أيمن أبو هاشم
تكشف قوانين ومراسيم التنظيم العمراني التي أصدرها النظام السوري مؤخراً، لاسيما القانون رقم /10/ عام 2018، وتعديلاته، عن اتجاهٍ واضح لتجريد فئات واسعة من اللاجئين السوريين ومن في (حكمهم) من أملاكهم الخاصة، والمساس بالحقوق العينية العقارية المكفولة لهم في الدستور السوري والقوانين الدولية. بوسعنا إبراز خطورة هذا القانون والسياسات العقارية المنبثقة عنه، على أملاك فلسطينيي سورية على وجه الخصوص، بالعودة إلى مواده التي “تجيز إحداث منطقة تنظيميّة أو أكثر ضمن المخطّط التنظيميّ العام للوحدات الإداريّة” وبموجبه تقوم الوحدة الإداريّة من الجهات المعنيّة، وخلال مدة أسبوع من تاريخ صدور مرسوم إحداث المنطقة التنظيميّة، إعداد جدول بأسماء أصحاب العقارات مطابق للقيود العقاريّة، ودعوة الوحدة الإداريّة المالكين وأصحاب الحقوق العينيّة للتصريح عنها، عبر التقدّم إليها وخلال ثلاثين يوماً من الإعلان برفع طلب يعيّنون فيه محلّ إقامتهم المختار.
يبدو جلياً أن الهدف الرئيسي من هذا القانون فرض شروط تعجيزية أمام أثبات الملكية، لما يزيد عن (11) مليون لاجئ سوري غادروا بيوتهم ومساكنهم بسبب الحرب، وفق تقارير الأمم المتحدة، ومن ضمنهم ما يزيد على (200) ألف لاجئ فلسطيني غادروا سورية. إذ يُسهّل القانون آليات سلب مساكن وأراضي أولئك اللاجئين. لاسيما أن مهلة (30) يوماً المحددة لتوكيل قريب أو وكيل قانوني لتقديم المطالبة بالنيابة عنهم، تعتبر فترة قصيرة جداً، وحتى بعد التعديل الذي طرأ لاحقاً على القانون والذي مدد المهلة إلى عام، فإن هذا التعديل لن يخفف من فداحة القانون. حيث يفتقر (70%) من اللاجئين إلى وثائق التعريف الأساسية بحسب “المجلس النرويجي للاجئين”. تلك الوثائق ضرورية لتقديم طلبات إثبات الملكية، ولتعيين وكيل معترف به قانونا. فضلاً عن الآلاف الذين اختفوا قسرا أثناء النزاع، وعدم إمكانية المطالبة بممتلكات المفقودين.
فضلاً عن شرط التصريح الأمني لوكيل محلي لمالك العقار المسافر، أو الذي لا يُعرف مكان وجوده، فمن المستبعد أن يرغب سكان المناطق التي كانت تسيطر عليها جهات تابعة للمعارضة، بالتقدم للحصول على تصريح أمني أو التمكن من ذلك، بسبب مخاوفهم من الاعتقال. كل هذه الآثار والمفاعيل التي تطال السوريين المتضررين بصورة واسعة من هذا القانون، لها أيضاً مضاعفات كبيرة على أصحاب الأملاك الفلسطينيين، وخصوصاً أن (70 إلى 80 %) من فلسطينيي سورية أصبحوا إما لاجئين في دول أخرى أو نازحين داخلياً، وأغلب هؤلاء من سكان مخيم اليرموك المدمر بصورة شبه كليّة. أما وثائق وسندات الملكية في أغلب المخيمات الفلسطينية، فهي قيود مسجلة بأصحاب المساكن في سجلات رسمية خاصة بالهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب، إضافة إلى أنواع أخرى من الملكية للاجئين الفلسطينيين، وأكثر الأمثلة عليها، نجده في تعدد أشكال الملكية العقارية في مخيم اليرموك (أكبر المخيمات الفلسطينية في سوريا) والذي تأسس عام 1957، وتوسع بصورة لافتة في العقود الثلاثة الأخيرة، وتبلغ مساحته (2،1 كم2). حيث تنقسم فيه ملكية البيوت والأراضي إلى قيود الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب؛ وأملاك مسجلة بموجب حصص سهمية على الشيوع، من خلال وكالات غير قابلة للعزل، أو بموجب أحكام قضائية، أو عقود بيع وشراء غير مسجلة في المحاكم أو الدوائر العقارية.
أسفرت الحرب الأخيرة التي شهدها مخيم اليرموك خلال شهري نيسان وأيار من عام 2018، إلى دمار طال قرابة 80% من بيوته ومنشآته، وقد برر النظام الحجم الهائل لهذا الدمار الناجم عن عملياته العسكرية، بضرورات إخراج تنظيم (داعش) من المنطقة، وبذلك اكتمل تهجير بقية أهالي المخيم في نهايتها. استنادا إلى القانون رقم (10) الذي نص على إحداث مناطق تنظيمية جديدة، تم وضع مخيم اليرموك تحت إدارة محافظة دمشق، أعقبه صدور قرار بتبعية اللجنة المحلية لمخيم اليرموك إلى دائرة الخدمات في المحافظة، علماً أن اللجنة المحلية كانت الجهة الإدارية التي تتولى تنظيم تراخيص البناء وقمع المخالفات، والإشراف على الخدمات في المخيم، وكان يُعين مسؤول اللجنة من قبل الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين، بعد موافقة القيادة القطرية الفلسطينية لحزب البعث، وتلك مؤشرات واضحة على إنهاء كافة العناوين الفلسطينية التي ترمز إلى هوية المخيم. حتى أن محافظة دمشق أصدرت قراراً برقم (10044) بتاريخ 17/12/ 2018، ينص على ” تشكيل لجنة لدارسة وضع مخيم اليرموك وتقييم أضرار الأبنية خلال مدة شهر واحد”. لوحظ فيه أيضاً تغييب اللجنة المحلية من ضمن المديريات المذكورة في القرار.
بيدَّ أن أكثر ما يشير إلى مساعي النظام تغيير التركيبة الديمغرافية للمخيم، يكمن في إدخال منطقة المخيم ضمن المناطق التنظيمية الجديدة التي حددتها محافظة دمشق، لاسيما أن سماسرة وتجار عقارات محليين، باشروا عمليات غير منظمة لشراء العقارات في شارع الثلاثين، منذ قرار شمول المخيم بالمناطق التنظيمية المشار إليه، ولا تتناسب أسعار العقارات المدمرة جزئياً أو كلياً، المدفوعة، مع القيمة الفعلية لتلك العقارات، وذلك بسبب استغلال السماسرة لصعوبات في إجراءات تثبيت الملكية بسبب القانون رقم (10). تكمن الخطورة في هذا الجانب من ناحيتين (الأولى) ما تقوم به شركات قانونية متخصصة بالتعاون مع سماسرة العقارات من تنظيم وكالات البيع والشراء، باستغلال وجود أصحاب الأملاك المتواجدين خارج البلاد، مع مخاوف أولئك الملّاك من العودة إلى المخيم باعتباره منطقة غير آمنة ومحفوفة بالخطر، مما يزيد من خيار بيع أملاكهم بأرخص الأسعار.
(الثانية) وتقترن بالعدد الكبير من ابناء المخيم الذين غادروا سوريا خلال سنوات الحرب، ومن تهجّروا منهم إلى الشمال السوري. تشير التقديرات إلى أن غالبية سكان المخيم، أمسوا نازحين داخلياً ولاجئين خارج سورية، وبإمكاننا تصور تأثير تفريغ المخيم من سكانه، وصدور قوانين وقرارات التنظيم العمراني الأخيرة، على استخدام مشكلات الملكية كسلاح بيد النظام، لتجريد اللاجئين الفلسطينيين من أملاكهم، وتقطيع كل صلاتهم المادية والمعنوية بالمخيم، توطئةً لتفكيك هويته الديمغرافية والوطنية.
تشمل هذه السياسات الجائرة وغير القانونية، مخيمات أخرى مثل مخيم درعا، حيث كشف محافظ درعا في 29/10 / 2018 ” أن مخيم درعا للاجئين الفلسطينيين سيقع ضمن المخطط التنظيمي الذي تعمل عليه السلطات السورية، لذلك اتخذ قرار بإعادة تنظيم المخيم وبناء مدينة حديثة عوضا عنه “. علماً أن (80 % ) من مباني المخيم ومنشأته مدمرة بصورة كلية
نفس المشكلات والمخاطر على صعيد الحقوق العينية العقارية، تواجه مخيمات فلسطينية أخرى، تعرضت للتدمير على نطاق واسع، وتفريغ سكانها منها سواء بالتهجير أو بالهروب من أخطار الحرب، وهي مخيمات وتجمعات ( سبينة – الرمدان- حندرات – خان الشيح – الحسينية – السيدة زينب) وما بين تغطية إجراءات تجريد الملكية من أصحابها تحت غطاء القوانين الصادرة، وسياسات التضييق الأمني التي تمنع عودة اللاجئين والنازحين إلى مخيماتهم، بإمكاننا تصور حجم الأضرار الكبيرة والناجمة عن القانون رقم (10 ) والقرارات التي صدرت تنفيذاً لمخططات التنظيم العمراني المستحدثة، والتي تبيح إهدار أملاك اللاجئين الفلسطينيين على نطاقٍ واسع لأغراض سياسية مكشوفة.
المصدر: مع العدالة