عبد الرحمن خضر
لا تبدو عودة نظام بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية قريبة، على الرغم من مواقف دول عربية داعمة لهذه العودة، أبرزها بشكل علني العراق ولبنان، فيما سعت الإمارات لقيادة حراك لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام، عبر إعادة افتتاح سفارتها في دمشق في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وترويجها لضرورة احتضان سورية بسرعة لإخراج بشار الأسد من فلك إيران، غير أن ذلك النهج اصطدم برفض من الولايات المتحدة، التي مارست ضغوطاً على دول خليجية للامتناع عن إعادة العلاقات مع النظام السوري، كما كشفت وكالة “رويترز” في وقت سابق.
ويبدو أن هذا “الفيتو” الأميركي لا يزال يمنع عودة سورية للجامعة، إذ أعلن المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للجامعة العربية، السفير محمود عفيفي، في مؤتمر صحافي أمس الأحد، أن موضوع عودة سورية غير مدرج “حتى الآن” على جدول أعمال القمة العربية المقررة في تونس في 31 مارس/آذار الحالي، ولم يطرحه أي طرف بشكل رسمي، “أما الأزمة السورية فهي مدرجة على جدول الأعمال”. وأوضح عفيفي أن القمم العربية تؤكد دوماً عروبة الجولان السوري المحتل وفق قرار مجلس الأمن الصادر عام 1981، مضيفاً أنه من الممكن في ضوء التطور الأخير الذي حدث أن تطلب دولة عربية إضافة بند جديد إلى مشروع القرار الخاص بالجولان. وأعلن أن مشروع جدول أعمال القمة يتضمن نحو 20 موضوعاً، تتصدرها القضية الفلسطينية، و”أزمة سورية” والأوضاع في ليبيا واليمن ودعم السلام والتنمية في السودان، ودعم الصومال، ومتابعة موضوع تطوير منظومة الأمن القومي العربي ومكافحة الإرهاب.
وجاءت هذه التصريحات على عكس رغبة البلد المضيف، إذ كان وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، قد قال في يناير/ كانون الثاني الماضي، إن المكان الطبيعي لسورية هو داخل الجامعة العربية. ويؤكد استبعاد بند عودة سورية للجامعة، استمرار وجود “الفيتو” الأميركي، إضافة إلى أن قمة تونس ستشهد حضور مسؤولين دوليين بارزين، هما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، بحسب إعلان عفيفي أمس، بما يصعّب من اتخاذ موقف بإعادة النظام في ظل هذا الحضور الأوروبي والدولي.
ويعود تاريخ المطالبة بعودة سورية إلى الجامعة، بعد أن عُلّقت عضويتها فيها عام 2011، إلى مارس/آذار 2017، إذ طالب حينها وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، وخلال الدورة 147 لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري في القاهرة، بإنهاء تعليق عضوية سورية في الجامعة، قائلاً في كلمته: “أدعو أشقائي العرب لإعادة النظر بشجاعة بالغة في هذا القرار (تعليق عضوية سورية)، فالخلافات تُحل بالحضور وليس بالغياب”. وكان لبنان، إلى جانب العراق في الموقف نفسه تقريباً، وهو غالباً ما يأخذ موقفاً معارضاً أو محايداً تجاه قرارات الجامعة ضد سورية. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، دعا وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل، خلال اجتماع وزاري عربي في بيروت، لإعادة سورية إلى جامعة الدول العربية، واعتبر أن غيابها يشكّل “الفجوة الكبرى” في القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية التي استضافتها بيروت، مضيفاً أن سورية يجب أن تكون في “حضننا دائماً بدل أن نرميها في أحضان الإرهاب، من دون أن ننتظر إذناً أو سماحاً بعودتها”.
وبعد إحكام قوات النظام بمساعدة روسيا وإيران والمليشيات، قبضتها على حلب ودمشق ومحيطها ودرعا وحمص، وتحديداً منذ العام 2017، بدأت تظهر نوايا بعض الدول العربية لإعادة تطبيع العلاقات مع نظام الأسد. فأعاد الأردن فتح معبر نصيب-جابر أمام حركة المسافرين والبضائع في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تلته زيارة وفد برلماني أردني إلى دمشق.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، زار الرئيس السوداني عمر البشير دمشق، في زيارة مفاجئة لم تُعلن سابقاً، وجاءت كأول زيارة لرئيس عربي إلى العاصمة السورية منذ مارس/آذار 2011. وهنا بدأ النظام يخرج نوعاً ما من عزلته العربية، إذ اعتبر محللون أن الزيارة جاءت كمقدمة لزيارات عربية أخرى، وكجس للنبض الدولي حيال إعادة العلاقات مع النظام.
وفي الشهر نفسه أعادت الإمارات افتتاح سفارتها في دمشق، لتكون أول دولة تخطو بهذا الاتجاه. وبعد يوم من إعادة فتح السفارة الإماراتية، قالت البحرين إن سفارتها في دمشق والبعثة الدبلوماسية السورية في المنامة تعملان “بلا انقطاع”. لكن مراقبين اعتبروا خطوة أبو ظبي غير غريبة، وهي التي استضافت وفداً سورياً كان على رأسه رجل الأعمال السوري المعروف محمد حمشو، لبحث التعاون المحتمل في مجالات التجارة والبنية التحتية والزراعة والسياحة واللوجستيات والطاقة المتجددة. وكان وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، قال في تصريحات صحافية سابقة، إن بلاده أعادت العلاقات الدبلوماسية مع دمشق لكي تكون “أقرب للواقع على الأرض”، مضيفاً “في السنوات السبع الأخيرة، كان النفوذ العربي في سورية صفراً بالتأكيد. وصفر النفوذ العربي كارثة”. واعتبر أنه من الضروري أن تنشط دول عربية أخرى “لملء الفراغ” الذي شغلته روسيا وإيران.
لكن اندفاع أطراف عربية لإعادة العلاقات مع نظام الأسد، سرعان ما فرملته الولايات المتحدة، التي “مارست ضغوطاً على دول خليجية للامتناع عن إعادة العلاقات مع سورية”، بحسب ما كشفت وكالة “رويترز” قبل نحو شهر نقلاً عن مصادر أميركية وخليجية وغربية. ونقلت الوكالة عن “دبلوماسي غربي كبير” أن “واشنطن تضغط معترضة على إعادة النظام السوري إلى الجامعة، والسعودية ومصر تعملان على إبطاء إعادة سورية للجامعة العربية”.
كما قال مسؤول أميركي، لـ”رويترز” رداً على سؤال عن الضغوط الدبلوماسية: “السعوديون عون كبير في الضغط على الآخرين. كما أن قطر تفعل الصواب”. وأضاف أن الولايات المتحدة سعيدة لأن “بعض دول الخليج تستخدم المكابح”. وبحسب “رويترز،” ففي حين تؤيد السعودية وقطر النهج الأميركي، ترى الإمارات أن “على الدول السنّية احتضان سورية بسرعة لإخراج الأسد من فلك إيران”. وقال مصدر خليجي للوكالة إن الإمارات ترى في الأسد “الخيار الوحيد”، وتعتقد أن القضاء على نفوذ طهران في سورية قد يسهم في منع تكرار سيطرتها الحالية على العراق.
وفي ظل هذا الفيتو الذي تفرضه واشنطن، يبدو أن وقت عودة النظام إلى حضن الجامعة العربية لم يحن بعد، وأن هناك ترتيبات أميركية للمنطقة قد تتكشف، خصوصاً بعد إنهاء سيطرة تنظيم “داعش” في سورية والعراق.
المصدر: العربي الجديد