جابر عمر، عدنان أحمد
شهد شمال غربي سورية، ولا سيما مدينة إدلب، تطورات مهمة في الأيام الأخيرة، تمثّلت بعودة القصف الروسي على المدينة بعد توقّفه لأشهر، مع حديث موسكو عن تنسيق مع أنقرة لاستهداف “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) في إدلب، غير أن القصف الروسي أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين، فيما تحدثت مصادر تركية لـ”العربي الجديد”، عن ضغوط من موسكو على أنقرة عبر هذا القصف.
وشنّ الطيران الروسي، ليل الأربعاء ويوم الخميس، عمليات قصف عنيفة، هي الأولى من نوعها منذ أشهر، على مدينة إدلب، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى في المدينة. وقالت مصادر تركية إنه تم نقل خمسة مدنيين من جرحى القصف الروسي على إدلب إلى ولاية هاتاي في تركيا، من أجل تلقي العلاج. وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت أنها نفذت غارة جوية على مقر لـ”هيئة تحرير الشام” في مدينة إدلب، بالتنسيق مع تركيا، التي لم تعلّق على القصف الروسي، بينما أعلن وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أن بلاده تعمل على إنشاء مركز تنسيق مع روسيا بشأن محافظة إدلب. من جهتها، دعت “هيئة تحرير الشام” عناصرها للقيام بعمليات عسكرية ضد قوات النظام رداً على هذا التصعيد. وقال “المجلس الشرعي العام” للهيئة إنه لا يوجد بينها وبين روسيا سوى القتال.
في المقابل، قالت مصادر تركية مطلعة لـ”العربي الجديد”، تعليقاً على الإعلان الروسي عن التنسيق مع أنقرة في موضوع القصف على منطقة خفض التصعيد في إدلب، إن “هناك تنسيقاً بالفعل، ولكن ليس بالطريقة التي تقدّمها روسيا، لأن الاتفاق هو على استهداف مواقع لهيئة تحرير الشام والجماعات الراديكالية، وليس استهداف المواقع الحيوية والسكنية، فعلى الرغم من أن القصف الروسي استهدف مستودعات أسلحة تابعة لهذه التنظيمات، لكنه استهدف أيضاً مراكز للدفاع المدني والمستوصفات والمساكن المدنية، ما شكّل خطراً على المدنيين، وهو ما تحذر تركيا منه”. وأضافت المصادر أن “السلوك الروسي دفع أنقرة لإرسال طائرات استطلاع فوق سماء محافظة إدلب لمراقبة الوضع”.
وكشفت المصادر أن “روسيا تريد عبر هذا القصف الضغط على تركيا، لأنها كانت تطلب إجراء دوريات مشتركة متقابلة في المنطقة المنزوعة السلاح، أي أن تكون هناك دورية في كل جانب من المنطقة، ولكن أنقرة كانت تعترض على هذا الطلب، قبل أن توافق على ذلك، ما جعل تنفيذ الدورية الثانية في المنطقة منزوعة السلاح أمراً ممكناً بالطريقة التي طلبتها روسيا”.
ولفتت المصادر التركية إلى توقف القصف الروسي، صباح أمس الجمعة، والدليل على ذلك تنظيم تظاهرات بمناسبة الذكرى الثامنة لانطلاق الثورة، مضيفة “لو أن تركيا لم تستجب للطلب الروسي، لكان القصف قد استمر صباح أمس، خصوصاً أنه تم توجيه رسائل تهديدية للتظاهرات”.
وعلى الرغم من توقف القصف الروسي، إلا أن قوات النظام السوري واصلت، أمس، استهداف مناطق في الشمال. وقالت مصادر محلية إن قوات النظام قصفت بالمدفعية الثقيلة مدينة مورك، شمال حماة، من مواقعها في تل بزام. وقصفت قبل ذلك تل الهواش والبانة في القطاع الشمالي من ريف حماة، والتوينة في سهل الغاب، شمال غرب حماة، إضافة إلى قصف استهدف الهبيط في ريف إدلب الجنوبي.
في هذا الوقت، عادت روسيا ووسائل إعلام النظام للحديث عن هجوم كيميائي “مفتعل” تحضر له “هيئة تحرير الشام” في إدلب. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أمس: “نراقب عن كثب الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب. الإرهابيون الناشطون هناك من حلفاء (النصرة) لا يتوقفون عن الاستفزازات ضد القوات الحكومية، وما يثير القلق الشديد التقارير الجديدة التي تفيد بأن مقاتلي هيئة تحرير الشام، بمساعدة (الخوذ البيضاء)، يجهزون (مسرحية) جديدة باستخدام المواد السامة ليلقوا في ما بعد مسؤولية استخدام الأسلحة الكيميائية على عاتق القوات الحكومية”. ودرجت روسيا على تكرار مثل هذه الأقوال التي عادة ما تستهدف التغطية على هجوم كيميائي محتمل من جانب قوات النظام أو تكون مبرراً لهجوم من جانب روسيا وقوات النظام على مناطق المعارضة.
وكان من المقرر أن تسيّر تركيا، يوم أمس الجمعة، دورية ثانية على أطراف المنطقة منزوعة السلاح المفترضة، لكن يبدو أنه تم تأجيل ذلك حتى اليوم، السبت، بسبب سوء الأحوال الجوية، على الرغم من دخول قوات تركية إلى المنطقة منزوعة السلاح في جنوبي إدلب. وقالت مصادر محلية إن الدورية التركية تتكون من أربع عربات مصفحة، إضافة إلى عدد من السيارات المرافقة للرتل، وقد تعطّل تسييرها في الأيام الماضية، بحسب المصادر، بسبب إصرار “هيئة تحرير الشام” على مرافقتها، إلى أن جرى الاتفاق أخيراً على أن يرافق الدورية أحد فصائل “الجبهة الوطنية للتحرير” التابعة للجيش الحر. وتوقّعت المصادر أن يتوقف القصف على إدلب طيلة يوم تسيير الدوريات.
وكان عدد من المجالس المحلية في محافظة حماة، وسط سورية، قد طالب تركيا والمجتمع الدولي بوقف حملات القصف على المدنيين في مدن وبلدات محافظتي إدلب وحماة. وحمّلت مجالس قلعة المضيق والحويز والعنكاوي وشولين وفليفل والمهاجرين وجبل شحشبو، في بيانات منفصلة، المجتمع الدولي والدول العربية مسؤولية القصف، مطالبة “الضامن التركي بأن يقوم بواجباته ومسؤولياته تجاه المدنيين، وألا يكتفي بمراقبة خروقات النظام التي تحدث على بعد أمتار قليلة فقط من نقاطه”.
وتعليقاً على التصعيد من قِبل روسيا، قال المحلل السياسي التركي علي باكير، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إنه “على الرغم من أن وسائل إعلام روسية أشارت إلى حصول توافق مع تركيا حول العمليات، لكن على الأرجح لم يحصل تنسيق بهذه الجزئية، بدليل أن بعض وسائل الإعلام التركية التي نقلت ذلك عادت وحذفت خبر التنسيق”. وتابع: “بهذا المعنى، ربما أراد الجانب الروسي أن يغطي عمله التصعيدي من خلال الإيحاء بأنه تم بالتوافق مع تركيا. وبطبيعة الحال مثل هذا الأمر يضع الجانب التركي في موقف حرج”. ورأى باكير أنه “إذا كان التصعيد تم بتوافق مع تركيا، فلا شك أننا سنرى مؤشرات متزايدة تدعم مثل هذا الافتراض خلال المرحلة المقبلة”، معرباً عن اعتقاده بأن الهدف من التصعيد هو “الضغط على تركيا للانتهاء من موضوع إدلب في أقرب وقت ممكن، على اعتبار المقاربة الروسية لمصير إدلب تختلف عن المقاربة التركية بالضرورة، ذلك أن موسكو لا تريد أن تلعب لعبة الوقت طالما أنها تعتقد بقدرتها على حسم الموضوع من خلال القوة العسكرية”.
من جهته، استبعد العميد في الجيش السوري الحر، فاتح حسون، وجود تنسيق تركي – روسي في التصعيد الأخير على إدلب. وقال حسون في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن روسيا كثيراً ما تصدر بيانات وتصريحات غير صحيحة، وهي سياسة روسية معروفة ومتكررة، متسائلاً عن معنى كلمة تنسيق الواردة في الإعلان الروسي، وهل هو تنسيق جوي أم لوجستي أم سياسي؟
وأكد حسون “ثقة قوى الثورة والمعارضة السورية بتركيا، وليس بروسيا التي علينا أن نكون حذرين بشأن كل ما يصدر عنها”، مشيراً إلى أن قيادات ميدانية تركية أكدت أن القصف لم يتم بالتنسيق مع تركيا. وأعرب عن اعتقاده بأن زيادة وتيرة القصف هدفها الضغط على تركيا من أجل تنفيذ باقي بنود اتفاق قمة سوتشي المتعلقة بالمنطقة منزوعة السلاح، والفصائل المصنفة، والطرق الدولية، وذلك قبيل اجتماع وزيري خارجية الدولتين في الأسبوع المقبل، متوقعاً أن تتجه الأوضاع في إدلب نحو التهدئة خلال الأيام المقبلة. ورأى حسون أن الدفاع عن المنطقة ليس من مهام نقاط المراقبة التركية، بل هي مهمة الفصائل العاملة فيها، مستبعداً أن يتمكّن النظام من تحقيق تقدّم عسكري في إدلب بسبب وجود النقاط التركية، وخطورة إدلب على الأمن القومي التركي، إضافة إلى وجود اتفاق دولي بمنع أي عملية اجتياح لإدلب، ووجود الفصائل التي ستقاتل لحماية المنطقة.
من جهته، طالب وفد الائتلاف الوطني المعارض المجتمع الدولي بـ”التحرك الفوري لوقف العدوان من قوات النظام على إدلب”، وذلك خلال اجتماعات عقدها خلال جولته الأوروبية الأخيرة في بروكسل. وذكرت الدائرة الإعلامية للائتلاف، أمس الجمعة، أن وفد الائتلاف طالب الدول التي اجتمعت في بروكسل بإصدار “بيان إدانة للعمليات الوحشية التي تجري ضد المدنيين”، كما دعا “إلى تحريك ملف المساءلة والمحاسبة، وعدم السماح لمسؤولي النظام بالإفلات من العقاب”.
في غضون ذلك، شارك الآلاف، أمس الجمعة، في العديد من المناطق في شمال وشمال غرب سورية في تظاهرات حاشدة إحياء للذكرى الثامنة للثورة السورية ضد النظام، وتنديداً بتصعيد القصف على مناطق الشمال السوري. وشهدت معظم المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في محافظة إدلب ونواحي إعزاز والباب، شمال وشمال شرق حلب، وفي عفرين، شمال غرب حلب، تظاهرات تخللها رفع علم الثورة السورية وترديد الأغاني التي صدرت في الأيام الأولى من الثورة.
من جهة أخرى، وعدت “حكومة الإنقاذ” العاملة في إدلب، السجناء الفارين من سجن إدلب المركزي بتخفيف العقوبة عنهم في حال سلموا أنفسهم خلال ثلاثة أيام. وبحسب بيان لوزارة العدل في الحكومة، فإن العقوبة ستخفف إلى النصف لكل من يبادر بتسليم نفسه للقضاء من دون ملاحقة خلال ثلاثة أيام. وتعرض السجن المركزي، الذي تسيطر عليه “هيئة تحرير الشام”، في غربي مدينة إدلب، الثلاثاء الماضي، لقصف من الطيران الروسي، ما أدى إلى مقتل عدد من السجناء وفرار آخرين. وقالت الهيئة إنها تمكنت من القبض على 95 في المائة من الهاربين.
المصدر: العربي الجديد