لم تعد خافية محاولات النظام السوري لتقويض اتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا، والذي جنّب شمال غربي سورية كوارث كانت متوقعة لو شنّ النظام هجوماً على المنطقة التي تعد المعقل البارز للمعارضة، التي تؤكد أن النظام عاد ليحشد قواته في محيط محافظة إدلب، فيما تحدثت وسائل إعلام النظام عن اقتراب “ساعة الحسم”، في إشارة إلى سعي قوات هذا النظام لتجاوز الاتفاق الروسي التركي.
وأكد قيادي في الجيش السوري الحر لـ”العربي الجديد”، وجود حشود لقوات النظام ومليشيات إيرانية في ريفي إدلب الغربي والجنوبي، مشيراً إلى أن النظام كان يحشد و”بكثافة” خلال الأيام القليلة الماضية، مستدركاً: “لكن بعد التوافق التركي الأميركي الأخير خفّت وتيرة هذه الحشود”.
ولم تنقطع تحركات قوات النظام والمليشيات الإيرانية، في سعي واضح للإطاحة بالاتفاق الذي أعلن عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي الروسية في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، وتم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة بحدود تراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل.
ولكن من الواضح أن موسكو وأنقرة ماضيتان في طريق تنفيذ الاتفاق والدفاع عنه في وجه محاولات النظام وحلفائه الإيرانيين تقويضه. أما النظام، فيواصل حربه الإعلامية والنفسية تجاه شمال غربي سورية. وتحدثت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام عن أن ما سمتها بـ”ساعة حسم” باتت أكثر قرباً، في إشارة واضحة إلى نيّة النظام للعمل على تجاوز اتفاق سوتشي.
وحول إمكانية قيام النظام بمهاجمة ريف إدلب الغربي، خصوصاً مدينة جسر الشغور وريفها، وريف حماة الشمالي، معقل المعارضة المسلحة البارز، قال القيادي في الجيش السوري الحر العقيد فاتح حسون، إن “كل شيء وارد”، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”: “من الناحية السياسية، هو (النظام)، لا يلتزم بأي اتفاق أو معاهدة، وتشجّعه على ذلك إيران وروسيا، ومن الناحية العسكرية، ففي الأيام القريبة السابقة لم تتوقف أعماله وأعمال داعميه الاستطلاعية”.
وتابع حسون بالقول: “كانت قوات برية من النظام ومن الحرس الثوري الإيراني تقوم بمهام استطلاعية يتم التعامل معها من قبل مقاتلي قوى الثورة، وكذلك يقوم باستطلاع جوي بإرسال الطائرات من مطار حميميم ومطار حماة، أي بمشاركة روسية، حتى أحياناً تكون هذه الطائرات محمّلة بقنابل تلقيها على الخطوط الدفاعية لقوى الثورة”، مشيراً إلى أن غاية النظام من وراء ذلك “تشكيل ضغط سياسي واجتماعي، ولكي يعرف بشكل أدق ماهية خطوط دفاعاتنا وركائزها وتكتيكها، وهذا يدل على نوايا هجومية لديه”، مضيفاً “الحد الأمامي لكافة الأطراف متقاربة، وإمكانية الاشتباك بينها واردة، ولا أعتقد أنهم سيتورطون (النظام والإيرانيون) بهجوم بري كبير، لعدم توفر الظروف المناسبة لهم لذلك”.
وكثرت في الآونة الأخيرة محاولات النظام لتقويض اتفاق سوتشي، وقد افتعل “مسرحية” قصف أحياء في مدينة حلب بغاز سام لاتهام المعارضة بالوقوف وراء ذلك، إلا أن تقارير غربية أكدت أن موسكو والنظام كانا وراء الحادثة التي جرت أواخر الشهر الماضي، لتقويض الثقة بالهدنة، مشيرة إلى أن النظام أطلق الغاز المسيل للدموع على المدنيين في مدينة حلب ونشر معلومات مضللة لإيهام العالم بأن فصائل المعارضة ضربت غازاً ساماً.
ويتضمن الاتفاق الذي بات يُعرف بـ”اتفاق سوتشي” بنداً ينص على استئناف النقل عبر طريقي حلب – اللاذقية، وحلب – حماة، قبل نهاية العام الحالي، وجاء في الاتفاق ما نصه: ستجري استعادة طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب – اللاذقية) وإم 5 (حلب – حماة) بحلول نهاية عام 2018. وأكدت مصادر في المعارضة أنه من المفترض أن يتم فتح الطريقين، مشيرة إلى أنها لا تملك معلومات كافية حول الخطوات التي قام بها الطرفان التركي والروسي في هذا الاتجاه.
وكان قد تمّ اتخاذ قرار بفتح الطرق الدولية في سورية وعلى رأسها حلب -حماة – دمشق، وحلب – اللاذقية، من قبل الدول الثلاث الضامنة لعملية أستانة، روسيا وتركيا وإيران، في محادثات الجولة السادسة التي عُقدت في 14 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2017، ووقّع عليه مفاوضو النظام والمعارضة، إلا أن الظروف لم تتهيأ على الأرض لتنفيذ القرار. وتسيطر المعارضة السورية على أوتوستراد حلب اللاذقية ابتداء من منطقة الراشدين في ريف حلب الغربي، والتي تعتبر منطقة اشتباك، مروراً بمدينتي سراقب فأريحا ثمّ ريف جسر الشغور في ريف إدلب، إلى ريف اللاذقية الشمالي عند منطقة الناجية.
ويُقدّر طول المسافة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة و”هيئة تحرير الشام” (التي تشكل جبهة النصرة عمادها الرئيسي) من الطريق الدولي (حلب – اللاذقية) بنحو 136 كيلومتراً، بعدما كانت تمت السيطرة عليه بشكل تام أواخر عام 2015. ويسيطر اليوم على الجزء العابر في ريف حلب الغربي فصيل “فيلق الشام”، وفي منطقة جسر الشغور يسيطر “لواء صقور الجبل”، أما في ريف إدلب فتسيطر “هيئة تحرير الشام”.
وتنتشر بعض نقاط المراقبة التركية بالقرب من الطريق، ومنها نقطة جبل الشيخ عقيل في ريف حلب الغربي، ونقطة تلّ العيس في ريف حلب الجنوبي، ونقطة الطوقان في ريف إدلب الشرقي، ونقطة الصرمان في ريف إدلب الجنوبي، ونقطة الزيتونة في ريف اللاذقية الشمالي. وعلى طريق حلب – حماة الدولي هناك نقطة مورك في ريف حماة الشمالي، وهي آخر مناطق سيطرة الفصائل باتجاه حماة.
ويُعد فتح الطريقين الدوليين مهماً للسوريين في مناطق المعارضة والنظام، إذ سيستطيع الآتي من حلب إلى دمشق الاستغناء عن الطريق الصحراوي الذي يمرّ من أثريا في ريف حماة الشرقي وخناصر في ريف حلب الجنوبي بطول يزيد على نحو 175 كيلومتراً عن الطريق الدولي، فضلاً عن أنّ الطريق الصحراوي غير آمن، بسبب انتشار عمليات السلب والخطف عليه.
ومن المتوقع أن يزداد زخم عمليات التبادل التجاري في حال فتح الطريقين، وهو ما يسهم إلى حد بعيد في تخفيف الكثير من الأعباء على السوريين في كلا الطرفين، خصوصاً أن استئناف النقل عبر الطريقين يعيد الحياة لمدينة حلب التي تعد المدينة الصناعية الأولى في سورية.
وتسيطر “هيئة تحرير الشام” على جانب من الطريقين الدوليين، وهو ما قد يعرقل فتحهما في الوقت المحدد. وتحدثت مصادر في المعارضة عن تحركات لـ”الهيئة” في الآونة الأخيرة للسيطرة على قسم كبير من الطريقين لتحسين شروط أي اتفاق حولهما مع الجانب التركي والذي من المفترض ان يكون مشرفاً رئيسياً على حركة النقل على هذين الطريقين الأهم في الشمال السوري.
المصدر: العربي الجديد