إبراهيم درويش
“جولة مايك بومبيو المعادية لإيران تواجه معوقات في الشرق الأوسط العنيد” عنوان تقرير أعده كل من إدوارد وونغ وبن هبارد لصحيفة “نيويورك تايمز” ، مقيما فيه زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بوميبو إلى السعودية. وقالا إن رحلة “العصف الدماغي” التي أخذته إلى ثماني دول في أسبوع واحد كان يحمل بومبيو معه رسالة واحدة وهي: “الحاجة لمواجهة التهديد الأعظم على الشرق الأوسط، وهو النظام الإيراني وحملاته الإرهابية والتدميرية” كما وضح في خطابه الذي ألقاه يوم الخميس في القاهرة.
فمن عاصمة إلى عاصمة ولقاء بعد لقاء مع الملوك والأمراء والرؤساء، قد كان هدفه الرئيسي دفع الدول العربية للعمل معا والحد من التأثير الإيراني في المنطقة والتصدي للميليشيات التي تدعمها إيران. ومع نهاية الجولة يوم الإثنين فليس من الواضح إن كان قد حقق اي تقدم واضح على هذه الجبهة، خاصة أن التحديات على هذه الجبهة ضخمة. وتنقل الصحيفة عن مسؤولين ومحللين في المنطقة قولهم إنه من الصعوبة بمكان دفع الدول العربية العمل معا ضد إيران وسياساتها بسبب تعقد العلاقات في المنطقة. فالميليشيات التي ترعاها إيران بالمنطقة تتراوح حجما وقوة من مكان لآخر، فحزب الله يعد كتلة مؤثرة في الحكومة فيما تعمل الميليشيات المسلحة في سوريا على أكثر من جبهة في محاور الحرب. وفي الجنوب العراقي الغني بالنفط تتمتع هذه الميليشيات بتأثير لا ينافسها عليه أحد. ولم تستطع إدارة دونالد ترامب تنسيق عمليات مواجهة إيران إلا من خلال جبهة العقوبات الاقتصادية التي أعادت وفرضتها بعد قرار دونالد ترامب الخروج من الاتفاقية النووية التي وقعها سلفه باراك أوباما وعدد من الدول مع طهران للحد من برامجها النووية. وخلافا لنصيحة مستشاري الأمن القومي قرر ترامب الشهر الماضي سحب قوات أمريكية قوامها ألفي جندي من شرق سوريا متخليا في ذلك عن ورقة نفوذ مهمة ضد الوجود الإيراني-وهو الهدف الذي كان يطلب بومبيو من الشركاء العرب العمل ضده في المنطقة.
وفوق كل هذا لم يقدم بومبيو أي توضيح حول كيفية القيام بمهمة التصدي لإيران. فعندما سئل يوم الإثنين عن الطريقة التي ستواجه فيها الدول العربية إيران لم يقدم أي توضيح سوى قوله إن إيران تهدف للسيطرة على خمس عواصم عربية. في إشارة إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن وإيران نفسها. وأن الولايات المتحدة تهدف للتأكد من سيطرة الإيرانيين على عاصمتهم والتحول إلى أمة عادية لا تقوم بحملات إرهابية لا مثيل لها في العالم. وبشكل عام فقد حظيت رسالة بومبيو بالترحيب في الدول العربية السنية التي تتعامل مع إيران الشيعية كتهديد.
وأشارت لتصريحات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع بومبيو “لدينا مشاكل مع سياسات إيران التوسعية في المنطقة”. وقال “كل الدول العربية وأعتقد أن الولايات المتحدة تريد علاقات تقوم على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة الدول الأخرى”. وفي القاهرة قال بومبيو إن مصر وعمان والكويت والأردن “لعبت دورا مهما في إحباط جهود إيران التحايل على العقوبات”. وقال إن البحرين تعمل على مواجهة “النشاطات البحرية غير الشرعية” في المنطقة. ولم يتحدث بومبيو عن مشاركة الدول العربية خارج مناطق الحرب لإرسال قوات تواجه الميليشيات الشيعية إلا أن الولايات المتحدة تركت الباب على مصراعيه لإنشاء تحالف عربي يتحرك إلى شمال-شرق سوريا يحل محل القوات الأمريكية المنسحبة. وعلى أي حال فنشر القوات سيكون غير فاعل كما هو الحال في اليمن. فمنذ عام 2015 فشلت السعودية التي تعد من أكبر الدول إنفاقا على شراء السلاح في العالم من إخراج المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران من عاصمة أفقر الدول العربية، صنعاء. بل وأنتج القتال أكبر كارثة إنسانية في العالم. كما ويعني إنشاء تحالف عربي حل عدد من المشاكل السياسية والعسكرية والاقتصادية بين الدول العربية. ونقلت الصحيفة عن نائب مدير وقفية كارنيغي للسلام العالمي، مروان المعشر قوله “لو تحدثت عن التنسيق في مجالات معينة فهو موجود، ولكن إن أردتا الحديث عن تحالف عسكري أو ناتو عربي فأعتقد أنها غير عملي” خاصة أن “العناصر ليست متوفرة”. وذكر عدة أسباب تقف ضد الفكرة منها الخلافات بين الدول نفسها مثل السعودية وقطر وعدم القدرة على دمج الجيوش العربية وغياب بنية القيادة الموحدة والتباين في تعامل الدول العربية مع التهديد الإيراني. وأضاف “لا أعتقد أن دولا عربية صغيرة مثل الأردن قادرة على المشاركة في تحالف عسكري”. وقال “لا تنظر الدول العربية لإيران بنفس الطريقة. وهذا غير المشاركة في تحالف عسكري. ولا أعتقد أن هذه فكرة ستحظى بدعم بين الدول باستثناء السعودية”.
وتقود السعودية والإمارات العربية المتحدة الحملة ضد إيران. وشبه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مرشد الجمهورية الإسلامية بهتلر الشرق الأوسط بل وهدد بنقل المعركة إلى داخل إيران. وتصريحات كهذه قربته للتيار المتشدد في داخل إدارة ترامب والداعي لتغيير النظام في إيران. وهناك دول مثل مصر والأردن تتعامل مع إيران كعدو إلا أنه عدو لا يمثل تهديدا مباشرا وسيتردد البلدان في المشاركة في مواجهة مباشرة ضد إيران. وينسحب الأمر على دول الخليج الصغيرة مثل البحرين والكويت وعمان وقطر والتي تحافظ على علاقات دبلوماسية مع إيران وستتردد في المشاركة بأي عما عدواني ضدها. وفي الوقت نفسه يسيطر على العراق الشيعة العرب المرتبطين بعلاقات دينية وثقافية واقتصادية مع إيران. وطالب ترامب القادة العراقيين بقطع علاقاتهم الاقتصادية مع إيران وطلب من الدول العربية تقديم المساعدة للعراق. وكانت هذه هي رسالة بومبيو “هناك عدة طرق اقتصادية لمساعدة العراق الوقوف على قدميه بشكل يسمح له استقلالية وأكثر سيطرة وسيادة”. وفي الوقت الذي اتخذت فيه الحكومة العراقية خطوات لتخفيف العلاقة إلا أنه قاوم أي محاولة لجعله جزءا من حملة للهجوم على دولة أخرى كما قال عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء العراقي.
المصدر: القدس العربي