إسماعيل جمال
بالتزامن مع تكثيف تركيا مساعيها للضغط على روسيا من أجل تثبيت اتفاقيات وقف القتال في محافظة إدلب، وتواصل المفاوضات مع الولايات المتحدة لإقامة منطقة آمنة في منبج وشرقي نهر الفرات، بدأ النظام السوري بإرسال رسائل لأنقرة من أجل تسليمه المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية في شمال سوريا.
وتسيطر القوات التركية بشكل محكم على مناطق “درع الفرات” التي تشمل جرابلس والباب وأعزاز ومحيطها، ومناطق “غصن الزيتون” وهي محافظة عفرين ومحيطها، حيث تشهد تلك المناطق استقراراً أمنياً إلى حد كبير باستثناء هجمات واشتباكات محدودة جداً بين فصائل المعارضة السورية والجيش التركي من جهة، والوحدات الكردية من جهة أخرى.
وإلى جانب ذلك، وعلى الرغم من أن تركيا نجحت حتى الآن في منع هجوم عسكري واسع على محافظة إدلب الأكبر في شمالي سوريا، إلا أن الاتفاقيات المتتالية التي وقعتها مع روسيا لم تتمكن حتى الآن من منع الخروقات والهجمات على أطراف المحافظة، وهو ما يصعب اعتبارها “منطقة آمنة” للسكان الذي يتعرضون إلى هجمات مستمرة وما زالوا يخشون خطر العملية العسكرية الواسعة.
وفي تصريح لافت، اعتبر المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن أن “المنطقة الآمنة تشكلت فعلياً في شمالي سوريا”، وقال: “الأرض الممتدة من إدلب إلى منبج مرورا بعفرين وجرابلس داخل الحدود السورية التركية، تشكلت فيها منطقة آمنة فعليا”.
ورغم هذه التصريحات، فإن الأولوية التركية ما زالت تتمثل في وقف الخروقات وتثبيت اتفاقيات “نقاط المراقبة” و”المنطقة منزوعة السلاح” وذلك بهدف اعتبار إدلب “منطقة آمنة” فعلياً، وإنهاء شبح حصول هجوم عسكري واسع قد يؤدي لموجة هجرة ضخمة جديدة باتجاه الأراضي التركية.
لكن ذلك يبدو التطبيق صعبا خلال الفترة القريبة المقبلة، لا سيما مع وجود توافق تركي روسي على ضرورة “محاربة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها هيئة تحرير الشام” التي تسيطر على المحافظة، حيث تدعم روسيا سيطرة النظام السوري على المحافظة، بينما ترى تركيا بضرورة محاربة التنظيمات الإرهابية بشكل محدد وإبقاء السيطرة على المحافظة في يد الجيش التركي وفصائل المعارضة “المعتدلة”.
في السياق ذاته، تتواصل المباحثات التركية الأمريكية حول مصير منبج وشرقي نهر الفرات، وتتركز المباحثات في الوقت الحالي حول المقترح الأمريكي بإقامة “منطقة آمنة” أو منطقة خالية من الوحدات الكردية بعمق 32 كيلومتر على طول الحدود السورية مع تركيا شرقي النهر.
لكن وبالتزامن مع ذلك كله، وصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى تركيا قادماً من دمشق لأول مرة، متحدثاً عن نقله فحوى المباحثات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى تركيا وهو ما فتح الباب واسعاً أمام الكثير من التكهنات.
وتحدثت مصادر سورية وتركية وروسية أيضاً عن سيناريوهات مختلفة أبرزها أن ظريف نقل رسالة من الأسد لتركيا بضرورة تسليمه السيطرة على المناطق الحدودية شرقي وغربي النهر مع التعهد بحفظ أمن تركيا ومحاربة الوحدات الكردية، وحديث آخر عن فتح قناة اتصال أرفع بين أنقرة والنظام، وغيرها من التكهنات.
ما دعم هذه التكهنات تصريحات الوزير الإيراني الذي أكد وجود مساعي لبلاده من أجل إعادة العلاقات السورية التركية إلى طبيعتها، وحديثه عن “التفهم الإيراني للمخاوف التركية من التهديدات الإرهابية، وأهمية ضبط الجيش السوري لحدود بلاده لإذابة القلق التركي”.
لكن المتحدث باسم الرئاسة التركية نفى وجود أي اتصالات لحكومة بلاده مع السلطات السورية: “لا نبحث عن أي وسطاء ولسنا على أي اتصال مع النظام السوري ولا نخوض أي حوار معه، وفي حال وجود ضرورة للتواصل معه نقوم بذلك عبر روسيا وإيران”.
هذه التصريحات تتماشى إلى درجة كبيرة مع محددات الموقف التركي الحالي من النظام السوري، فعلى الرغم من تراجع أولويات أنقرة في ملف اسقاط الأسد إلا أن الموقف الرسمي لم يشهد تقلبات أكبر حتى الآن حيث ما تزال تركيا ترفض الحوار السياسي والمباشر مع النظام الذي ما زالت تصر على أنه فقد شرعيته، وتقوم باتصالات محدودة جداً معه على مستوى أجهزة المخابرات، وبالتالي لا يتوقع أن تتطور هذه الاتصالات على المدى المنظور وصولاً لمرحلة بناء الثقة والتوافق على ملفات حدودية هامة.
ورغم تأكيدها على عدم رغبتها في البقاء في سوريا، إلا أنها ترفض بشكل قاطع إمكانية الانسحاب في الفترة الحالية، وتربط ذلك بالتوصل إلى حل سياسي نهائي للازمة السورية ووجود نظام سياسي توافقي وقوي يمكنه ضبط الحدود ومنع خطر التنظيمات الإرهابية والانفصالية.
وفي هذا السياق، اعتبرت الرئاسة التركية أن “تسليم تركيا الأراضي التي سيطرت عليها شمال سوريا لسلطاتها أمر غير واقعي”، وقال: “بالنظر إلى الوضع الذي أسسته تركيا في المناطق الممتدة من جرابلس إلى عفرين، ومن عفرين إلى إدلب، فإنه من الجلي رؤية عدم انتشار عناصر وحدات حماية الشعب أو “داعش” أو قوات الحكومة فيها”، معتبراً أن “دعوة قوات النظام إلى المناطق التي طهرتها تركيا نوع من انتهاز الفرص”.
وعن مبررات الموقف التركي، يقول قالن: “بالنظر إلى المناطق الأخرى من سوريا، نرى أن النظام سلم شرق الفرات إلى الأمريكيين، وبعض المناطق إلى تنظيم وحدات حماية الشعب قبل عمليتنا فيها، وبعض المناطق إلى الاتحاد الروسي، ونرى كذلك أنه سلم بعض المناطق إلى جهات أخرى جنوبي البلاد”.
وعلى المدى المنظور، يبدو أن تركيا سوف تبقي على سيطرتها ونفوذها بقوة في مناطق جرابلس والباب وأعزاز وعفرين، في حين تسعى للحفاظ على سيطرتها على مركز محافظة إدلب مع إمكانية خسارة أطرافها التي يعمل النظام بدعم روسي إلى قضمها تدريجياً، بينما يبقى مصير منبج وشرقي نهر الفرات مرتبطاً بنتيجة المفاوضات المتواصلة حول الانسحاب الأمريكي.
المصدر: القدس العربي