أحمد الإبراهيم
تقترب الأمم المتحدة أكثر من إعلان تشكيل اللجنة الدستورية السورية، التي يُفترض بها أن تعدل الدستور السوري الحالي، أو تكتب دستوراً جديداً، وتضم ممثلي النظام والمعارضة والمجتمع المدني، وذلك مع تسريب أسماء القائمة الثالثة في اللجنة التي تمثّل المجتمع المدني. ومن المفترض أن تكون هذه القضية على رأس أولويات اجتماع قادة الثلاثي الضامن في سورية (روسيا وتركيا وإيران) المنتظر في سوتشي الروسية يوم 14 فبراير/شباط الحالي، وفي حال المصادقة على القائمة الثالثة، ستكون اللجنة الدستورية التي تضم 150 عضواً قد باتت جاهزة للشروع في عملها. مع ذلك، تبقى جملة أسئلة حول اللجنة الدستورية بلا إجابات حتى اليوم، خصوصاً ما يتعلق بنظامها الداخلي، ورئاستها، وطريقة التصويت واتخاذ القرارات فيها، وما إذا كانت ستعمل على صياغة دستور جديد، أم ستكتفي بتعديل الحالي، وكيفية عرض هذا الدستور على الاستفتاء قبل أن يدخل حيز التنفيذ، وما إذا كان الاستفتاء سيشمل كافة السوريين في الداخل والخارج.
كذلك يُتوقع أن تشهد أعمال اللجنة خلافات جوهرية وعميقة، إذ يصرّ النظام على إجراء تعديلات طفيفة على دستور وضعه في العام 2012 يمنح الرئيس سلطات مطلقة، في المقابل تصرّ المعارضة على وضع دستور جديد يقلّل من صلاحيات الرئيس، ويحدّد الجهات المخوّلة بالسيطرة على الجيش والأجهزة الأمنية، التي هي اليوم أدوات قمع بيد الرئيس، في ظلّ غياب أي صلاحية للحكومة والبرلمان في ذلك. كما تسعى المعارضة إلى تقليص فرص مشاركة رئيس النظام بشار الأسد في أي انتخابات مقبلة، وفق الدستور الجديد، الذي ترى أنه “لا بدّ من طرحه للاستفتاء الشعبي”، وأن تجري مفاوضات حول الانتقال السياسي بالتوازي مع أعمال اللجنة الدستورية. بينما تتلاقى رؤى المعارضة والنظام حول العديد من القضايا في الدستور المقبل، خصوصاً على صعيد هوية الدولة العربية، ورفض ما يُسمّى بـ”اللامركزية” التي يطالب بها أكراد سورية، ويرى الطرفان أن الدستور يجب ان يخلو من أي مواد قد تدفع باتجاه تقسيم البلاد.
ويأتي الكشف عن أسماء القائمة الثالثة، بعد تعطيل متعمّد من النظام وداعميه (الروس تحديداً) على مدى عام كامل، في محاولة لم تنجح للقفز فوق استحقاقات فرضتها قرارات دولية، في وقت يرى فيه محللون أن الأمل ضئيل في إحداث اختراق مهم من خلال اللجنة الدستورية، معتبرين أن السوريين أُخرِجوا من عملية تقرير مصير بلادهم. كذلك دلت الأسماء الواردة في القائمة المسربة، على أن الغلبة في القائمة الثالثة ستكون للنظام والمقربين منه، بما يطرح تساؤلات عن قبول المعارضة بالأسماء المطروحة، علماً أن النظام كان قد رفض أي دور للأمم المتحدة في اختيار أسماء أعضاء اللجنة.
وجرى، أمس الأحد، تداول قائمة أعضاء المجتمع المدني في اللجنة الدستورية، بعد تأخير دام لشهور بسبب محاولة النظام القفز فوق مبدأ تغيير الدستور الذي وضعه في عام 2012، لكن مصادر في الهيئة العليا للتفاوض، التابعة للمعارضة، أوضحت لـ”العربي الجديد”، أن القائمة المتداولة لم تصدر رسمياً حتى الآن عن الأمم المتحدة، رافضة التعليق عليها قبل ان تُعلن من قبل المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون بشكل رسمي.
وضمت القائمة الثالثة المسربة: إبراهيم دراجي، إنصاف أحمد، إنعام إبراهيم نيوف، إيمان شحود، أحمد شبيب، أحمد طالب الكردي، أنس جودة، بشير محمد القوادري، ترتيل تركي درويش، جافيا علي، جمانة قدور، حازم يونس قرفول، خالد عدوان الحلو، دلشا أيو، دورسين حسين الأوسكان، ديانا جبور، رغدان زيدان، رياض الداوودي، ريم تركماني، ريم منصور الأطرش، رئيفة سميع، سام دلة، سامي الخيمي، سليمان القرفان، سمر جورج الديوب، سوسن زكزك، صباح الحلاق، صابر بلول، عارف الشعال، عبدالأحد سمعان خاجو، عبود السراج، عصام التكروري، عمار منلا، عمر عبد العزيز حلاج، فاروق حجي مصطفى، فائق حويجة، مازن درويش، مازن غريبة، محاسن فاتح، محمد خير أيوب، محمد غسان القلاع، ماهر ملاندي، محمد ماهر قبليبي، منى اسبيرو سلوم، منى فضل الله عبيد، موسى خليل متري، ميس كريدي، رشا الحلاح، ناريمان أحمد، نهى الشق، هادية قاوقجي (العمري)، هدى المصري، هشام الخياط.
يشار إلى أن القائمة المنشورة، تضم 53 اسماً، وقد يكون تم إضافة ثلاثة أسماء إضافية، كأسماء احتياطية، في حال اعتذار البعض، في حين أنه لم تحدد الأمم المتحدة حتى اليوم، ما إذا كانت اللجنة الدستورية ستضع دستوراً جديداً للبلاد، أو أنها ستجري تعديلات للدستور القائم حالياً، الذي وضعه النظام عام 2012. وفي كل الأحوال، فإن الدستور الذي ستخرج به اللجنة، من المفترض أن تجري على أساسه انتخابات يأمل المجتمع الدولي أن تكون بوابة حل سياسي جاد للقضية السورية.
وفي قراءة للأسماء الواردة في هذه القائمة، يتضح أن نحو 26 عضواً تابعون للنظام السوري، أبرزهم رجل القانون إبراهيم دراجي، وسامي الخيمي الذي كان سفير النظام في بريطانيا، والكاتبة والصحافية ديانا جبور، إضافة إلى إنصاف أحمد التي تنشط في مجالات تخص المرأة في مؤسسات النظام، ورجال أعمال مساندين للنظام بقوة أمثال محمد غسان القلاع، ورياض الداوودي. كما ضمّت القائمة أسماء تدّعي الانتماء إلى المعارضة الداخلية التي تقف إلى يمين النظام برفض مطالب المعارضة في التغيير الجدي والعميق، أبرزها ميس كريدي التي قضت فترة في العمل مع المعارضة ثم عادت إلى دمشق لتنخرط في العمل (المعارض) تحت سقف النظام الذي يرفض مبدأ الانتقال السياسي. وضمت القائمة عدداً من العاملين في مجال المجتمع المدني التابع للمعارضة أمثال مدير المركز السوري لحرية التعبير مازن درويش. كما ضمت القائمة عدداً من شخصيات ما يُسمّى بـ”التيار الثالث” الذي يميل أكثر إلى النظام السوري.
وكانت المعارضة قد قدّمت قائمة أعضائها الخمسين في اللجنة الدستورية للأمم المتحدة العام الماضي، ويُفترض أن يعقد أعضاؤها أول اجتماع لهم في العاصمة السعودية الرياض مطلع الشهر المقبل لـ”التباحث”، وفق مصدر في الهيئة العليا للتفاوض. وتضم هذه القائمة شخصيات من مكوّنات الهيئة العليا، وهي الائتلاف الوطني السوري، ومنصتا القاهرة وموسكو، إضافة إلى هيئة التنسيق الوطنية (معارضة الداخل) وعسكريين ومستقلين.
كما قدّم النظام السوري تحت ضغط روسي، في أواخر مايو/أيار من العام الماضي، قائمته إلى المبعوث الدولي، والتي ضمّت أعضاء وفد النظام التفاوضي إلى جنيف، ما عدا رئيس الوفد بشار الجعفري، بالإضافة إلى عدد كبير من أعضاء حزب “البعث” الحاكم.
وعطّل النظام تشكيل اللجنة الدستورية أكثر من عام كامل تحت حجج ترى المعارضة أنها “واهية، والهدف منها تمييع القضية السورية والقفز فوق القرارات الدولية ذات الصلة”. وترى المعارضة أن هناك الكثير من العقبات لا تزال بلا حل للمضي قدماً في مسألة كتابة دستور دائم للبلاد.
وقال رئيس منصة القاهرة، فراس الخالدي، في حديث مع “العربي الجديد”، إن المفاوضات حول تشكيل اللجنة “لا تزال حتى اللحظة قائمة”، مضيفاً: “الخلاف على الثلث الثالث، وهناك أيضاً معضلات أخرى لن تكون أقل تعقيداً”. وتابع بالقول: “نحن في المعارضة السورية أكان على صعيد منصة القاهرة، أم هيئة التفاوض السورية، لدينا محددات ملتزمون بها وهي ضمن قرار 2254 وبيان جنيف واحد، وباقي القرارات التي تنص على التوازن وعلى عملية سياسية كاملة وليست مجتزأة تحقق تطلعات الشعب السوري وليس اختزالها ببند من بنود القرار 2254”.
ويرى مراقبون للمشهد السوري أن تشكيل اللجنة الدستورية لن يكون بوابة حل قابل للصمود في سورية، خصوصاً أن الطرفين الروسي والإيراني يدفعان باتجاه وضع دستور يحافظ على النظام ورئيسه، ويرسخ أكثر وجودهما في البلاد، والذي بات أشبه بالاحتلال.
وفي هذا الصدد، أشار المحلل السياسي السوري المختص بالشأن الروسي، محمود الحمزة، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى “أن الموالين للنظام هم الأغلبية في القائمة ككل، ولذلك سيضعون دستوراً تقترحه روسيا”، متسائلاً: “ما فائدة الدستور ما دام طاغية دمشق حياً يرزق؟”، مضيفاً “في النهاية سيفرضون دستوراً معيناً على الشعب السوري، ولكن المشكلة في تطبيقه تحت رعاية من؟”. وأعرب الحمزة عن اعتقاده بأنه “إذا لم تتوفر الإرادة الأميركية والروسية في فرض واقع معين، فكل الجهود الأخرى لن تنفع، وهذه هي المعادلة الواقعية للأسف الشديد، إذ أخرجوا السوريين من عملية تقرير مصيرهم”، معتبراً أن “موضوع اللجنة الدستورية مسرحية دولية لا بد منها لتهدئة الوضع”.
المصدر: العربي الجديد