ناصر السهلي
على خلفية تقرير أعده وفدان رسميان دنماركيان زارا دمشق وبيروت خلال شهري مارس/آذار ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين، واعتبرا فيه “محافظة دمشق” آمنة لإعادة اللاجئين السوريين إليها، يبدو أن توافقاً سياسياً، بين اليمين ويسار الوسط، بات يتشكل في البرلمان الدنماركي، لعدم تجديد إقامات السوريين في هذا البلد، الحاصلين خلال الأعوام الماضية على “لجوء مؤقت”، أو ما يسمى “حماية مؤقتة”. وتخضع هذه الإقامة للتقييم سنويا، وهو ما ترغب الأغلبية البرلمانية في كوبنهاغن في استغلاله لمنح “دائرة الهجرة” اعتبار سورية “في وضع آمن لترحيل اللاجئين الذين منحوا إقامات مؤقتة على خلفية الحرب في بلدهم”.
وبالرغم من أن تقرير زائري دمشق تحدث عن “محافظة دمشق”، إلا أنه فتح شهية السياسيين لتوسيع مفهوم “المناطق الآمنة”، بسبب توقف العمليات القتالية في سورية، ما يعني إنهاء العمل بالإقامة/الحماية التلقائية المنتهجة منذ العام 2013 بسبب الهروب من القتال.
وبحسب مصادر برلمانية خاصة بـ”العربي الجديد”، فإن الزائرين التقوا، خلال الفترة بين 21 و25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ضباطاً من النظام السوري، عسكريين وأمنيين، بمن فيهم مرتين “مدير إدارة الهجرة والجوازات” في النظام، اللواء ناجي تركي النمير، الذي استعرض “الأمن في سورية وضمانات بأن الذين هربوا فقط بسبب الحرب لن تجري مساءلتهم”، رغم تأكيد مصادر أخرى التقاها الوفد أن “من لديه مشاكل مع النظام لن يترك من دون ملاحقة”.
ويستند زائرو دمشق في تقريرهم إلى ما يطلقون عليه وصف “الانطباع بتحسن عام في الأوضاع الأمنية في مناطق سيطرة الحكومة السورية، وتخفيف حواجز التفتيش في/ وحول دمشق”.
ورأى حزب المحافظين، المشارك في ائتلاف حكومة يمين الوسط، على لسان مقرر الهجرة في البرلمان ناصر خضر، أن التقرير “يعني أن الناس الذين يعتقدون أنه لا يمكن إعادة السوريين قبل أن تصبح سورية مثل الدنمارك، عليهم التوقف عن تفكيرهم هذا. فمن المهم أن يكون هناك هدوء واستقرار وفرص للحياة بسلام، وهذا أمر موجود الآن في مناطق (سورية) عديدة”. ويذكر زميله عن الحزب الليبرالي، يواكيم أولسن، أنه لا يرى أيّ مشكلة في إعادة السوريين إلى بلدهم “فالفكرة الأساسية أنهم (اللاجئين) إن حضروا من منطقة معينة وأصبحت آمنة، فعليهم العودة إليها”.
ويبدو أن التقرير المكون من 70 صفحة، والذي انتهى الوفد الزائر من كتابته قبل أيام قليلة، ويتسرب بعض محتواه منذ أمس الأربعاء، يدفع بالسياسيين إلى ما يشبه “حماسة” سياسية لوقف تجديد إقامات أكثر من 4700 لاجئ من سورية، يحملون صفة إقامة مؤقتة تجدد وتقيّم سنوياً. وهو ما ذهب إليه مقرر شؤون الهجرة في “حزب الشعب الدنماركي” (يمين شعبوي)، مارتن هينركسن، باعتبار “تشكل أغلبية سياسية باتت تؤمن بما ظللنا نطرحه لسنوات، وهو ما يمكن أن يشكل أرضية لسحب إقامات لاجئي سورية في الدنمارك”.
ولم يكن أكبر أحزاب يسار الوسط، الاجتماعي الديمقراطي، المحسوب على المعارضة، أقل حماسة. فقد اعتبر مقرر شؤون الهجرة فيه، ماتياس تيسفايا، أن “تسفير السوريين إلى بلدهم لا يحتاج إلى قرار سياسي، فمجلس شؤون اللجوء في نهاية المطاف يقرر الأمر”.
واعتبرت وزيرة الهجرة، أنغا ستويبرغ، عن حزب “فينسترا” الذي يتزعم ائتلاف يمين الوسط، أيضاً، في تصريحات للصحافة المحلية، صباح الخميس، أن “دائرة الأجانب والهجرة (المسؤولة عن اللجوء والإقامات) يمكنها الآن إعادة تقييم الإقامات المطروحة للتجديد”.
واللافت أيضاً أن اليسار الدنماركي في حزب “اللائحة الموحدة”، يؤيد توصيات التقرير الرسمي باعتبار المناطق الآمنة تفتح الباب أمام عودة اللاجئين من الدنمارك. فقد اعتبر مقرر شؤون الهجرة عن الحزب، سورن سونداغورد، أنه “بطبيعة الحال، من حصل على إقامة لجوء بسبب وقوع مدينته وسط أعمال حربية وتساقط القنابل عليها، ثم أصبح هناك سلام وهدوء فيها، بشكل مثبت، فإن أسس لجوئه تنتهي”. ورغم ذلك، يؤكد سونداغورد أن “الهاربين بشكل شخصي بسبب اضطهاد وملاحقة نظام (بشار) الأسد، لا يجب بأي حال إعادتهم إلى سورية”.
وتؤكد المصادر السياسية البرلمانية لـ”العربي الجديد”، أن “توجهاً سياسياً مستقبلياً، بالتنسيق مع دول أوروبية أخرى، يذهب إلى إعادة النظر في إقامات من هرب من تنظيم داعش، ما يفتح الباب أمام توسيع التسفير إلى سورية، لتشمل مناطق ليس فيها مقومات حياة”.
المصدر: العربي الجديد