وائل عصام
قال ناشطون وعناصر عربية من قوات سوريا الديمقراطية «قسد» لـ»القدس العربي»، إن قوات الأخيرة قامت بدفن نحو 300 جثة من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية إضافة إلى مدنيين من ضحايا القصف في الباغوز معظمهم من النساء والأطفال، بشكل جماعي، في حفرة قرب تلّة «الجهفة «، وإنها منعت الصحافيين من الدخول عقب القصف مباشرة، لإخفاء ما وصفوها بـ»المجزرة « في الباغوز، فيما نجا تسعة أطفال نقلوا لمخيم الهول. وأكدت مصادر من المجلس العسكري أن قوات كردية خاصة أعدمت عدداً من مقاتلي التنظيم الجرحى بعد القصف.
إعلان النصر على تنظيم «الدولة» جاء بعد معارك ضارية بين الطرفين دامت لأشهر وتخللتها عدة توقفات (هدن)، خرجت خلالها أعداد كبيرة من عوائل ومقاتلي التنظيم، وبقيت أعداد أخرى رفضت الاستسلام وفضلت القتال حتى النهاية، وسببت الأرق لـ»التحالف الدولي» وقوات «قسد» التي أعلنت لأكثر من مرة أنها قاب قوسين أو أدنى من القضاء على تنظيم «الدولة» في الباغوز، لكن شراسة التنظيم في الأمتار القليلة التي بقيت تحت سيطرته الأسبوع الماضي، أدت الى رد التحالف القاسي بشن هجوم مروع.
في مساء الإثنين 18 آذار/ مارس الحالي طلبت قوات قسد وبإملاءات من ضباط من التحالف الدولي، استسلاماً كاملاً لكل من بقي في المخيم وخروجهم خلال 48 ساعة وإلا فسيكون مصيرهم الموت، الأوامر جاءت بعد اجتماع لقيادات من التحالف في حقل العمر النفطي، وبعد وصول عناصر من قوات البيشمركة قادمين من كردستان العراق.
وبالفعل تم التواصل مع قيادات التنظيم داخل المخيم (بواسطة الهواتف اللاسلكية)، وفي محادثة جرت بين قيادي كردي من قسد اسمه (دمهات) وقيادي في التنظيم اسمه (أبو الحسن)، طالب دمهات باستسلام مقاتلي التنظيم وأمهلهم 48 ساعة للخروج وإلا سيكون الرد مختلفاً هذه المرة (حسبما قال)، ليرد أبو الحسن عليه بجملة واحدة: «ستدخلون ولكن على أشلائنا، و(الدولة) باقية رغم أنوفكم»… الرد في المحادثة كان غير متوقع، وانتظرت قوات قسد ليلة كاملة، عسى ان يخرج أحد، ولكن لم يخرج أي شخص.
وفي عصر الثلاثاء 19 من الشهر الحالي تفاجأ عناصر قسد ومن كان معهم من عناصر التحالف بهجوم كبير للعشرات من مقاتلي التنظيم من داخل المخيم، وشاركت في الهجوم النساء اللواتي كن في صفوف التنظيم، لتدور اشتباكات عنيفة راح ضحيتها (30) عنصرا من قوات قسد إضافة لعشرات الجرحى، وكان من بين القتلى حسب شهادات عناصر من «قسد»، جنود من التحالف، وبالتزامن مع هذا الهجوم للتنظيم شنت خلاياه المنتشرة في أرياف دير الزور هجمات عدة طالت نقاطا لقسد هناك. ويبدو أن الهجمات داخل المخيم وخارجه كان مخططا لها مسبقا بين العناصر الموجودين في المخيم وخارجه، لكن هجمات خلايا التنظيم خارج المخيم كانت محدودة ولم تؤدِ الغرض المطلوب منها.
رد التحالف لم يتأخر كثيراً، فشن أكثر من 30 غارة لطيران التحالف الدولي تناوبت على تنفيذها 6 طائرات، طالت مخيم الباغوز ليلة الثلاثاء 19 من آذار/مارس وأدت لـ»حراثة» المخيم بالكامل، وتم دفن من فيه.
ويروي الناشط الميداني البارز زين العابدين العكيدي، تفاصيل عملية القصف العنيفة التي أدت لمقتل المئات، ويقول «المخيم كان في الحقيقة عبارة عن سلسلة من الأنفاق التي كان عناصر التنظيم يتحصنون فيها، وتم حفر هذه الأنفاق خلال فترة الهدنة بين الطرفين في الشهرين الماضيين. حدة القصف أجبرت 115 شخصاً من بينهم حوالى 80 من مقاتلي داعش أغلبهم من المصابين على الاستسلام، ومن بينهم كذلك نساء وأطفال، توقف بعدها القصف لبرهة، أملاً باستسلام من تبقى، لكن حين لم يخرج أحد تابعت طائرات التحالف قصفها مجددا لمدة 3 ساعات متواصلة، وبحلول منتصف ليلة الثلاثاء 19 آذار الحالي هدأت نيران القصف وساد الصمت في المخيم، باختصار لم يعد هناك أحد على قيد الحياة».
في فجر الأربعاء 20 آذار/ مارس، دخلت وحدات خاصة تابعة لـ»قسد» غالبيتها من المكون الكردي ومعهم عدد قليل من العناصر العرب ترافقهم وحدة مقاتلة من عناصر التحالف الدولي إلى أرض المخيم لتمشيطه. وحسب شهادات حصلت عليها «القدس العربي» من بعض عناصر «قسد» من العرب، من الذين دخلوا إلى لمخيم، فإن ما حصل داخله كان عبارة عن مجزرة لمن تبقى هناك (من مقاتلين ونساء وأطفال وشيوخ) أدت لمقتل 315 شخصاً، غالبيتهم من المقاتلين إضافة إلى ضحايا مدنيين بينهم عدد كبير من النساء والأطفال ولم ينج أحد عدا 9 أطفال فقط أخرجهم عناصر التحالف، ومنعت عناصر «قسد» والتحالف الصحافة من الدخول في اليوم التالي للمجزرة.
ويتابع الناشط العكيدي حديثه الخاص لـ»القدس العربي» راوياً ما وقع في الساعات الأخيرة «في عصر يوم الأربعاء 20 آذار/ مارس قامت «قسد» بدفن جميع الجثث التي كانت داخل المخيم في مقبرة جماعية، حيث تم تكديس الجثث عبر جرافات (تركسات) وتجميعها داخل حفرة كبيرة ودفنها، ومكان الحفرة قرب تلة «الجهفة» وهي عبارة عن هضبه أشبه بجبل صغير داخل الباغوز كانت تطل على المخيم».
من تم دفنهم في ذلك القبر الجماعي كانوا عناصر من قوات تنظيم الدولة ونساء واطفالاً وشيوخاً، تعرضوا لحروق شديدة نتيجة القنابل التي ألقيت على المخيم، وغالبية الجثث بدون أية ملامح، وأثار القصف على أرضية المخيم حولته لأكوام من الرمال، وقد يكون التحالف قد تعمد استخدام أنواع من القنابل التي تتسبب بهدم الأنفاق، كون المخيم كان عبارة عن سلسلة أنفاق ضخمه تحت الأرض.
ويضيف العكيدي «في يومي الخميس والجمعة 21 و22 من آذار الحالي بدأت قسد عمليات تمشيط المنطقة المحيطة بالمخيم واشتبكت مع عدد من عناصر داعش الذين تمكنوا من النجاة من مجزرة الباغوز والذين تمكنوا من الهرب نحو أحد الكهوف الموجودة في تله الباغوز، وقد دامت الاشتباكات لساعات متأخرة من ليلة الجمعة 22 مارس، وفي الــ 23 من الشهر نفسه أعلنت «قسد» عن نهاية المعارك ضد التنظيم وانتهائه هناك، وهذا الأمر لا ينفي احتمالية بقاء عدد قليل من العناصر متخفين داخل الكهوف أو الأنفاق.
وللمفارقة وبعيد نصف ساعة من مؤتمر «النصر» الذي أعلنت «قسد» من خلاله عن انتهاء التنظيم، قامت خلايا التنظيم المنتشرة في أرياف ديرالزور بعمليات استهداف لعناصر من قسد أدت إلى مقتل 7 عناصر في بلدتي «ذيبان» و «جديد عكيدات».
ويحذر مراقبون من أن مرحلة قادمة تنتظر قسد في دير الزور وتحد جديد اسمه «خلايا التنظيم النائمة» هناك، بل ربما الأخطر هي «الحاضنة الشعبية النائمة» التي تعاطفت مع مجزرة الباغوز.
وكان الائتلاف السوري قد أدان استهداف المدنيين في منطقة الباغوز في ريف دير الزور، مطالبا بتوفير الحماية اللازمة للمدنيين وخاصة الأطفال والنساء، وتأمين احتياجاتهم والرعاية الطبية والإغاثية التي يحتاجونها. وفي بيان وصلت إلى «القدس العربي» نسخة منه، عبر الائتلاف عن قلقه الشديد حيال مصير المدنيين في منطقة الباغوز في ريف دير الزور، في ظل مخاوف حقيقية تجاه أوضاع النساء والأطفال على وجه الخصوص.
عضو الائتلاف السوري عبد المجيد بركات قال في حديث لـ»القدس العربي»: الصمت الإعلامي عن «مجزرة الباغوز» يرجع للتمويل الأمريكي للمؤسسات الإعلامية.
المعارض بركات اتهم «قسد» المدعومة من التحالف بارتكاب «مجازر غير مسبوقة « في بلدة الباغوز، مؤكداً أن الحصيلة الأولية لعدد القتلى فاقت الـ2000 قتيل خلال أقل من أسبوع.
وقال «إن التقارير والشرائط المصورة، تؤكد ارتكاب قوات سوريا الديمقراطية مجازر مروعة ضد المدنيين في بلدة الباغوز، في ظل صمت مطبق من وسائل الإعلام». وعزا بركات ذلك الصمت إلى التمويل الذي تتلقاه غالبية وسائل الإعلام التي تعمل في مناطق سيطرة «قسد» من قبل الولايات المتحدة التي تقود التحالف.
المصدر: القدس العربي