يتدافع الحديث بالتساوق مع جولة بومبيو في المنطقة عن كون إدارة ترمب تسعى إلى تعزيز مفهوم (تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي لمواجهة نفوذ إيران) في المنطقة، على غرار حلف شمال الأطلسي، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. وكان بومبيو قد أكد للصحافيين في الطائرة: بخصوص الذي يجري الحديث عنه «إنه ائتلاف لدرء التهديدات الكبرى (الإرهاب وإيران) وهي أمور ينبغي علينا العمل بها بشكل مشترك، والتي سنعمل من خلالها على جمع كل الموارد».
لكن السؤال الذي يبقى قائمًا ومشروعًا إلى أي حد يمكن لهذا التحالف أن يبصر النور عمليًا؟ وهل الإدارة الأميركية جادة في ذلك فعلًا لا قولًا؟ وما مدى تجاوب دول المنطقة مع هذا التحالف الجديد؟
الباحث السوري منير الخطيب أكد لجيرون ” أن دعوة الولايات المتحدة الأميركية لإقامة تحالف (شرق أوسطي) جديد، قد أفل نجمها وفقدت المصداقية، إضافة إلى فقدان شروط إنتاج مثل هذا (التحالف)، وذلك لجملة من الأسباب، من أبرزها: أولًا، لم تشكل مرحلة ترامب قطيعة، على مستوى السياسة الخارجية، مع مرحلة أوباما، خاصة في المنطقة العربية، فحافظت على سيرورة الانكفاء والانسحاب وإن بأشكال مختلفة حكمتها شهوة ترامب العارية والمفضوحة لفرض (خوّات)على أنظمة الخليج. فهذا المضمون الإنسحابي للسياسة الأميركية يبطل أي توجه جديد لإنشاء تحالفات. ثانيًا، (أميركا أولًا) هو الشعار الذي رفعه ترمب في حملته الانتخابية، ويطبقه حاليًا تنفيذيًا، والرأي العام الأميركي يدعم هذا التوجه، وبالتالي فإن التكّور على الشأن الداخلي الأميركي يضع قيودًا على سياسة التحالفات الخارجية، ويخضعها لمنطق (أميركا أولًا) في كل الاتجاهات. ثالثًا، تبدو فكرة إنشاء تحالف (شرق أوسطي) جديد، تقوده الولايات المتحدة الأميركية مضحكة في سياق الاستهتار الأميركي المذّل بأحلافها التقليدية: كحلف شمال الأطلسي، وبعلاقاتها مع الدول (الحليفة) لها كدول الخليج وتركيا، فقد استخفت في السنوات الأخيرة بكل حلفائها الأوربيين والعرب وعاملتهم بازدراء، وهذا لن يمر بدون أن يترك آثارًا على مدى جدية أميركا التحالفية. رابعًا، صار واضحًا أن السياسة الخارجية الأميركية في المواقف الكبرى يحددها ترمب بواسطة (التويتر)، وكثيرًا ما ضرب عرض الحائط عبر التويتر بمواقف لوزراء خارجيته ودفاعه، فعندما تقاد السياسة الخارجية للدولة العظمى في التاريخ والعالم عبر (التويتر) أسوة بأخبار الراقصات وبائعات الهوى، تفقد احترامها وهيبتها ووظيفتها الكونية، وتنحدر إلى مستوى (الولدنة) والرعونة، وبالتالي تدفع السياسيين والمراقبين إلى التساؤل المشروع: هل تصريحات بومبيو في القاهرة هي بموافقة ترمب أم لا؟ وهل سنصحو على (تويت) جديد يلغي ما قاله وزير الخارجية الأميركي؟”. ثم أضاف الخطيب قائلًا ” المشكلة الفعلية ليست بإقامة تحالف ( شرق أوسطي) جديد، بل تكمن في تخلي الدولة العظمى عن مهامها الكونية وانحدار سياساتها إلى الميكافيلية العارية والوقحة، فعندما لا يرى ترمب الكارثة السورية، ولا يرى سورية إلا بلدًا ( للموت والرمال )، فهذا موات أخلاقي وإنساني في سياسات الدولة العظمى، لا ينقذه أي تحالف جديد، لن يكون إلا تكرارًا للتحالف الدولي شرق الفرات، أو للتحالف الدولي في اليمن، مجرد إعلان أسماء بدون مضامين وبدون فعالية. وأنا أخشى أن يكون مؤتمر بومبيو الصحفي في القاهرة هو مظهر من مظاهر الصراع بين (الدولة العميقة) والبيت الأبيض ليس أكثر! وأعتقد أن (حلفاء) أميركيا العرب أدركوا في السنوات الماضية مرارة (صداقة) أميركا في عهدي أوباما وترمب، أوباما قال بوضوح أنا سأنسحب من الشرق الأوسط، ترمب أكد ذلك وأضاف أنا مستعد للحماية مقابل المال! هذا ليس منطق أحلاف وتحالفات ومصالح دول وأمم، هذه (بلطجة) رخيصة، تصبح معها فكرة أي تحالف جديد على المحك”. ثم أردف مشيرًا إلى أن” قول بومبيو: (إن من أهداف التحالف الجديد هو تحجيم إيران والقضاء على داعش)، أصبح فاقدًا للمصداقية بعد كل ما فعلته أميركا موضوعيًا وذاتيًا في دفع التمدد الإيراني في المنطقة وفي انطلاق الإسلام السياسي. إن التصدي لإيران وداعش يحتاج إلى سياسة أميركية كونية أبعد من مجرد (أحلاف) هدفها الابتزاز المالي أولاً، وتغطية الخلافات الداخلية الأميركية ثانيًا، واستخدامها (ترانزيت) مؤقت في صراع أميركا الأساسي مع الصين وروسيا ثالثًا.”
أما الكاتب السوري موفق زريق فقال لجيرون ” أميركا أطلقت الثور الايراني لنطح الُّسنة وتفجير الفوضى الخلاقة، وبعد أن تم ما تريد لجمه كما فعلت مع صدام. والغرب يدرك تمامًا حجم التناقضات في المنطقة وبالتالي الاستراتيجية الكبرى هي تفجير هذه التناقضات وإحلال الصراعات الداخلية بديلًا عن الصراع مع إسرائيل/ الصراع الحقيقي، وأخطر تناقض معروف في تاريخنا هو التناقض السني/ الشيعي هذا أولًا، وثانيًا هم يعرفون من تاريخ المنطقة وبنيتها أن البنى الطائفية والعرقية هي البنى الأساسية الحقيقية وهي العوامل الأكثر قوة وتأثيرًا، ويعني ذلك أن العامل الديني والطائفي يعلمون حجمه وقوته جيدًا. بهذا السياق كانوا مع قيام الثورة الشيعية وأنا أعتقد أنهم لعبوا دورًا في انتصار الثورة الشيعية في إيران، وأيضًا إطلاق (كما اعترف محمد ابن سلمان) إطلاق الطاقة السلفية والمشروع السلفي السني، وهكذا تستكمل الفوضى الخلاقة عناصر انفجارها”. ثم نبه زريق إلى أنه ” بهذا المعنى لإحداث هذه الفوضى كان لا بد من التخلص من نظام صدام اللاطائفي، حقيقة هو استبدادي نعم، لكن غير طائفي، والتخلص من العراق لإطلاق الدور الشيعي الإيراني، حتى يشتبك مع نطح السنة أو حركة سنية سلفية، وهذا ما تم وأنجز وأعتقد الآن المطلوب إعادة التوازن في المنطقة ورد إيران كما قاموا برد صدام عن الكويت، و يعملون على رد إيران وتحجيمها وإعادة رسم المنطقة من جديد، وبالتالي أعتقد أنهم ليس فقط سوف ينجحون، بل هم نجحوا، وعناصر هذا التحالف أصبحت واضحة مصر السعودية ، وأعتقد أن تركيا هي جزء من هذا التحالف رغم كل ما يجري بين تركيا وقطر والسعودية ولكن هذه تناقضات صغيرة في إطار المشروع الأكبر”.
الدكتور خليل سيد خليل نوه إلى أن ” هذا التحالف الدولي ضد إيران الذي تسعى إليه الولايات المتحدة الأميركية الذي تحدثت عنه المتحدثة باسم وزارة الخارجية، ووزير الخارجية مايك بومبيو والذي يضم مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى مصر والأردن، هذا التحالف الدولي ضد إيران هو تقوية للكيان الصهيوني بالدرجة الأولى بتصفية قضية فلسطين ووضع أموال العرب التي يتحكم بها حكام الخليج تحت تصرف إسرائيل، لنهبها واستخدامها لتمويل خططها لضرب إيران وارتكاب المجازر ضد أبناء الأمة العربية”.
الطبيب السوري معتز زين قال لجيرون ” الكثير من الأحداث التي شهدتها المنطقة في الفترة الأخيرة سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الداخلي لكل دولة تدفع أي متابع للاعتقاد أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة مليئة بالمفاجئات والأحداث المفصلية التي ستغير وجه المنطقة. الأمر الذي يقتضي حدوث ترتيبات وتفاهمات وإعادة هيكلة للتركيبة السياسية وربما الديموغرافية والثقافية للمنطقة. ضمن هذا السياق ربما يكون هذا التحالف مطروحًا بشكل جدي.” وشكك زين كثيرا أنه فيما لو حصل سيكون ” موجهًا ضد إيران. لقد أثبتت العقود الماضية أن كل ما فعلته أميركا في المنطقة كان يصب عمليًا في خدمة إيران. وأن كل من أميركا وإيران يقبضان من تحت الطاولة ثمنًا كبيرًا لعدائهما المعلن فوقها. هذا التحالف إن شهد النور فهو يستهدف تركيا العدالة والتنمية. إنه سيحاول تحقيق ما فشلت الانتخابات والانقلاب بتحقيقه.”
أما السياسي السوري المعارض محمد عمر كرداس فقد أشار في حديثه إلى جيرون أن ” أميركا تسعى إلى تشكيلة عسكرية على غرار حلف الأطلسي وعلى غرار الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة من جنود حلفائها، والأصح عملائها، ومن المرتزقة الممولين من هؤلاء الحلفاء لتنفيذ أجندتها الخاصة، والتي منافية لمصالح المنطقة وشعوبها. فأميركا عدوة الشعوب وما تسعى إليه حاليًا بعد ملء الفراغ بغياب (الاتحاد السوفييتي) هو دعم حلفائها من الأنظمة المستبدة والمستأثرة بالسلطة والثروة لمصالح عوائل ومجموعات لا علاقة لها بمصالح شعوبها. ولقد لجأت كل الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة إلى هذه الأشكال مع اختلاف التسميات. فرنسا احتلت سورية بالفرقة الأجنبية المشكلة من جنود المستعمرات الأفريقية، وبريطانيا كان لها أيضًا جيوشها الأجنبية.”. ثم قال كرداس ” إن هدف هذا التحالف كما صرح بومبيو نفسه هو حماية إسرائيل ومحاصرة إيران وتركيا التي هي شريكة أميركا في الحلف الأطلسي وذلك بتمويل خليجي، وأيضًا لتشكيل المنطقة من جديد بخلق كيانات طائفية وثنية تكون بؤرة للصراعات المستمرة، إن هذه التحالفات محكوم عليها بالفشل، فالتحالف في اليمن منذ عام 2015 ومع تجنيده للأطفال السودانيين والأفارقة وحشد الجيوش والقوى الجوية والبحرية والمليارات لهذا التحالف لم يحقق لليمن إلا الخراب والدمار في بنيته التحتية والإنتاجية، وقتل وتشريد وتجويع أهله، ولن يحقق أكثر من ذلك، إلا المليارات لأميركا المزودة بأدوات القتل.” ثم أضاف ” أميركا ليست جادة بما تقوم به إلا بما يحقق مصالح إسرائيل، وحصار إيران غير مجد بعد استمراره لأربعين عامًا، وإيران تقوى وتتمدد، ولكن لا مانع عندها من تحالف يجلب لها المنافع المالية المكدسة في بنوكها والمنافع الاعلامية وحماية إسرائيل. وأتصور أن هناك تردد عند بعض الأنظمة للاشتراك في هذا التحالف كالنظام المصري الذي تعول عليه أميركا، أما الشعوب التواقة للحرية والعدالة فمشروعها مختلف وطريقها معاكس. إن التخبط الظاهر في قرارات ترامب مرده إلى أجندات انتخابية وإعلان أن أميركا أولاً مع حرصه على الهيمنة العالمية التي بدأت تتهاوى بفعل بروز دول كبرى منافسة وللزمن دورته التي لايمكن معها التحايل”.