ميشيل كيلو
يطرح تحرّك إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ضد جماعة الإخوان المسلمين من الأسئلة ما ستتناوله الكتابات فترة طويلة مقبلة. أقدم هنا ملاحظات على البيئة التي اتخذ ترامب قراره فيها:
ـ شهدت العقود القليلة الماضية انحدارا متسارعا في مكانة الجماعة، بين محطاته المفصلية حكم الرئيس محمد مرسي في مصر الذي اختط نهجا سياسيا قوّض صدقية الجماعة في العالم العربي، بمناقضته ما جاء في نصوصها بشأن الخيار الديمقراطي، وإقدامه على تحويل انتفاضة شعبية هائلة إلى انقلاب إخواني انفردت به الجماعة، كأنها أنجزته وحدها، كما حوّل الانتفاضة ضد النظام إلى انقلابٍ ضد الدولة، لاعتقاده أنه توجد دولة إسلامية، والظرف الشعبي مناسب لإقامتها. الغريب إن الجماعة لم تتخذ موقفا مما فعله، فبدا وكأن ما ينفذه هو قرارها الذي طرح على كثيرين ما سماه محمد حسنين هيكل الاختيار بين المسجد والثكنة، فاختاروا الأخيرة، بسبب خشيتهم من الجماعة وحكمها.
ـ لم تكن تجربة عمر البشير في السودان أفضل، على الرغم من أن ثلاثين عاما في السلطة كانت كافية لمراجعة نهجه وإصلاحه، لكنه بادر إلى بناء نظام شمولي وقمعي من طراز أسدي. يتساءل من يتابع ردود أفعال شعب السودان عليه، إن كان قد نال يوما قبول مواطن سوداني واحد، ويسعد لأن قادة جيشه تخلوا عنه، بعد أن أبلغهم بأن الشرع يبيح له قتل 30% إلى 50% من المتظاهرين، حسب ما صرّحوا. من الذي يمكنه بعد البشير تصديق وعود الجماعة التي ربما لم يكن عضوا فيها، إلا أنه كان مقربا منها، ولم تتنصل منه؟
ـ لم يحمل إخوان سورية العبء الأكبر من المعركة ضد من ارتكبوا جرائم مرعبة باسم الإسلام. ولم يتصدّوا هم أو أي طرف إسلامي لمرتكبيها من مجرمي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة الذين كان يُنتظر أن تشن حربا شعواء عليهم، وعلى بقية التيار المتأسلم المتعسكر الذي رفع شعار الدولة الدينية أو دولة الخلافة، وأن يكون موقفها منهم رافعتها السياسية والأخلاقية والوطنية. لكنها لم تقم بما كان الرهان الثوري يتطلبه، على الرغم من أنها كانت قد أصدرت وثيقتين مهمتين بشأن الخيار الديمقراطي بوصفه نتاجا حتميا لأية ثورة ضد النظام الأسدي، لم يظهر لهما أي أثر في مواقفها من التطرّف باسم الدين، سيما وأن موقف المطالبين بالخلافة لعب دورا مهما في تقويض ثورة الحرية، ممن لم يردعهم ممثلو الإسلام السياسي، وأنصارهم من رجال الدين الذين أخذوا مواقف متأخرة ومتباعدة من مشروع الدولة الإسلامية، على الرغم من علمهم أن الثورة لا تنجح بخيارين متناقضين، وأن المتأسلمين المتعسكرين يساعدون الأسد، ويلحقون ضررا فادحا بالشعب، ويدمرون ثورته.
ـ يفيد قرار ترامب من هذه التجارب التي أعقبتها تراجعات عامة في مكانة الجماعة وصدقيتها، وطرحت أسئلة محرجة عليها، تتصل بإشكالية لطالما أمسكت بخناقها، على الرغم من تهرّبها منها، هي: إلى أي حد يمكن صياغة سياسة تتطابق مع منطلقاتٍ ومآلات دينية؟ وفي العلاقة بين السياسة والدين، أيهما وضع في خدمة الآخر، الدين بسموه الروحي أم السياسة بما فيها من ممارسات غير أخلاقية ومنافية لقيم الدين؟
أجابت حركة النهضة في تونس على هذا السؤال بفك السياسي عن الدعوي، أي بفصل الجماعة إلى حزبيين ودعاة، لم تحدّد بعد طبيعة أدوارهم والعلاقة بينهم، مع العلم أن الجماعة عملت دوما كحزب دعاة، أوصلها اندماجهما، وصعود تنظيمات الإسلام المسلحة، إلى مأزق انعكس على صدقيتها، خصوصا في ما يتصل بالخيار الديمقراطي الذي سيبقى مأزقيا، إذا كانت قياداتها الحالية هي التي ستتولى الإشراف على الجماعتين.
تقف الجماعة على مشارف تحدٍّ مصيري، لن ينقذها منه غير تحولها إلى حزب مواطنين، يتقيدون بقيم الدين.
المصدر: العربي الجديد
Comments 1