أمين العاصي
بدأ المبعوث الأممي الجديد إلى سورية، النرويجي غير بيدرسون، خطواته الأولى في طريق إحياء عملية السلام المتوقفة بسبب تعنّت النظام السوري ورفضه تسهيل مهام الأمم المتحدة في إرساء قواعد حل سياسي للقضية السورية، مع محاولته وحلفائه إجبار المجتمع الدولي على حلّ يُبقيه في السلطة. وهو ما ترفضه المعارضة المتسلحّة بقرارات دولية واضحة تدعو إلى تغيير عميق في بنية النظام السياسية والعسكرية والأمنية. ويبدو أن تحركات المبعوث الأممي الذي لم يمضِ على تسلمه مهامه سوى أشهر معدودة، أثمرت انفراجاً في تشكيل اللجنة الدستورية المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد تجري على أساسه انتخابات، بعدما عرقل النظام طويلاً إنجاز هذه الخطوة التي من المؤمل أن تكون مدخلاً واسعاً لعودة الروح للعملية السياسية.
واتخذ النظام من اعتراضه على أسماء من المجتمع المدني السوري سبيلاً إلى تعطيل مهمة الأمم المتحدة على هذا الصعيد. وأكدت مصادر مطلعة أن “المبعوث الأممي أقنع النظام بتجاوز هذه المسألة، كاسباً موافقته على الأسماء التي اعترض عليها، ومنها اسم السفير السوري السابق في لندن، سامي الخيمي، فأكدت مصادر لـ”العربي الجديد”، أن “النظام لم يكن مرحّباً بوجود الخيمي في اللجنة الدستورية، بسبب انتقاده للطريقة التي تعامل بها النظام مع الثورة”.
وزار بيدرسون، يوم الأحد الماضي، العاصمة السورية دمشق، والتقى وزير خارجية النظام وليد المعلم، حيث بحثا “الجهود المتواصلة المبذولة من أجل إحراز تقدم في المسار السياسي لحل الأزمة في سورية، واستكمال المشاورات المتعلقة بالعملية السياسية بما في ذلك لجنة مناقشة الدستور”، وفق ما ذكرت وكالة “سانا” المتحدثة باسم النظام.
ومن المقرر أن يلتقي المبعوث الأممي، يوم الخميس المقبل، وفداً مصغّراً من هيئة التفاوض، التي تمثل المعارضة السورية في سياق مساعي الأمم المتحدة لحل معضلة تشكيل اللجنة، المتوقع أن يعلن عنها بيدرسون الشهر المقبل في مدينة جنيف السويسرية.
في هذا السياق، اعتبر المتحدث الرسمي باسم هيئة التفاوض، يحيى العريضي، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “جملة من النقاط ستكون على طاولة التباحث يوم الخميس، في مدينة جنيف، بين وفد الهيئة وبيدرسون، أبرزها وضع اللمسات الأخيرة على اللجنة الدستورية”. وفصّل بالقول: “سنبحث مع المبعوث الأممي رئاسة اللجنة الدستورية، وآليات التصويت، ومرجعيات اللجنة”. وكشف العريضي أن “المبعوث الأممي سيحضر الجولة الجديدة من مفاوضات مسار أستانة يومي 25 و26 إبريل/ نيسان الحالي”، مشيراً إلى أنه “سيتم الاتفاق على أسماء أعضاء اللجنة الدستورية في أستانة، على أن تُعلن في مدينة جنيف، كون الأخيرة هي العنوان الرئيسي للمفاوضات بين المعارضة والنظام تحت سقف الأمم المتحدة”.
وأشار إلى “أن سلل التفاوض الأخرى ستكون محل اهتمام في اللقاء، بين الهيئة والمبعوث الأممي في جنيف، إضافة إلى إجراءات بناء الثقة بين المعارضة والنظام”. وأكد العريضي أن “النظام لا يزال عند موقفه الرافض تسهيل مهام الأمم المتحدة في التوصل لحل سياسي للقضية السورية”، مضيفاً أن “النظام لا يتقدم خطوة في المسار السياسي الا تحت ضغط روسي”. وأشار إلى أن “منهجية المبعوث الأممي الجديد تقوم على مجمل المسائل التي تناولها القرار الأممي 2254، فيتم إنجاز كل هذه المسائل”، مستدركاً: “لكن لهذا الأمر محاذيره، فأي استعصاء في أي محور يعني عرقلة المحاور الأخرى، والنظام يجيد لعبة عرقلة التفاوض. وسبق أن أعلن ذلك وزير خارجيته وليد المعلم حين قال: سنغرقهم بالتفاصيل”.
وأعرب العريضي عن قناعته بـ”أن لدى المبعوث الدولي غير بيدرسون تصميماً على إنجاز شيء بعد 4 سنوات من المراوحة في المكان إبان تسلّم ستيفان دي ميستورا للمهمة”، مضيفاً أن “بيدرسون يعرف تعقيدات الملف السوري ويسعى لفعل شيء”.
وحول الزيارة التي قام بها بيدرسون إلى مدينة حمص الواقعة تحت سيطرة النظام في مارس/ آذار الماضي، وكان لها صدى سلبي في الشارع السوري المعارض، أشار العريضي إلى أنه “يأمل أن يرى بيدرسون تحت راية الأمم المتحدة الدمار الذي تسبب به النظام في كل سورية”، متمنياً “أن يرى بيدرسون الخراب على المستويات كافة، تحديداً على المستوى الانساني الذي كانت وراءه آلة القتل التابعة للنظام”.
ويعدّ مبدأ اللجنة الدستورية نتاج مؤتمر “سوتشي” أو ما سمي بـ”مؤتمر الحوار الوطني السوري” الذي عقد مطلع 2018 بحضور وفد موسّع يمثّل النظام والموالين له، والبعض من قادة المعارضة المتباينة المواقف. ويُفترض أن تتألّف اللجنة الدستورية المنوط بها وضع دستور سوري جديد، من 150 عضواً، ثلثهم من المعارضة التي تمثّلها الهيئة العليا للتفاوض، وثلث آخر من النظام السوري، والثلث الأخير من المجتمع المدني السوري (موالاة ومعارضة)، على أن يتم اختيار 15 عضواً منهم لصياغة دستور دائم للبلاد. وتضم قائمة مرشحي المعارضة إلى اللجنة الدستورية ممثلين عن مكوّنات الهيئة العليا للتفاوض، من “الائتلاف الوطني السوري”، و”هيئة التنسيق الوطنية” التي ينظر إليها باعتبارها ممثلة لمعارضة الداخل السوري، ومنصتي “موسكو” و”القاهرة”، والفصائل العسكرية، ومستقلين.
ومن المتوقع أن تشهد اجتماعات اللجنة الدستورية خلافات جوهرية بين النظام والمعارضة التي تريد دستوراً جديداً يُقلّص صلاحيات رئيس الجمهورية، ويدفع باتجاه اعتماد نظام برلماني أو “مختلط”، فيما يُصرّ النظام على إجراء تعديلات على دستوره الذي وضعه في عام 2012، ويمنح الرئيس صلاحيات مطلقة، ولا تعترف به المعارضة.
وتريد المعارضة تصويتاً على الدستور الجديد داخل سورية وفي بلدان اللجوء، على أن تجري مفاوضات متزامنة مع مفاوضات وضع الدستور، حول الحكم والانتخابات والإرهاب، وهي سلل تفاوضية أقرتها الأمم المتحدة ووافقت عليها المعارضة والنظام معاً.
وكان بيدرسون، الذي تسلّم مهامه في يناير/ كانون الثاني الماضي، قد حدّد خطواته في طريق التوصل إلى حلّ سياسي طال انتظاره للقضية السورية، مشيراً إلى أن “قرارات مجلس الأمن الدولي، بدءاً من بيان جنيف1 في عام 2012 وانتهاء بالقرار 2254، هي المراجع التي يستند إليها في مساعيه”. ويبدو حتى اللحظة أن بيدرسون يدرك تماماً أنه يسير في حقل ألغام سياسي بعد أكثر من 8 سنوات من حرب بدأها النظام ضد السوريين، يرى أنه انتصر فيها ويريد فرض شروط المنتصر على المعارضة التي تتسلح بالقرارات الدولية وتصر على تطبيقها، ما يعني بداية نهاية النظام. أما بالنسبة للمحلل السياسي فواز تللو، فإن “بيدرسون ترك الأمر كاملاً للروس بسبب استنكاف الأميركيين”، وفق ما ذكر لـ”العربي الجديد”.
ومن الواضح أن بيدرسون يريد أن تكون اللجنة الدستورية مدخلاً واسعاً لـ”عودة الروح” إلى المسار السياسي المتوقف منذ بدايات العام الماضي، ولكن مهمته تبدو محفوفة بالمخاطر، إذ لا يبدو أن النظام بصدد تطبيق قرارات الشرعية الدولية الداعية إلى إحداث تغيير عميق في بنية النظام السياسية والعسكرية الأمنية.
من جانبه، رأى رئيس منصة “القاهرة” للمعارضة السورية، عضو هيئة التفاوض فراس الخالدي، أن “المبعوث الخاص إلى سورية غير بيدرسون يحاول حلحلة العقد، ودفع العملية السياسية بوضع استثنائي من التعقيد في المشهد الدولي، والمشهد السوري ـ السوري”. ولفت في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أنه “من المبكر القول إنه يسير في الاتجاه الصحيح أو عكسه حتى تنتج عنه أفعال جادة”، مضيفاً أن “ما سمعته منه، ورأيته حتى اللحظة هو أنه ملتزم بالقرار 2254 ويعمل بجد لتطبيقه من دون زيادة أو نقصان. وهذا عمل مضن، ومهمة صعبة”. وشاركه الرأي عضو هيئة التفاوض، إبراهيم الجباوي، بقوله لـ”العربي الجديد”، إن “يوم الخميس يلتقي وفد من الهيئة المبعوث الأممي للتشاور ولإطلاعنا على نتائج زيارته لدمشق. بعد هذا التاريخ يمكننا الحكم على أداء غير بيدرسون”.
المصدر: العربي الجديد