ميشيل كيلو
ليست استقالة وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، بالأمر العادي. إنها بالأحرى “حدثٌ كاشف”، يظهر خفايا وضعها السياسي الذي تتكثف جميع سماته من خلاله، ويمكن قراءتها بدلالته.
وقد سبقت الاستقالة مجريات بدا معها وكأنه أخرج إيران من عزلتها الدولية، ووضع علاقاتها مع العالم على سكّة تطبيع مستقر، وأسدى خدمةً لا تقدّر بثمنٍ لدولةٍ عميقةٍ، أملت أن تفيد من إنجازاته لتعزيز برامجها التوسعية التي قالت مصادر أميركية إن الملالي جعلوا الموافقة على إطلاق يدهم في البلدان العربية المجاورة شرطا لوقف برنامجهم النووي، وكذلك موافقة واشنطن على برنامج التسليح واسع النطاق، الذي ينفذه الحرس الثوري، الجهة التي تتولى تطبيق البرنامج التوسّعي الطموح، وتحتل البلدان العربية المجاورة لايران، مباشرة بقواتها، أو بصور غير مباشرة، من خلال حزب الله والحوثيين، وما شابههما من تنظيماتٍ مذهبية.
بانهيار الاتفاق النووي، بسبب خروج واشنطن منه، بدا وكأن ديبلوماسية الإصلاحيين دون ما تتطلبه خطط الحرس، وزاد الطين إخفاقه في زحزحة أوروبا عن تمسّكها بشروط واشنطن الموجهة ضده، من وقف برنامجه الصاروخي إلى خروجه من البلدان المجاورة، وصولا إلى تبنّي استراتيجية حسن جوار، تحتم تخليه عن سياساته التي اعتمدها منذ تبنّى سياسات الخميني. بانهيار ديبلوماسية الإصلاحيين، صار من المحتم أن تتقدّم الدولة العميقة للإمساك بالقرار، وأن تخوض معارك كشف الستر الدولي عنها، بعد انهيار اتفاقية النووي، بينما ينتظر أن يخوض الحرس في أي وقت معارك كسر عظم ضد خصم دولي شرس هو واشنطن، التي تحظى بدعم عرب لم يمر عليهم شهر واحد من دون تجاوزاتٍ عليهم، منذ استولت الخمينية على السلطة في طهران عام 1979، عانوا الأمرّيْن من سياسات حرس الملالي ومرشدهم خامنئي، بينما تنتظر روسيا تهاوي أوضاعهما في سورية، لتفرض شروطها عليهما، التي تتفق مع مطلب واشنطن الثاني بشأن خروجهم من سورية.
ما إن فرض الحصار، حتى أطلق قادة من الحرس تصريحاتٍ تحتسب تيار الإصلاح على أعدائهم الغربيين، وترى في ممثليه، بمن فيهم روحاني، مجموعة فاشلة من الخطورة بمكان ترك أقدار إيران بين يديها، وهي تخوض حربا اقتصادية وسياسية ضد “أصدقائها” في الغرب الذين يهدّدونها بحربٍ يعني بقاؤهم خلالها في السلطة الاستسلام أمام عدو خارجي، هي امتداده الداخلي.
سواء بقي ظريف أم ذهب، سيشتغل التناقض بين الحرس والإصلاحيين من استقالته فصاعدا، خارج أي إطار شرعي أو منضبط، ويحظى بتغطيةٍ من المرشد. ذلك هو معنى استقبال خامنئي الأسد بحضور سليماني، وليس ظريف. إنه رسالة إلى العالم، تفصح عن هوية مواقف طهران في الحقبة المقبلة، وعن قرارها اعتماد القوة بدل الديبلوماسية لتحقيق أهدافها، والتخلي عن النهج الإصلاحي وتحميله وزر الوضع الاقتصادي والمعيشي المزري.
فهم ظريف هذا فاستقال، متى يفهم روحاني وبقية أعضاء الحكومة الإصلاحية حقيقة ما يجري، فيستقيلون قبل أن يُقالوا، ما دامت وظيفتهم في النظام قد انتهت، أم أنهم قرّروا خوض المعركة، وعدم الاستسلام للحرس والمرشد، والذهاب إلى الإقامة الإجبارية أسوة بمير حسين موسوي ومهدي كروبي، بعد تولي قاسم سليماني مهام وزير خارجية الحرس الذي سيتكفل بتعزيز الوجود الإيراني في العراق وسورية ولبنان واليمن، بمساعدة الحرسي الجديد بشار الأسد الذي لم يجد رسالةً أقوى يبعث بها إلى بوتين حول مأزقه الإيراني أفضل من توجيه الشكر إلى ظريف على ما قام به.
سيتصاعد عدوان الحرس على سورية، وسيمارس سياساتٍ بدأت بحربٍ داخلية على الإصلاحيين، ستتصاعد نتائجها المباشرة عندنا في مقبلات الأيام.
السؤال السوري الذي تطرحه هذه التطورات: هل قرّر بشار وضع رقبته الطويلة تحت مقصلة بوتين؟
المصدر: العربي الجديد