أمين العاصي
لا تزال محافظة إدلب ومحيطها في قلب المشهد السوري المُعقد، إذ من الواضح أن الجانبين الروسي والتركي لم يتوصلا بعد إلى خارطة طريق نهائية لحسم مصير هذه المنطقة التي يبدو أنها تتجه نحو المجهول، في ظل التصعيد الكبير من قبل قوات النظام السوري، التي تخلق لها مجموعات متطرفة مرتبطة بـ”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) الذرائع لمواصلة هذا التصعيد الذي يدفع ثمنه المدنيون.
وبات من الواضح أن تفاهماً تركياً روسياً حول الوضع في شمال غربي سورية، الذي تقع محافظة إدلب في قلبه، لا يزال بعيد المنال، على الأقل في المدى المنظور، بسبب تباين للرؤى بين موسكو وأنقرة، لم تستطع عدة قمم بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين تفاديه، إذ تعتبر أنقرة أن ما يجري في شمال وشمال غربي سورية، جزء من أمنها القومي. ولم تخرج القمة الروسية التركية، الإثنين الماضي، بنتائج جلية حول محافظة إدلب، لكن الجانبين لا يزالان يدفعان باتجاه عدم انهيار اتفاق سوتشي المبرم بينهما في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، وتم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تراوحت بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. واعترف بوتين عقب لقائه أردوغان، في موسكو مساء الإثنين، بأن الجانبين لم يتوصلا إلى اتفاق حول إدلب، إلا أنه أبقى الباب مفتوحاً أمام احتمال التقارب بين البلدين حول هذا المسألة. وقال بوتين إن “مشكلة إدلب شائكة. صحيح أننا لم نتمكن بعد من تطبيق المعايير التي اتفقنا عليها في سوتشي، لكنني أعتقد أن حل هذه المشكلة ممكن”. وأشار إلى أن روسيا وتركيا بدأتا بتسيير دوريات مستقلة متزامنة في منطقة خفض التوتر بإدلب، مع أنه اعترف بأن عملية التعاون بين البلدين “لا تتطور بالسرعة المرجوة”، معرباً عن أمله في أن “تسهم الجهود المشتركة في إعادة الوضع بمنطقة إدلب إلى طبيعته وتقود، في نهاية المطاف، إلى القضاء على بؤرة الإرهاب هناك”.
وفي الوقت الذي تريد فيه موسكو التعامل عسكرياً مع “هيئة تحرير الشام” ومجموعات متطرفة مرتبطة بها في شمال غربي سورية، منها تنظيم “حراس الدين”، و”الحزب التركستاني”، تدرك أنقرة مخاطر الانزلاق إلى هذا الخيار في منطقة ضيقة جغرافياً تضم نحو 4 ملايين مدني، وقد يدفع أي عمل عسكري واسع النطاق إلى اجتياز الحدود السورية التركية، وهو ما تسعى أنقرة لتجنبه. كما ترفض تركيا أي عودة للنظام إلى شمال غربي سورية، إلا ضمن تسوية سياسية تشمل القضية السورية برمتها، في حين يخطط النظام لانتزاع السيطرة على أجزاء واسعة من محافظة إدلب لفرض التسوية التي يريد.
وباتت محافظة إدلب ومحيطها عملياً تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام”، التي توفر الذرائع للنظام وحلفائه للفتك بالمنطقة من خلال قيام مجموعات مرتبطة بالهيئة بعمليات عسكرية ضد قوات النظام، ما يدفع الأخيرة للانتقام من المدنيين، إذ لا يكاد يتوقف القصف الجوي والمدفعي منذ مطلع فبراير/شباط الماضي، ما أدى إلى مقتل وإصابة المئات، جُلهم أطفال ونساء. وأعلن فصيل “أنصار التوحيد” المتشدّد مسؤوليته عن هجوم استهدف فجر أمس الثلاثاء ثلاث نقاط قرب معسكر مداجن الطيبة التابع لقوات النظام بالقرب من بلدة طيبة الإمام في ريف حماة الشمالي، أدى إلى مقتل ثلاثة من عناصر النظام السوري وإصابة آخرين. ونقلت وكالة “سانا” التابعة للنظام عن مصدر عسكري تأكيده مقتل كامل أفراد المجموعة التي هاجمت نقاط قوات النظام، مقراً بمقتل 3 عناصر من هذه القوات التي ترد عادة باستهداف المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرتها، خصوصاً في ريف حماة الشمالي، وريف إدلب الجنوبي. ولا تزال تتحرك مجموعات متشددة في بعض مناطق ريف إدلب، مرتبطة بشكل أو بآخر بـ”هيئة تحرير الشام”، لطالما اتخذ منها النظام وحلفاؤه مدخلا للفتك بالمدنيين وبفصائل المعارضة السورية المسلحة. وأقر القيادي في “الجيش السوري الحر” مصطفى سيجري، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “لم يتم حسم ملف إدلب”، في قمة بوتين وأردوغان الإثنين، مضيفاً “لكن روسيا اليوم غير قادرة على شن عملية عسكرية برية، وغير قادرة على دعم النظام لشن عملية عسكرية، لذلك تم ترحيل الخلاف حول إدلب للاجتماعات المقبلة”. ويعتقد سيجري أن المرحلة المقبلة “ربما تشهد محاولات للتصعيد من قِبل النظام بهدف إفشال الاتفاق (سوتشي) بشكل عام”، مضيفاً أن “المواقف التركية الثابتة في الرفض القاطع لأي عملية عسكرية برية باتت الإشكالية الأكبر في وجه النظام وحلفائه، وبالنسبة لنا (المعارضة السورية)، وبدعم من الحلفاء في تركيا لا يمكن أن نقدم أي تنازلات، ولا يمكن أن نفرط بشبر واحد من المنطقة”.
وبات من الواضح أن المعارضة السورية تعوّل على الجانب التركي في مسألة التوصل لحلول لمستقبل شمال غربي سورية، إذ يرى القيادي في “الجيش الحر” العميد فاتح حسون، في حديث مع “العربي الجديد”، أن تركيا “تضع على عاتقها حماية ما تبقى من مناطق محررة، رابطة هذه المناطق بأمنها القومي”، مضيفاً “تركيا تقوم بكل ما بوسعها لحماية المدنيين، وتعمل مع جهات دولية لمنع حدوث موجات هجرة جديدة سيتضرر الكثيرون منها”. ويشير إلى أن اجتماع موسكو بين الرئيسين التركي والروسي “يحمل في طياته نقاط اتفاق منها خفض التصعيد، ونقاط خلاف منها طريقة وآليات خفض التصعيد”، مضيفاً “لم يرشح لنا بعد ترجمة ميدانية لما تم التوصل إليه”. وفي السياق ذاته، برز تطور لافت الإثنين، إذ هدد الرائد جميل الصالح، قائد جيش “العزة” التابع للمعارضة السورية، الجنود الروس في حال دخولهم مناطق المعارضة في شمال غربي سورية. وقال، في تغريدة، “كل عنصر روسي يدخل المُحرر هدف لنا، وكل من يتعاون معه سيلاقي نفس المصير. لن تكون أرواحنا أغلى من أرواح من سبقنا في طريق الشهادة”. ويعد “جيش العزة” الذي تأسس في العام 2014، من أبرز فصائل “الجيش السوري الحر” في ريف حماة الشمالي، حيث يتولى قيادته وتدريب مقاتليه عدة ضباط منشقين عن جيش النظام، وهذا ما يميّزه عن غيره من فصائل تتبع إلى “الجيش الحر” ويكسبه ثقة الشارع السوري المعارض. لكن مصادر محلية قللت من أهمية هذا التصريح، مشيرة إلى أنه “تصريح إعلامي ليس أكثر”، مضيفة “لا يجرؤ أي طرف في الصراع، سواء قوات النظام أو قوات المعارضة أو هيئة تحرير الشام، على استهداف الدوريات العسكرية المشتركة بين الروس والأتراك في المنطقة منزوعة السلاح الثقيل”.
المصدر: العربي الجديد