حسين عبد العزيز
ما الذي دفع الروس إلى رفع وتيرة التصعيد العسكري في منطقة إدلب في شمال سورية بطريقةٍ لم تشهدها الأشهر السابقة منذ توقيع اتفاق سوتشي بين موسكو وأنقرة؟ لا يتعلق الأمر بالساحة الداخلية لإدلب بالتأكيد، حيث لم تحدُث أية تطورات عسكرية أو إدارية ـ تنظيمية، تبرّر هذا التصعيد، في وقت ظل الخطاب السياسي الروسي على حاله، في ما يتعلق بتطبيق تركيا بنود الاتفاق.
يجب ربط فهم ما يجري في إدلب بالضرورة بالتطورات السياسية التي حصلت خلال الأسبوعين الماضيين:
ـ فشل اجتماع أستانة فشلاً ذريعاً، خصوصاً في ما يتعلق باللجنة الدستورية. وقد جعل هذا الفشل الروس مستائين من الأتراك، لعدم ممارستهم الضغوط الكافية على المعارضة السورية، في ما تبدو موسكو حريصةً على إحداث اختراق في جدار هذا الملف، مع قرب ترتيب المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون، أوراقه التفاوضية لبدء جولة جديدة في جنيف، بعدما تبين له عجز الروس في الإمساك بهذا الملف.
ـ التصريحات التركية ـ الأميركية المشتركة التي أكدت على اقتراب الطرفين من الاتفاق على شكل المنطقة الأمنية في شمال شرقي سورية، بعد محادثاتٍ أجراها المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، مع الأتراك والأكراد.
ومن شأن أي تفاهم تركي ـ أميركي في شرق سورية أن ينعكس سلباً على الدور الروسي الذي يعمل جاهدا من أجل أن يكون له دور في هذه المنطقة، فضلا عن أن حصول تركيا على بقعة جغرافية جديدة في سورية من خارج البوابة الروسية يسمح لأنقرة بدور أكبر في عموم المنطقة الشمالية، الأمر الذي يمنحها قدرةً أكبر على الموازنة بين القوتين الروسية والأميركية.
ـ إعلان قيادي في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أنها تجري مفاوضات غير مباشرة مع تركيا، مع إبداء الاستعداد لحل كل المشكلات العالقة بين الطرفين. وتشكل هذه المفاوضات التي تجري بوساطة أميركية تطوراً مهماً جداً، يشكل قطيعة سياسية مع المرحلة السابقة.
ومع أن الشروط التركية والشروط الكردية المضادة تجعل من الصعب توصل الطرفين إلى تفاهم بشكل سريع، إلا أن لهذه المفاوضات أبعاداً استراتيجية على الصعيدين، المحلي والإقليمي، فبالنسبة لـ “قسد”، سيعني ذلك أنها تمتلك خيارات عدة لترتيب أوراقها، وليس خياراً واحداً هو النظام السوري. وبالنسبة لتركيا، ستعني هذه المفاوضات، إذا ما نجحت، تغيير الترتيبات والتحالفات في الشمال السوري، سيكون بالضرورة على حساب موسكو ودمشق.
تلعب تركيا في هذه التطورات الثلاثة السابقة دوراً رئيسياً، ما يعني أن كلاً من موسكو وواشنطن بحاجة إليها بشدة لتمتين حضورهما وأوراقهما في هذه المنطقة الواسعة. ومن هنا، يمكن فهم التصعيد العسكري الروسي على إدلب، والحديث عن احتمالين لا ثالث لهما:
أولاً، يندرج التصعيد العسكري الروسي ضمن عملية ابتزاز وضغط سياسي على أنقرة، لمنعها من إجراء أية تفاهمات سياسية أو عسكرية مع واشنطن، لا تأخذ المصالح الروسية بالاعتبار. وما يدعم هذا الخيار أن تصريحات الكرملين والخارجية الروسية، وحتى وزارة الدفاع، لم تشر إلى وجود عملية عسكرية في إدلب، باستثناء تصريحاتٍ عامة قديمة بشأن محاربة الإرهاب، ولعل تصريح الرئيس بوتين يحمل دلالة، حين أكد أخيرا أن الوقت غير ملائم لعملية عسكرية واسعة في إدلب.
ثانياً، شن النظام السوري، مدعوماً من روسيا، عمليات عسكرية محدودة في ريفي حماة اللاذقية الشماليين، وربما في ريف إدلب الجنوبي، من أجل إبعاد الفصائل العسكرية عن مناطق التماس الحالية، أو لإجبارها على القبول بتسيير دوريات روسية ـ تركية مشتركة، اتفق عليها في اجتماع أستانا أخيراً.
من غير المعروف المدى الذي يمكن أن تذهب إليه روسيا عسكريا في هذه المرحلة، خصوصا مع وجود تفاهمات أميركية ـ تركية، ذلك أن أي ضغط عسكري لتغيير الخريطة الجغرافية العسكرية في منطقة إدلب، قد يدفع تركيا أكثر نحو الولايات المتحدة، وهذا ما لا ترغب به روسيا. كما أن هذه العملية العسكرية البرية، إن جرت، ستضعف من قدرة أنقرة على ضبط الفصائل العسكرية وتوجيهها. والنتيجة، وضع اتفاق سوتشي أمام حافة الهاوية، وهذا ما لا يقبل به راعيا هذا الاتفاق.
ستبقى الاحتمالات في منطقة إدلب مفتوحة، طالما بقيت المباحثات التركية ـ الأميركية ـ الكردية، هي الأخرى، مفتوحة على الاحتمالات كافة.
المصدر: العربي الجديد