سامي خليفة
لا تتوقف الحكومة السورية عن الادعاء بترحيبها لعودة اللاجئين من مواطنيها في الخارج إلى بلادهم. إلا أن قوافل العودة “الطوعية” التي أحدثت جدلاً سياسياً كبيراً في لبنان، حول مدى صدقية الوعود أو الضمانات، التي يطلقها النظام السوري، بعدم المسّ بأي لاجئ، ترتسم حولها علامات استفهام كثيرة، مع انتشار معلومات جديدة عن سوداوية المصير، الذي يواجهه اللاجئون السوريون العائدون من لبنان ودول أخرى.
الاختفاء
مع اقتراب الحرب السورية من نهايتها، يجري تشجيع السوريين على العودة إلى بلادهم، من قبل بعض البلدان، التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين (مثل لبنان وألمانيا)، لكن الذين يفعلون ذلك يجدون، حسب تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، أن الاضطهاد الذي تسبب لهم بالفرار لم يختف. وما اختفى كان بعض السوريين الذين عادوا إلى سوريا مؤخراً. وهذا ما يُعد تذكيراً صارخاً بالأخطار التي يواجهها اللاجئون.
تحدثت المجلة الأميركية مع أقارب اثنين من السوريين، اللذين حاولا العودة إلى سوريا، إلى جانب نشطاء زعموا أن هناك الكثيرين ممن عانوا مصيراً أسود، بعد العودة أو تم تجنيدهم في الجيش. وتبدأ المجلة بسرد قصة الشاب “آسير”، الذي اختار العودة إلى سوريا قادماً من ألمانيا، بعدما عجز عن مواجهة العقبات البيروقراطية، التي منعته من اصطحاب خطيبته من سوريا.
بعد وصوله إلى دمشق بأسبوعين، تم استدعاء “آسير” للاستجواب في مقر المخابرات. اتصل بأسرته وأخبرهم أنه سيعود سريعاً إلى المنزل، لكنهم لم يسمعوا منه شيئاً مرة أخرى. وقد ذكرت عائلة “آسير” للمجلة أنها دفعت أموالاً إلى وسيط، اكتشف أن ابنهم تم احتجازه. وتلك الطريقة التي وصلوا بها إلى معلومات حول ابنهم، باتت شائعة لجمع المعلومات حول المفقودين، لأن المسؤولين السوريين الرسميين لا يصدرون أي معلومات بشأن أمور كهذه.
الحدود اللبنانية-السورية
تُكمل المجلة سرد تفاصيل مخاطر العودة اليوم إلى سوريا، وتتحدث عن حالة الشاب “ياسم” الذي غادر ألمانيا وفق الظروف ذاتها واختفى مثل أسير. كان “ياسم”، يعيش في ألمانيا، لكنه لم يستطع الحصول على الأوراق اللازمة لإحضار زوجته إلى ألمانيا. فكل الوثائق أُتلفت في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، جنوبي دمشق، وذلك خلال قتال بين النظام السوري والمعارضين.
يقول محمد، أحد أقارب “ياسم” للمجلة، أنه بعد مغادرة “ياسم” لألمانيا تم اعتقاله بالقرب من الحدود اللبنانية-السورية. ولم يعرفوا أي شيء عنه بعد ذلك، مضيفاً أن “ياسم” واجه صعوبات في التكيف مع الحياة في ألمانيا من دون زوجته ياسمين، فثقافة ألمانيا غريبة عنه، ولم يستطع التعامل معها.
القسري والطوعي
من جهته، يقول أحمد حسين، وهو رئيس تنفيذي لمجموعة عمل تُعنى بشؤون الفلسطينيين في سوريا، وتتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، للمجلة، أن هناك ثلاثة أشخاص على الأقل عادوا إلى سوريا من لبنان اختفوا أيضاً. وبينما تدعي الحكومة اللبنانية أن 110 آلاف سوري قد عادوا طواعية إلى سوريا في العام الماضي – إلا أن الرقم الرسمي للمفوضية هو 17 ألفاً وحسب. وفي هذا الإطار تعقّبُ إيلينا هودجز، وهي باحثة في منظمة “سوا للتنمية” ومقرها بيروت، على الأرقام التي أصدرتها الحكومة اللبنانية، بوصفها مبالغاً بها. وأن التأكيد على أن اللاجئين غادروا “طواعية” يشكل قضية مثيرة للجدل، حول وضع الخط الفاصل بين “القسري” و”الطوعي”.
تضيف المجلة أنه منذ بداية الحرب السورية، اعتمد لبنان سياسة من الصعب على أكثر من مليون لاجئ سوري تحمّلها والبقاء في البلاد. وفرض قيوداً على التوظيف، وجعل من العسير والمكلف الحصول على الإقامة القانونية. وعلى الرغم من أن معظم السوريين في لبنان ما زالوا يعتقدون أن العودة غير آمنة، يقول البعض إنهم يفعلون ذلك، فقط لأنهم يجدون استحالة في العيش بظل الظروف البائسة المسموح لهم بها.
وفي هذا السياق، تقول إيلينا هودجز للمجلة، بأن الحكومة اللبنانية أشارت إلى إن عودة اللاجئين السوريين حتى الآن كانت “طوعية”، إلا أن الضغط المتزايد على اللاجئين للعودة، إلى جانب الظروف المتدهورة في البلدان المضيفة، والمخاطر التي لا هوادة فيها بسوريا، توضع في السياق الذي تكون فيه العودة غير طوعية.
وتختم المجلة بالقول إن الجهاز الأمني للنظام السوري، المتهم بارتكاب التعذيب، وآلاف من الاعتقالات غير القانونية، وعمليات القتل خارج نطاق القضاء ما زال قائماً. وأن الدول المضيفة، التي تحرص على تلبية مطالب ناخبيها، تبدو وكأنها غير معنية بالمخاطر التي قد يتعرض لها العائدون إلى سوريا.
جدل لبناني
انطلاقاً من الكلام الذي ذكرته المجلة الأميركية عن التشكيك في سياسة لبنان، حول العودة الطوعية للاجئين إلى سوريا، من المحتمل أن يشكل استلام صالح الغريب وزارة الدولة لشؤون النازحين، المرتبطة بالسوريين مباشرةً، جدلاً أكبر في لبنان خلال الأسابيع المقبلة، خصوصاً مع ارتباط هذا الملف بالتطبيع مع النظام السوري، وتلميح حلفاء الغريب بأن حل أزمة النزوح بات قريباً، من دون ذكر التفاصيل.
يشهد لبنان منذ فترة نقاشاً حامياً حول وضع اللاجئين، بين من يرى أنهم يشكلون عبئاً كبيراً على الاقتصاد، وبالتالي، يجب إعادتهم فوراً إلى سوريا، وبين من يقول إن لا باب لحل الموضوع على الصعيد المحلي. فضلاً عن عدم الثقة بالنظام السوري، الذي قد يضطهد كل من يعود إلى بلده. وقد تجسد هذا الخلاف في مشهد استثناء وزارة الدولة لشؤون النازحين من مراسم التسلم والتسليم.
وعلى الرغم من أن البيان الوزاري لحكومة “إلى العمل”، والذي سيتم مناقشته مطلع الأسبوع المقبل، من قبل المجلس النيابي، لتنال الحكومة الثقة على أساسه، يضم بنداً يتعلق بموضوع النزوح السوري، والتأكيد على أن الحل الوحيد هو عودة النازحين الآمنة إلى بلدهم، ورفض أي شكل من أشكال اندماجهم أو توطينهم، وتأكيده الترحيب بالمبادرة الروسية، إلا أن هذا الملف سيحمل في طياته الكثير من التعقيدات الداخلية والتدخلات الدولية التي قد تتحول إلى أزمة مفتوحة.
المصدر: المدن