عبد الباسط حمودة
كانت تغريدة “ترامب” واعترافه لاحقاً بسلطة الاحتلال الصهيوني على الجولان، تنفيذ لما فعله حافظ أسد ببلاغه العسكري رقم (66) عبر إذاعة دمشق يوم 10 حزيران 67 19وقبل دخول القوات الصهيونية إليها بعشرة أيام. ورغم قدم قضية الجولان التي تعود لما قبل الاحتلال الفرنسي أي للترتيبات الانكليزية /الفرنسية التي أعقبت مؤامرة سايكس- بيكو، فإن الصهاينة كانوا مدركين مبكراً لأهمية الجولان بالنسبة لاستيطانهم واحتلالهم الآمن لفلسطين، وفي هذا الإطار جاءت مهمة كوهين وأمثاله من الجواسيس في سورية لتهيئة الأجواء لكل ما يخدم مصلحة الصهاينة وتلزيم حكم سوريا لمن (يتعربش) على مجدها لصالحهم، الأمر الذي تحقق عبر الجاسوس حافظ أسد وريث كوهين البعثي وجوسسته.
وليس غريباً قيام عبد الحليم خدام باعتباره محافظ القنيطرة عام 1967 بإبلاغ الكثير من أبناء القرى التي تنحدر من طائفة حافظ أسد خاصة “زعورة” و”عين فيت” بالرحيل لدمشق قبل حرب 67 بأسبوعين، لأن هناك ترتيبات خاصة، وجاء ذلك عبر أقارب زوجة خدام الأولى التي تنحدر من تلكم الطائفة.
نعم كانت كل الترتيبات قد اتخذت لتنفيذ المؤامرة وجر مصر لحتفها كعقوبة على قيادة التطور والتقدم والتحرر عربياً؛ هذه شهادة (سامي الجندي)، أحد أركان نظام سورية الذي كان لحافظ فيه الكلمة الأولى فهو وزير الدفاع وقائد الطيران والمتحكم الأول في القرار آنذاك، وكان “الجندي” وزيراً للإعلام وعضو القيادة القطرية لحزب السلطة، ومن مؤسسيه، وهو الذي اعترف أنه قد أُرسل سفيراً إلى باريس في مهمة سلمية. يقول “سامي الجندي” في كتابه (كسرة خبز): لم أُخفِ أبداً أن النظام في سورية يُعد لهزيمة وليس لاسترداد فلسطين، نعم.. نعم.. لم تكن هناك أية بادرة للنصر، ولا أعني أنه كان يُعد لهزيمة نفسه، وإنما لهزيمة العرب الآخرين، كي يبقى الثوري الوحيد وسيد المناخ الثوري العربي!
ويشير (إدوارد شيهان) في كتابه “كيسنجر والإسرائيليين والعرب” إلى واقعة مهمة جداً تلقي ضوءاً كاشفاً على وضع نظام البعث ومنه حافظ أسد وارتباطاته.. يقول “شيهان” في كتابه وهو المرافق لكيسنجر في مكوكياته: إن المخابرات الاسرائيلية كانت تتعمد عند عودة كيسنجر من دمشق إلى القدس أن تدهشه باطلاعه على ما دار بينه وبين حافظ أسد في دمشق كما تُطلعه على مضمون الرسائل المتبادلة بين حافظ والملوك والرؤساء العرب الآخرين. فإذا علمنا أن أغلب لقاءات كيسنجر مع حافظ كانت مغلقة، عرفنا جواب اللغز القائم في كلام “شيهان”.
تساءلت (مجلة التايم)، أول أيلول 1967 حول سقوط الجولان: “إن سورية تسيطر على سلسلة من التلال الصخرية الشديدة الانحدار، تمتد لمسافة أربعين ميلاً، وتشرف على سهول منكشفة للنيران، وعلى جوانب التلال خطوط دفاعية مستقلة بعضها عن بعض، وكل خط منه تحميه ثلاث طبقات من الألغام، والأسلاك الشائكة والاستحكامات المنيعة، وللوصول إلى الطبقة العليا يجب عبور تسعة خطوط (ماجينو صغيرة)؟!! ولكن كل ذلك لم يستعمل، وهناك أمر آخر في غاية الخطورة: فالطرق والمحاور في منطقة الجبهة قليلة جداً، والأرض غاية في الوعورة وانعدام صلاحيتها للحركة السريعة للآليات، وقد سبق لقيادة الجيش أن حفرت التخريبات المختلفة على محاور التقدم المحتملة لقوات العدو، وقد كان من أبرزها: (الملاغم) التي وضعت في نقاط الممرات الإجبارية على الطرق ولو أنها نسفت لسدت الطريق أمام الآليات ووضعت العدو تحت النيران السورية، ويستطيع أي عسكري أن يفجرها، ولكنها لم تنسف فلماذا سقط الجولان الحصين؟!!
قبل نكبة 67 قام حزب البعث الذي تسلط على الدولة بانقلابه 1963 بتسريح أفواج كثيرة من خيرة الضباط وخلال أربع سنوات تم إخراج أكثر من 85% من ضباط وعناصر الجيش وقد وصف ” سامي الجندي” في كتابه السابق الوضع بقوله: “كنت أنذرهم أن سُبل الثورة باتت خطرة على نفسها وعلى الشعب؛ وأنها ما باتت ثورة بل انقلاب شرذمة، أدى بها الغرور والأنانية والتمسك بالحكم إلى طغيان بوليسي، لا هدف له ولا رجاء منه غير الخراب والتخريب والولوغ بالدم والشرف.
إذاً كان في وسع قيادة حزب البعث في سوريا، أن تعبئ ربع مليون من المقاتلين في وجه إسرائيل عام 1967على الأقل إن كانت تريد القتال والتحرير، وهذا الـ (ربع مليون) فيه من أهل الاختصاص والخبرة عشرات الألوف من الضباط وضباط الصف والجنود، الذين سرحوا من الجيش خلال العهود السياسية المتعاقبة، فلم تستنفر هذه القوى لتؤدي دورها في الدفاع عن البلاد؟؟! وهو الذي لم يحصل وفق ما سطره (خليل مصطفى) بكتابه “سقوط الجولان”.
هنا تقع أول نقاط الاتهام، بحق المجرمين الذين صنعوا هذه النكبة، ويدعم هذه التهمة تصريح خطير لقائد الجيش البعثي، يثبت الجريمة ويدين المجرمين.. وفق كتاب خليل مصطفى؛ فلقد صرح اللواء أحمد سويداني، رئيس الأركان العامة، عشية الحرب وبتاريخ 4/5/1967، خلال زيارته لتفقد القوات في الجبهة، وأمام جمع من ضباط الوحدات قائلاً: (إن القيادة لا تتوقع الصدام مع العدو. وإن الذي ترونه يجري الآن، ما هو إلا تظاهرة عسكرية بالحشد).
هذا دون التعرض لما سطره “سعد جمعة” رئيس وزراء الأردن آنذاك في كتابه (المؤامرة ومعركة المصير) من وثائق خطيرة ذات صلة. وفي حالتنا هذه التي نناقشها، يرى الناظر إلى الخريطة أن القوات المعتدية بالجولان لم يتم تطويقها، وأن نجدة الجولان كانت ممكنة؛
أخيرا يمكن القول: تمت الصفقة ونجحت إسرائيل باحتلال الجولان، ونجح حزب البعث بالاحتفاظ بالسلطة في سورية، وايصال عراب الصفقة لحكمها ونهبها وافسادها وتخريبها لثلاثين سنة متواصلة، عبر مقولات الصمود التصدي والممانعة والشعارات الفارغة التخديرية، ومن ثم تدميرها وتشريد أهلها على يد وعبر وريثه القاصر وجيشه الإرهابي حين أصر الشعب على نيل حقوقه في الحرية والكرامة، وكل ذلك ما كان ليتم لولا تأمين نظام الحكم الطائفي المجرم من الصهاينة وداعميهم الأمريكان.
ملحق: البلاغ رقم 66 عن سقوط القنيطرة:
بلاغ صادر من راديو دمشق صباح يوم السبت (10/6/1967م)، يقول البلاغ: [بالرغم من تأكيد إسرائيل لمجلس الأمن الدولي أنها أوقفت القتال فإنها لم تنفذ ما تعهدت بـه وبدأت قوات العدو صباح اليوم الضرب بكثافة من الجو والمدفعية والدبابات … وإن القوات الإسرائيلية استولت على مدينة القنيطرة بعد قتال عنيف دار منذ الصباح الباكر في منطقة القنيطرة ضمن ظروف غير متكافئة، وكان العدو يغطي سماء المعركة بإمكانيات لا تملكها غير دولة كبرى.. واستولى على مدينة القنيطرة على الرغم من صمود جنودنا البواسل، ولا يزال الجيش يخوض معركة قاسية للدفاع عن كل شبر من أرض الوطن.. كما أن وحدات لم تشترك في القتال بعد قد أخذت مراكزها.
المصدر: صحيفة اشراق