أحمد مظهر سعدو
بينما يسقط بوتفليقة على أيدي ثورة الشعب الجزائري السلمية، ثم يلتحق به عمر البشير في السودان على وقع إصرار شعب السودان، ينظر شعب سورية إلى كل ذلك مشدوهًا، وهو الذي خرج منذ آذار/مارس2011 ينادي بالحرية والكرامة، وفاقت تضحياته المليون شهيد وأكثر من 400 ألف معتقل، وتهجير ما ينوف عن 14 مليونًا منه. ومع ذلك مازالت ثورته متعثرة، بل تعثر في الأكم وفي الوهد. وما برح يعاني الأمرين على يد جلاد العصر ونظامه القمعي. ولسان حاله يقول: لماذا نجحت ثورة الشعب الجزائري بإسقاط الطاغية على الأقل، كما نجحت ثورة الشعب السوداني بكنس الاستبداد البشيري، حيث بقي الشعب السوري في عثاره الكبير. وبقيت (حتى الآن) ثورة الحرية والكرامة تعاني من فشل المعارضة، وتخلي الأصدقاء، وحقد الأعداء.
وهذا ما دفع جيرون لتسأل لفيفًا من الكتاب والباحثين والمعارضين، عن أسباب ذلك بنظرهم؟
الباحث السوري الدكتور زكريا ملاحفجي أكد لجيرون بقوله ” إن نجاح الثورة في الجزائر والسودان والتعثر الدموي في سورية، يعود لأسباب كثيرة أبرزها الحالة الطائفية في المؤسسة الأمنية والعسكرية التي رسخها الأسد الأب، فبنى مؤسسة رسخ فيها الطائفة، وعمل على تخويف طائفته من الثورة، ومن العرب السنة. علمًا إن الثورة السورية لم تكن طائفية بأي حال من الأحوال”. ثم أضاف ” وهناك أسباب إقليمية ودولية تتعلق بالجوار مع إسرائيل، وقسم منها يتعلق بممرات الطاقة، ودولية عبر الدور الوظيفي الكبير الذي قدمه الأسد الأب والابن في المنطقة، لكن هذا لم يكن ليتوفر في المؤسسات العسكرية الجزائرية والسودانية، ولا الموقع الحساس للغاية لسوريا، كما أنه لا توجد دول ساندت الحاكم الجزائري ولا السوداني، وهذا جزء مهم جدًا فالظروف الداخلية والخارجية كانت تساعد الشعبين الشقيقين، لكن أعتقد أن كلا الشعبين بحاجة للتنبه والوعي الاستراتيجي، كي لا تتغير صورة الحاكم ويبقى نظام الحكم الاستبدادي القمعي العسكري، وإنما تنتقل هذه الدول إلى حكم الكثرة بدل حكم الفرد، وحكم الشعب ودوره في الاختيار والعزل، لتنمو هذه الدول وتزدهر، وهذا سيعزز لدى السوريين الأمل في كون إرادة الشعب لاتقهر، وأن حركة التاريخ في التغيير قادمة لا محالة، مهما كان حجم التضحيات والمستبدين إلى زوال”.
بينما ترى الكاتبة السورية جيهان سيد عيسى أنه ” من المبكر الحكم على ثورتي السودان والجزائر بالنجاح، فحكمنا بنجاحها هو كحكم من حكم سابقًا بنجاح ثورة مصر بمجرد تنحي مبارك. فالنظام كما مايبدو لي لم يسقط (مثلًا) في الجزائر، بدليل الاستقالة التي كتبها بوتفليقة الميت سريريًا، وكذلك السودان من انتصر حاليًا فيها هو حكم العسكر، لكن قد يكون الوضع في المشهد السوداني مختلفًا بسبب عدة مسائل منها القبلية واعتباراتها”. وعن وضع سورية ترى أن ” الفرق هو في بقاء رأس النظام كل تلك السنوات، وذلك بسبب خصوصية سورية الجغرافية والسكانية. موقعها بالنسبة لإسرائيل، والحكم الطائفي، والتعدد العرقي والديني في سورية، والضمانات التي قدمها الأسد الأب سابقًا والتجاذبات الإقليمية حولها، إيران وتركيا والأطماع الدولية في المنطقة، ولاسيما روسيا وغيرها كثير من الأسباب جعلت الثورة السورية تختلف عن كل ثورات الربيع العربي، وبالتالي من الصعب مقارنتها بأي منها “.
الأكاديمي السوري الدكتور سعد وفائي قال لجيرون ” عندما يشعل بائع خضرة في تونس الخضراء بنفسه النار انتقامًا لكرامته المهدورة، لتنبت على جثة البوعزيزي زهور الربيع العربي ولتكون تلك البلد المعطاء مثالًا جميلاً تحتذي به مصر، وتلحق بها ليبيا واليمن ثم سورية.
تفاجأت الديكتاتوريات بسرعة هروب زين العابدين وسقوط مبارك، وما إن لحق بالقذافي مصيره المشؤوم، حتى بدأت البلدان العربية تلتقط أنفاسها فتدخلت في ربيع اليمن، علها تصل إلى تسويات توقف مد الربيع، غير أن سورية لم تنتظر طويلًا ملتحقة بالربيع العربي، لتكون المفاجأة بإستعداد النظام السوري وحليفه الرئيسي نظام الملالي الإيراني للقيام بكل ما يلزم لإيقاف ربيع سورية، بكل ما يملكون من إجرام، مدعومين بالصلافة الروسية، وقد نالت هذه الاستعدادات إعجاب الكثير من الديكتاتوريات، وراقت لهم فكرة الخوض في سورية بقضهم وقضيضهم بل في جميع التفاصيل، راغبين في جعل سورية كابوسًا لأي شعب عربي تراوده نفسه بالحرية أو الكرامة أو ما شابهها من مفردات غابت عن الساحات العربية منذ ولادة هذه البلدان. حينها بدا وكأن المخطط قد نجح وتوقف الربيع العربي عند سورية، وتصدرت أخبار السوريين والكيماوي الأسدي، وتدخل المليشيات، وسائل الإعلام إمعانًا في ترهيب الشعوب العربية من أي فكرة للتغيير، فلقد صمتت الشعوب المقهورة ثمانية أعوام، لكن وكما يبدو فإن صمتهم لم يكن رضا، وإنما كان في تعلم الدروس ومنها: كيف يجب أن يكون حراكهم منضبطًا، لا تسليح، لا تفرقة ، مثابرة وصبر، العمل على تحييد الجيش . وكما يبدو لم تكن الشعوب فقط هي من تتعلم، بل الدول العميقة، أو العصابات الحاكمة هي أيضًا كانت تستفيد من دروس سورية ومصر على وجه التحديد”. وأضاف وفائي ” السودان الأبي يتحرك وتتحرك بلد المليون ونصف شهيد الجزائر ، حتى رأينا الدولة العميقة تتحرك بحذر وتلعب مع الشعوب لعبة المساومات فتقدم أثمانًا بخسة لمطالب حقة، غير أن الشعبين كانا واعيين بما يكفي لإستمرار الحراك، والتركيز على المطالب، وسحب أي ذريعة لتدخلات الجيش السلبية، ولاحظنا شبه الإجماع من الأحزاب والتيارات على مطالب إسقاط البشير وبوتفليقة، فتضطر المجموعات الحاكمة إلى الوصول نحو ثمن غير مرغوب فيه، لكنه مقدر بشكل كاف، فيتنازل بوتفليقة ويقال أن البشير قد أوقف في إشارة من الدولة العميقة، وإلى أنه قد حصلت استجابة للحراكات الشعبية. مرة أخرى نرى أن الشعبين قد حفظا الدرس وتعلما ما يكفي ليستمران بالحراك والتظاهرات مطالبين بإزالة كل من له علاقة بالحكم السابق.” ثم قال وفائي ” لا يمكن لأي مراقب أن يحكم على التجربتين سوى بالنضج، لكن يصعب البت بالنصر فإلى الآن تمسك بزمام الأمور في السودان والجزائر الطغمة الحاكمة، ممن كان خلف بوتفليقة والبشير بمعنى أنه إلى الآن لم تحصل انطلاقة حقيقية لعجلة التغيير، وإنما أصبحت هذه العجلة قابلة للدوران بعد زوال العقبتين الرئيسيتين البشير وبوتفليقة. لكن سورية تدخلت فيها كثير من اللوبيات العربية والدولية لتمنع انتقال حركات الربيع العربي إلى باقي بلدان العرب، بينما السودان والجزائر تحركتا بنضج وخبرة آذنت بعلامات النصر، وتنتظر أن تحقق هذه العلامات أو تحقق النصر
الدول العربية العميقة المتعاضدة والمتضامنة، وستعمل بكل ما بقي لها من قوة من أجل التدخل في الربيعين السوداني والجزائري خشية وصول الربيع إلى شعوبهم، ونتمنى من قلوبنا أن تستمر وتترسخ النجاحات السودانية والجزائرية، فهذا إيذانًا حقيقيًا بسقوط النظام السوري وكل داعميه الظاهرين وغير الظاهرين”.
عمر شحرور رئيس حزب العدالة والتنمية السوري المعارض أشار إلى أن ” ثورتي شعبينا العظيمين في الجزائر والسودان لم تنجحا بعد ! نجحت في الإطاحة برأس الطغاة هناك، لكن يجب عليهم أن يُرحِّلوا حكم العسكر الذي ( ما زال مسيطرًا على البلاد ) وأن يستعيضوا عنه بحكم مدني يأتي به الشعب عبر انتخابات حرة نزيهة بإشراف دولي، يتم برعاية لدستور وطني يحمي المواطنين وحقوقهم ويصون الحريات العامة والخاصة من تشكيل للأحزاب ولمنظمات المجتمع المدني ويصون حقوق الإنسان، ويسمح لمنظماته في العمل بكامل الحرية بل ويتيح لها إحالة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية إلى القضاء ليلاقوا جزاءهم العادل، كما يتطلب من الحكم المدني حماية وتعزيز سلطة القضاء واستقلاله بما يضمن له النزاهة في مختلف جوانب عمله. وندعو القوى السياسية الليبرالية والديمقراطية وأيضًا الإسلامية إلى الوحدة، لاستكمال أهداف الثورة التي شكل إسقاط الرئيسين بوتفليقة والبشير الخطوة الأولى فيها”. وأضاف ” لكي تنجح ثورتي الجزائر والسودان وتحقق أهدافها المعلنة بالحرية والديمقراطية وتفكيك منظومة الاستبداد فهذا يحتاج إضافة إلى وحدة القوى والشخصيات والفئات الوطنية الشريفة حول برنامج وطني واحد واسع، وهذا يحتاج إلى تحالفات إقليمية ودولية تتيح لهذا العمل الثوري أن يتقدم في مساره، كما يتطلب منهم اختيار قيادات ثورية حقيقية متعلمة مخلصة وأمينة ودفع الثورة باتجاه الحفاظ على حركتها السلمية، لتلقى التعاطف العالمي، ومن ثم تفكيك مؤسسة الجيش والأمن لتكون في خدمة الوطن والشعب، وهذه العوامل الثلاثة التي تحتاجها كل ثورة لم تتوفر في الثورة السورية التي بدأت شعبية / عفوية لم تستطع قياداتها جميعها دون استثناء الارتقاء والتطور، لتأخذ بيد الشعب إلى النصر، وذلك لأسباب عديدة أهمها أن القيادات في الداخل والخارج كانت نصف أمية، ومعظمها فاسد غير أمينة وغير ثورية كما نرى في صفوف الائتلاف والمعارضة”
أما الكاتب والمعارض السوري أحمد أراجة فتحدث عن أسباب تعثر الثورة السورية ومنها أن “حافظ الأسد أسس جيشًا طائفيًا، ثم دعم قوى إقليمية ودولية للنظام، وكذلك غياب قيادة وطنية للثورة، وركوب موجة الثورة من المنظمات الاسلاموية، والتربية السياسية السورية العامة التي تتنافى مع التشاركية وتنطلق من الروح الفردية.” ورأى أن انتصار الشعب الجزائري والسوداني ” يعود لأكثر من أمر: أولًا التجانس الشعبي، ثانيًا البعد عن إسرائيل. ثالثًا استفادة الجيش من تجارب الثورات العربية وخاصة الثورة السورية، وقد ينحو الجيش في كلا البلدين نحو الاستفادة من تكتيك المجلس العسكري المصري (أي امتصاص الثورة الشعبية) وإجراء بعض الإصلاحات البسيطة. إن ما يجري في الوطن العربي لا أراه سوى مقدمات لثورة شعبية كبرى تحدث انقلابًا حضاريًا وأول الطريق يبدأ بخطوة. وكل ما نراه ليس إلا الخطوة الأولى: كسر جدار الخوف وتكوين بذرة وعي لإحداث التغيير”.
المصدر: جيرون