أن نعتقل ونساق إلى الخدمة العسكرية، بحجة جرائم الخطف التي يعلم النظام من يقوم بها، وهم أزلامه بشكل أو بآخر”.
وأعربت هذه المصادر عن أملها في “ألا نصل لوقت تُفرض فيه علينا مواجهة القوات النظامية، لكن حينها لن تكون لدينا خيارات، ونحن مستعدون لهذا اليوم وسنقاتل إلى آخر رمق، فنحن لا مكان نذهب إليه سوى هذه الأرض”، لافتاً إلى أن “كل شاب اليوم في السويداء مستهدف ويضع يده على الزناد، وكل ما قد يحدث في السويداء وكل قطرة دماء ستسيل من القوات النظامية والأهالي، سيكون النظام مسؤولا عنها”.
من جهته، قال الناشط أبو فهد المعروفي، لـ”العربي الجديد”، إن “الوضع في السويداء مقلق جداً، وإذا استمر النظام بسياساته، فإن المواجهة العسكرية هي السيناريو المتوقع حدوثه، لكن من الصعب توقع إلى أين سيصل الأمر، فالسويداء لها بعد إقليمي حساس، كما أن التسلح اليوم وصل إلى مستويات غير مسبوقة، فالفتى فيهم اشترى قنابل يدوية، ويعتبر أن خياره اليوم هو الموت داخل المحافظة أو خارجها فقط، وهو يختار الأولى، كما أن الأمر سيحرج النظام، أما عدد لا بأس به من ضباط وعسكريين ومسؤولين، فما زالوا داخله”.
ورأى أن “من دمر سورية بسبب عنجهيته والعنف المفرط وسوء التصرف، لا أعتقد أنه تعلم اليوم شيئاً مما جرى في المحافظات السورية، وقد يكرر الأمر من جديد في السويداء، وأعتقد أن الأشهر القليلة المقبلة ستكون حساسة جداً بملف السويداء وعلاقتها مع النظام”.
يشار إلى أن أكثر من 40 ألف شاب مطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياطية في السويداء، في حين توقف النظام عن تنفيذ عمليات اعتقال وملاحقة الشبان منذ عام 2014 داخل المحافظة، جراء مواجهات وقعت بينه وبين فصيل “رجال الكرامة” وشريحة واسعة من المجتمع، على خلفية اعتقال الشبان بهدف سوقهم للخدمة العسكرية.
المصدر: العربي الجديد