هبة محمد
بالتوازي مع محاولة موسكو دمغ صفة الإرهاب بآخر معقل للمعارضة السورية، في محافظة إدلب والارياف الملاصقة بها، وحديثها المتكرر عن «ضرورة محاربة محمياته» شمالاً كما ورد على لسان نائب وزير الخارجية الروسية، بالتناغم السريع مع سيطرة «هيئة تحرير الشام» على المنطقة، يترجم مراقبون معارضون للنظام السوري التصريحات الروسية بأنها تهدف إلى تشكيل مزيد من الضغط السياسي على أنقرة بما يتناسب مع المصالح الروسية، قبل المباحثات المقبلة في سوتشي منتصف الشهر الحالي.
وفي آخر تصريح روسي رسمي، قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، إن موسكو لا يمكنها أن تسمح بوجود «محميات» للإرهاب في سوريا» لافتًا إلى وجوب «القضاء على الإرهاب عاجلاً أم آجلاً» وقال فيرشينين لوسائل الإعلام الروسية: «إدلب هي آخر منطقة عاملة بين مناطق خفض التصعيد الأربع التي تم إنشاؤها في عام 2017، واصفاً اتفاقيات مناطق خفض التصعيد بـ»التدبير المؤقت، وهذا يعني أن لا أحد سيعترف بهذه المنطقة على هذا النحو إلى الأبد».
رفض الرؤية الروسية
وتقتضي المصالح الروسية تكثيف جهودها العسكرية والدبلوماسية من أجل إعادة سيطرة النظام السوري على آخر منطقة خارجة عن ادارته شمالاً، إلا أن استجابة أنقرة للرغبة والمصالح الروسية أمر نسبي، برأي حلفائها من المعارضة السورية، ممن يتطلعون إلى قدرة ضامنهم الدولي على تحقيق نجاح في المباحثات المنتظرة منتصف الشهر الجاري في مدينة سوتشي الروسية، تُحسم بكسب ملف إدلب لصالحهم، والتكفل بنقل المدينة وما حولها من أرياف حلب وحماة واللاذقية إلى حالة أكثر استقراراً ضمن المناطق الآمنة مثل درع الفرات وعفرين، لأسباب واقعية تتعلق بالأمن القومي التركي من حيث تأمين العمق الأمني لمناطق درع الفرات وعفرين، وإقامة منطقة جغرافية مستقرة على الحدود، وذلك بالرغم من ادارك المعارضة احتمال ميل انقرة باتجاه السيناريو الروسي مقابل صفقة أوسع بين الجانبين تشمل إعادة صياغة اتفاق أضنة او ترسيخ مسافة محددة في عمق الحدود تحت الضمانة التركية.
وفي ضوء توفير شروط المعركة المؤجلة، شكك المتحدث الرسمي باسم الجيش الوطني الرائد يوسف حمود بجدية أي هجوم محتمل ضد منطقة ادلب، لافتاً إلى ان سيطرة هيئة تحرير الشام التي تقودها النصرة على إدلب، هو ملف أثاره الطرف الروسي بعد وسم إدلب بصفة الإرهاب رافضاً الرؤية الروسية بمحاربة التنظيمات القاعدية في إدلب، وتوليد عمل عسكري هناك بحجة محاربة الإرهاب خشية وقوع كارثة إنسانية بذريعة وجود تلك المنظمات، خصوصاً بعد حشر آلاف المدنيين وتهجيرهم إلى إدلب من باقي المناطق والمدن السورية، لافتاً إلى إمكانية توليد موجة نزوحٍ جديدة، على غرار ما حصل في العام 2015.
وبالنسبة لما يتم الحديث عنه حول عمل عسكري روسي- تركي مشترك في ادلب، توقع القيادي في المعارضة لـ»القدس العربي» ان تقتصر المشاركة التركية – إن حصلت المعركة – على تقديم معلومات والتنسيق باستخدام المجال الجوي بعيدًا عن أي عمل مشترك عبر الضربات الجوية أو الاقتحام البري.
وأعرب الرائد حمود، عن ثقته بأنقرة حيال ملف ادلب، قائلاً «لا أعتقد بأن تكون هناك عمليه في ادلب وريفها تؤدي إلى اقتطاع مناطق من المناطق المحررة، واتوقع قدرة الجانب التركي من كسب ملف ادلب والتكفل بنقل المدينة إلى الحالة الآمنة والمستقرة».
ورفض المتحدث شن أي معركة في ادلب، عازيا السبب إلى ان «الارهاب لم يصبغ المدينة بالكامل، ولا يمكن القول ان المنطقة وقعت تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، بل لاتزال مكونات الجبهة الوطنية للتحرير كافة متواجدة في ادلب قيادةً وعناصرَ وعتاداً وحاضنةً شعبيةً، علاوة على ان اكثر من 95 في المئة هم حاضنة الثورة وفكرها ومبدأها».
تقويض اتفاق إدلب
وانتجت كثافة القصف على منطقة ادلب ومحيطها، إلى حركة نزوح مقلقة في اتجاه الحدود السورية – التركية، في محاولة من الطرف المهاجم للاستفادة من ملف النزوح والضغط على أنقرة ضمن سياسة الأرض المحروقة والمجازر المتكررة بحق المدنيين وكان آخرها في معرة النعمان ومناطق ريف ادلب الجنوبي وحماة الشمالي.
وقال المتحدث باسم الجيش الوطني إنه منذ دخول الطرفين الروسي والايراني واحتواء النظام السوري أصبح الأخير غير قادر على تحقيق التوازنات بين الرغبات الروسية والاهداف الإيرانية في سوريا، مشيراً إلى عجزه عن شن أي عملية عسكرية حتى لو كانت تكتيكية بدون الرجوع وأخذ الأوامر من حلفائه الدوليين، وهو ما يفسر كثافة الهجمات الأخيرة لقوات النظام بالتزامن مع تصريحات موسكو وحديثها عن قلقها حيال «مقاطعة إدلب وتدهور اتفاق منطقة خفض التصعيد» بحجة سيطرة التنظيمات الجهادية على المنطقة.
ومنذ بداية تطبيق اتفاق خفض التصعيد في ادلب، تعمل قوات النظام والميليشيات المتحالفة معها على تقويض الاتفاق وإفشاله من خلال الاستفزازات المستمرة على ريفي إدلب وحماة، وامام هذا الواقع قالت الهيئة السياسية في ادلب ان القوات المهاجمة استهدفت بالهجمات الصاروخية المدن المحررة على عمق 30 كيلومتراً داخل مناطق خفض التصعيد مستخدمة صواريخ ارض – ارض المدمرة، ما اسفر عن وقوع اكثر من 50 ضحية من المدنيين، وارتكاب العديد من المجازر وخاصة في مدن جرجناز ومعرة النعمان فضلاً عن نزوح 200 ألف نسمة من السكان خلال أشهر الشتاء الحالي.
وطالبت الهيئة في بيان لها امس، الحكومة التركية بتحمل مسؤوليتها في منطقة خفض التصعيد لوقف خروقات النظام وشركائه، داعية المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية إلى التحرك لمنع النظام السوري من تهجير اكثر من نصف مليون نسمة وتهديم البنية التحتية في المنطقة وتحويلها إلى دمار.
تكثيف القصف
وذكر ناشطون في ريف إدلب، أن قوات النظام المتواجدة في قرية أبو دالي جنوب شرق إدلب، قصفت الأحياء السكنية في تلمنس براجمة الصواريخ، ما أدى لإصابة امرأة ورجل بجروح متفاوتة، نقلا على إثرها إلى نقطة طبية قريبة. وأضاف النشطاء أن قوات النظام المتمركزة في نقطة أبو دالي استهدفت قرية معرشمارين بالقصف المدفعي والصاروخي، ما أدى لجرح مدنيين بإصابات خفيفة.
كما أعلن الائتلاف السوري المعارض مقتل ثمانية مدنيين وجرح آخرين خلال اليومين الفائتين في منطقة وادي العزيب، شرق مدينة حماة، نتيجة انفجار مخلفات قوات نظام الأسد، وجرح أربعة مدنيين بينهم امرأة، بقصف مدفعي وصاروخي لقوات النظام على قريتي تلمنس ومعرشمارين جنوب مدينة إدلب.
وأفاد ناشطون في ريف حماة، أن قنابل عنقودية من مخلفات قصف طيران سابق للنظام وروسيا انفجرت في حقل زراعي ومكان لرعي الأغنام، ما أدى لمقتل الأشخاص الثمانية من رعاة المواشي والمزارعين وإصابة آخرين بجروح طفيفة.
وكان الائتلاف قد أدان في بيانٍ له، الغياب الكامل للمجتمع الدولي وانقطاعه عن ما يجري على الأرض بالشمال السوري، حيث يستمر القصف العشوائي من قبل قوات النظام والميليشيات الإيرانية بتغطية روسية في خرق لاتفاق إدلب.
المصدر: القدس العربي